بيروت - لبنان

اخر الأخبار

14 أيلول 2021 12:02ص فراغ بيروت السياسي

حجم الخط
تمرّ الحياة السياسيّة في بيروت بمرحلة تصحّر سياسي قاتل، لم يمرّ على تاريخ المدينة ظروف مشابهة من الفراغ السياسي منذ ثمانينات القرن التاسع عشر.

إرتبط إسم بيروت بحراك سياسي دائم منذ إعلانها مركزاً لولاية عثمانية في العام 1887، مروراً بإعلانها عاصمة دولة لبنان الكبير وما أعقب ذلك من قيام الجمهورية اللبنانية وما تبعه من خضات أمنية وسياسية حتى مطلع الألفية الجديدة، فقد كانت مدينة بيروت مركز الثقل السياسي في لبنان ولم تغب يوماً عن المطبخ السياسي عبر كثير من رجالاتها، من أبو علي سلام ودوره في مجلس المبعوثين كما عمر الداعوق وأدواره البارزة في نصرة بيروت وغيرهم الكثيرين.

وفي فترة ما بعد الإستقلال استمرت النخب البيروتية تؤدي دورها كاملاً في العمل السياسي البيروتي، وحملت قيادات بيروت السياسية وزر العمل السياسي في تمثيل المدينة والنطق بإسمها، من رؤساء حكومات ووزراء ونواب، كأمثال الرؤساء صائب سلام وعبد الله اليافي وغيرهم الكثير.

في فترة الحرب الأهلية ورغم غياب قيادات الصف الأول البيروتية، استمر الحراك في بيروت ولعب المفتي الشهيد الشيخ حسن خالد دوراً مركزياً في توجيه البوصلة السياسية في بيروت، ولحين توقيع إتفاق الطائف كانت بيروت ممثلة سياسياً وينشط بها العمل السياسي عبر مثقفيها ونخبها والمجتمع البيروتي قاطبة.

شكّلت فترة تسعينيات القرن الماضي أرضاً خصبة للعمل السياسي في بيروت عبر الرئيس الشهيد رفيق الحريري، الذي اختصر بشخصه محور الحركة السياسية في العاصمة، مقابل إنكفاء واضح لعدد من الشخصيات البيروتية التي خسرت مكانتها، إما إنتخابياً وإما لإفتقادها لمقومات الإستمرار في ضوء المتغيّرات التي حدثت بعد إنتهاء الحرب الأهلية.

بداية القرن الجديد كانت بيروت محور العمل السياسي في لبنان، فكانت انتخابات العام 2000 مدوية في نتائجها لناحية سقوط رئيس الحكومة سليم الحص في تلك الانتخابات ومثله خسر الرئيس تمام سلام في مواجهة لوائح الرئيس رفيق الحريري، الذي إختصر بشخصه ومحيطه تمثيل بيروت.

مرحلة ما بعد إغتيال الرئيس الحريري، شهدت بزوغ نجم وريثه السياسي الرئيس سعد الحريري، الذي إستعان بالحرس القديم التابع لوالده وتربع على عرش الزعامة البيروتية منفرداً في سابقة تحدث لأول مرة في تاريخ العاصمة، لكن تلك الزعامة ونتيجة لعوامل داخلية وخارجية بدأت تهتز، وما انتخابات العام 2018 إلا مؤشراً على حدوث تبدّل في المزاج البيروتي، حيث لم تحصد لائحة الرئيس الحريري إلا ستة مقاعد من مقاعد الدائرة الثانية، من بينها أربع مقاعد مخصصة للطائفة السنية.

مع بداية الأزمة الحالية، تبيّن وبمراقبة للحراك السائد في لبنان، وخاصة في بيروت، أن العاصمة تفتقد الى رؤية سياسية واضحة، فقيادات بيروت السياسية غائبة عن بوصلة العمل ومبتعدة عن شؤون وشجون العاصمة، من الرئيس سعد الحريري الذي ابتعد عنه عدد كبير من الأطياف البيروتية نتيجة خيبة أملها من أدائه السياسي، كما ان النائب فؤاد المخزومي فشل هو الأخر، أما الرئيس تمام سلام فإكتفى بحضور خجول ضمن لقاء رؤساء الحكومات السابقين، هذا فضلاً عن النائب نهاد المشنوق الذي إكتفى بمنصة إعلامية وبقي أسير العباءة الحريرية.

مع تشكيل الرئيس نجيب ميقاتي لحكومته الجديدة، تستمر بيروت في يتمها السياسي، وهي على أبواب انتخابات مصيرية قد تحدد مصير البلاد، وهنا تبرز الحاجة الى حراك بيروتي يعيد بوصلة العمل السياسي في بيروت الى مكانها الصحيح، والبيارتة مدعوون الى أخذ المبادرة في إنهاء الفراغ السياسي لمدينتهم، وتمثيلها أحسن تمثيل، تمهيداً لعودة أكثر من ضرورية لكي تلعب بيروت أدوارها السياسية والإقتصادية التاريخية التي خسرتها مؤخراً.

بيروت زاخرة بالكفاءات، بخلاف ما قيل سابقاً، لكن المجتمع البيروتي بكافة أطيافه مدعو الى الخروج من إحباطه المصطنع بفعل سياسات ممثليه الخاطئة.


كاتب - باحث سياسي