أمي، أعظم كلمة أتفوّه بها بعد ذكر الله تعالى ورسوله الكريم. «ماما» عندما ينطقها لساني أشعر أنني أخاطب بها الدنيا على اتّساع مساحاتها. ولما أرفقها بـ «حبيبتي»، يترطّب لساني بنكهة خاصة لا مثيل لها مع أحد من البشر ولا حتى من الثمر، أعظم طعما من العسل والتين والموز والتفاح والعنب والرمان..
ولا شيء يشبهها، فريدة في معناها، وحيدة لا تجيّر لأحد مهما عظم شأنه أو شأنها، زوجة، ابنة قريبة، صديقة أو حبيبة.. لكني أعترف أن القريب منها دون أن يصل إلى موازاتها هم الأحفاد، بنات أم صبيان، وتبقى الأم في عليائها ونحمل إليها إلى ذات الموقع والمكانة الأب العظيم في عطاءاته ومسؤولياته وتربيته لنا.
أمي، ومعها أبي تقاسما فيما بينهما نشأتنا وتربيتنا وحمايتنا وتعليمنا وتطوّرنا منذ ولادتنا ورحنا بسنّة الحياة، التي منحها الله تعالى لكل مخلوقاته. ننمو ونكبر رويدا رويدا، صغارا، ثم أطفالا ثم فتيانا إلى أن أصبحنا شبابا بأجسادنا وعقولنا وشخصيتنا ثم رجالا فأزواجا وزوجات وأراد الله تعالى أن يجعل منا رجالا ونساء ومنّا أبناء كُثر..
أمي، أمي، يا أعظم أغنية وأروع سيمفونية أنتِ وأبي... اليوم يا أمي أرادوه أن يكون عيدا، احتفالا بك، بعطائك، بتضحياتك، بسهرك علينا، بوجعك عنا إذا لم يلازمنا النوم أو ذرفت عيوننا الصغيرة الدمع جوعا أو مرضا أو بردا أو أي طارئ أو حدث ما، فتناجين الله الشفاء لأغلى وأعزّ من عندك. وكم سمعتك تقولين لي ولأخوتي: «أنتم أغلى من عيني، أنتم من رآكم قلبي قبل عيني، ولو كنتم مائة فأنتم أغلى من عيني ومن حياتي».. كل يوم يطلّ هو عيدك وعيد كل الأمهات، وقد كرّمك رسول الله بأن الجنة تحت أقدام الأمهات، ورفع الله الأم والأب، وهما الوالدين، إلى أعلى الدرجات بقوله تعالى {وقضى ربك ألّا تعبدوا إلا إيّاه وبالوالدين إحسانا} - الله والوالدين، ما أعظم هذا التكريم وأغلاه وعظيم شأنه.
أمي اشتقت إليك إلى لهفك الحنون وصوتك ودعائك، بكيت وأبكي لفراقك، وبكيت أكثر لما حلّ بوالدي وأخي وابن عمي صهري وكل أهل منطقتي وماتوا ذبحا وبرصاص الغدر والخيانة وبحقد طائفي أسود، لكن في عيدك نقول طوينا صفحات الحروب العبثية، وحمى الله لبنان وكل اللبنانيين إنه سميع مجيب الدعاء.