بيروت - لبنان

اخر الأخبار

29 كانون الأول 2020 06:37ص فرنسا الدولة الوحيدة التي تقف إلى جانب لبنان وباقي الدول منشغلة بمصالحها

المبادرة الفرنسية تبقى خشبة الخلاص في حمأة المتغيّرات الإقليمية والدولية

حجم الخط
لماذا يتشبث الرئيس سعد الحريري بالمبادرة الفرنسية ويبذل قصارى جهده لتشكيل حكومة إنقاذية بمضمونها، رغم ما يواجهه من عراقيل مفتعلة وتحديات من هذا الطرف أو ذاك، محلياً وخارجياً؟

السبب الأوّل الذي يدعو الحريري للتمسك بالمبادرة الفرنسية ويسعى لتنفيذها، باعتبارها فرصة فريدة ومهمة متوافرة في هذه الظروف الصعبة والمتدحرجة إقليمياً ودولياً، وبالتالي يجب على اللبنانيين توظيفها لصالحهم وعدم اضاعتها كباقي الفرص الأخرى المهدورة لغايات ومصالح شخصية أو إقليمية كما حصل مراراً في السابق.

فهذه المبادرة التي طرحها الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون امام زعامات وممثلي الأطراف السياسيين وحازت على موافقتهم ودعمهم لتنفيذها، تتضمن كل مستلزمات مساعدة لبنان ليتمكن من حل الأزمة المالية التي يواجهها ومتطلبات عملية النهوض الاقتصادي وتجاوز الأزمة في المستقبل.

ولذلك، فإن المطلب الأساس هو الالتزام بمضمون هذه المبادرة في تأليف حكومة الانقاذ المرتقبة وأي خروج أو تجاوز لمرتكزات ومضمون هذه المبادرة في تشكيل الحكومة العتيدة، يعني الالتفاف عليها مواربة والتملص من الالتزامات بدعمها وتنفيذها، ما يعني ضمناً الانقلاب على الوعود التي أعطيت للرئيس الفرنسي علناً من كل الأطراف السياسيين، مع ما يترتب مقابل ذلك من تعثر واستنكاف الجانب الفرنسي في تنفيذ مضمونها أيضاً، ما يبقي لبنان يراوح مكانه وغارقاً في سلسلة الأزمات والمشاكل التي يواجهها حالياً ومستقبلا.ً

الحريري يسعى لحكومة إنقاذية رغم العراقيل المفتعلة والتحديات المحلية والخارجية

واكبر دليل هو الحكومة المستقيلة التي تمّ تأليفها ظاهرياً على أساس حكومة اختصاصيين استجابة لمطالب فئات واسعة من الشعب اللبناني المنتفضين ضد السلطة الحاكمة ولارضاء المجتمع الدولي، ولكنها في الواقع كانت حكومة محاصصة سياسية لم تحظَ برضى النّاس ولم تَحُز على دعم وتأييد الخارج على حدّ سواء، ولم تستطيع القيام بمتطلبات الإصلاح وحل الأزمة المالية والنقدية التي يتخبّط بها لبنان، بل زادت الأوضاع سوءاً عمّا قبل ودخلت البلاد في مرحلة أشدّ صعوبة عمّا قبل.

ففرنسا التي كانت في مقدمة الدول التي سارع رئيسها لزيارة لبنان للتضامن والوقوف إلى جانبه بعد حادث التفجير الكارثي الذي تعرض له مرفأ بيروت الصيف الماضي وقدم مبادرة عملية للمساعدة والانقاذ على مستوى متمايز عن سائر الدول الصديقة والشقيقة، لا تزال حتى الساعة تلحُّ على الأطراف السياسيين لمساعدة أنفسهم وبلادهم لتخطي ازمتهم، بالرغم من انشغالات فرنسا بباقي المشاكل والأزمات الإقليمية والدولية، في حين ان اهتمامات الدول الأخرى الفاعلة بالمنطقة والعالم وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأميركية منشغلة حالياً بترتيب اتفاقيات التطبيع بين بعض الدول العربية والخليجية مع إسرائيل أو منشغلة بالانتقال بين الإدارة القديمة والادارة المنتخبة، ولا تولي الشأن اللبناني الاهتمام لمساعدة لبنان على تجاوز مشاكله المالية والاقتصادية وان كانت تدعو باستمرار لتشكيل حكومة إنقاذ من اختصاصيين تعبَّر عن تطلعات واماني الشعب اللبناني في القيام بالاصلاحات اللازمة ومكافحة الفساد المستشري وتبدي استعدادها للمساعدة في حال تحقق ذلك.

السبب الثاني، استغلال المساعدة الفرنسية بالزخم التي هي عليه للمحافظة على مكانة ودور لبنان بالمنطقة والعالم في ضوء المتغيّرات المتسارعة بعد اتفاقيات التطبيع الأخيرة مع اسرائيل التي ستكون لها نتائج ومؤثرات سلبية قد تنسحب على لبنان في المرحلة المقبلة.

فما يحصل لا يمكن الاستهانة به أو عدم التحوّط له لأنه قلب الأوضاع الإقليمية رأساً على عقب، والاهم هو الإسراع لإعادة بناء مرفأ بيروت بالكامل ليكون جاهزاً للمرحلة المقبلة واتخاذ الإجراءات والتدابير المطلوبة على كل المستويات لتفادي الانعكاسات السلبية المحتملة لهذه المتغيّرات، وهذا لا يمكن ان يتحقق الا من خلال الإسراع بتأليف حكومة على أساس المبادرة الفرنسية المذكورة.

السبب الثالث، التحوط للتفاهمات الإقليمية والدولية المحتملة بعد تسلم الإدارة الأميركية الجديدة لمهماتها بالشهر المقبل، لا سيما بين إيران التي أبدت استعدادها على أعلى المستويات لفتح حوار مع الإدارة المذكورة، املاً بكسر حدة العقوبات المفروضة عليها أو سعياً لتكرار الاتفاقيات والتفاهمات المعقودة مع الإدارة الأميركية السابقة على حساب بعض دول المنطقة ومنها لبنان على وجه الخصوص.

ولذلك، فإن مسارعة اللبنانيين للتفاهم وتأليف حكومة جديدة استناداً للمبادرة الفرنسية بمضامينها، يحصّن الوضع الداخلي اللبناني إزاء المتغيّرات الحاصلة، أياً كانت نتائجها، وبالطبع فإن معظم التوقعات لما قد يحصل لا تؤشر إلى ايجابيتها في معظم الأحوال، في حين ان استمرار التلكؤ والمماطة بعرقلة وتعطيل المبادرة الفرنسية لغايات شخصية ومصالح إقليمية بانتظار المتغيّرات المحتملة، سيزيد من الاهتراء الداخلي، سياسياً، ويطيل أزمة تشكيل الحكومة إلى وقت غير معلوم، بينما ستزداد المشاكل والأزمات وتتراكم وتقوى ضغوطاتها على الشعب اللبناني كما هو حاصل حالياً، ويدفع لبنان كلّه ثمن التعطيل، ولن تقتصر الخسائر على طرف دون الآخرين.