ألقى رئيسُ التَّيَّارِ الوطني الحُر رئيس تكتلِ لبنان القَوي النائب والوزير السَّابقِ جبران باسيل بتاريخ السَّادسِ والعشرين من شهر شباط الحالي بمُناسبةِ إطلاق مَشروعِ الدَّولةِ المَدنيَّةِ في لبنان خطابا سِياسِيَّا تمحورَ حولَ ما أسماهُ بالإصلاحاتِ السِّياسِيَّة.
جبران باسيلِ بخطابه المنوه عنه كان شخصا آخرَ عما عَرَفناه سابقا، إذ بدا متخلِّياً عن تزمته في الدفاعِ عما بعتبره حقوق طائفة بعينها، فبدا أكثر انفتاحا، وأكثر لبنانيَّةً بانفتاحه على باقي المُكوِّناتِ الوطنيَّة داعِيا لاقامَةِ دولةٍ مدنيَّة، وبدى وكأنه استَحقَّ فظاعةَ ومخاطرَ ما آلت إليه سياسةُ المماحكاتِ والمُناكفات السِّياسيَّة التَّعطيليَّة. قد لا يستسيغ للبعضِ ما أقوله ولكني مقتنعٌ انه خِطابٌ يَستحقُّ الثَّناءَ عليه.
لفتني في هذا الخِطاب طرحُ انتخابِ رئيس الجُمهوريَّةِ اللبنانيَّةِ مُباشَرةً من الشَّعب كأنه جاءَ بنفحَةٍ علمانيَّة.
لقد سَبق لي وتبنيتُ هذا المُقترحِ منذ سَنة وأدرجتُهُ في متن مُسودَّةِ دستورٍ أعدتُ فيها صِياغَةٍ الدستور اللبناني وفقَ روحيَّةِ اتِّفاقِ الطَّائف، (والتي خالفتً فيها هذا الاتِّفاقِ بهذه النُّقطةِ فقَط)، وبتأسيس هيئةٍ التشريع العامَّةِ التي تتشكَّلُ من مجلسين اشتراعيين مُتكاملين (مجلس نواب خارج القيد الطائفي والمذهبي ومجلس اعيان او شيوخ يراعى في انتخاب اعضائه المكونات الطائفية والمذهبية).
هذا الطَّرحُ الذي أطلقهُ رئيسُ التيار الوطني الحُر ينبغي ألا يَمُرَّ على مَسامعِ كبارِ المسؤولين في الدَّولةِ كما على مسامِعِ الطَّبقة المُثقفةِ ورِجالِ الفِكر والقانون على وجه الخُصوصِ مرورَ الكِرام، إذ ينبغي إعارتُهُ ما يستخق من إهتِمام كونهُ يُطرحُ في مَرحلةٍ مِفصليَّةٍ، ولكونِه يُشكِّل نقلةُ نوعيَّةُ إصلاحيَّةً على المُستوى السِّياسي، تصبُّ في إطار ترسيخِ الاستقرارِ السِّياسي في لبنان، كما يُشكلُ بابا لمَسارٍ إصلاحي دُستوري يوقِفُ كُل أشكالِ تعطيلِ سيرِ العمل في المؤسَّساتِ الدُّستوريَّةِ في لبنان.
هذا الطَّرحُ المُتفدِّمُ جِدا ينبغي ان يتلقَّفَه مختلف المكوناتِ السِّياسِيَّة في لبنان، وان تَعملََ الكُتلُ البرلمانيَّةُِ الاساسيَّةُ على تبنيهِ والسَّعي إلى تَطويرِه، وبلورتِه على شكلِ اقتراحِ قانون، ووضعَهُ على سِكَّةِ المسارِ التَّشريعي الدُّستوري الصَّحيح ليأخذَ مَجراه القانوني وصولا إلى إقراره ووضعِهِ قيد التنفيذِ في أقربِ وقت.
ينبغي على المَعنيين وكِبارِ المسؤولين في الدولةِ أن ينظروا إلى روحيَّةِ هذا المُقترحِ التغييري الإصلاحي بعيدا ن أيَّةِ مُماحكاتٍ سِياسِيَّةٍ او مُناكفاتٍ بين مختلفِِ القِوى السِّياسِيَّةِ الاساسِيَّة، نظرا لأهمِّيَّتهِ في هذا الظرف العَصيب الذي يمرُّ به لبنان، هذا عدا عن كونه مَطروحا ومُتبنى من رئيسِ أكبر ِكُتلةٍ مَسيحيَّةٍ ومؤيَّدا من قبلِ رئيسِ الجُمهوريَّة اللبنانيَّة.
الاقتراحُ يَجعلُ من رئيسِ الجُمهوريَّةِ رئيسا فِعليا للدَّولةِ اللبنانية، وحَكما وازِنا وحاميا للدستورِ في ذاتِ الوَقت، فيما لو عُزِّزت صلاحيَّاتُهُ على نحو ٍ يمكِّنهُ من السَّهر ِعلى حُسن الالتزامِ بنُصوص الدُّستورِ المُؤتمن عايه، ويضمنُ عدم خرقِه من أيَّةِ سُلطةٍ دستودريَّةٍ اُخرى تشريعيَّةٍ او تنفيذيَّةٍ أو قضائيَّة، كما يُسهِمُ في ترسيخ الفشل والتَّوازنِ والتَّعاونِ ما بين السُّلطتين التَّشريعيَّةِ والتَّنفيذيَّة، ويضمنُ استقلاليَّةَ السُّلطةِ التَّنفيذيَّة.
ونكتفي بالإشارَةِ إلى اهَم الصَّلاحِيَّاتِ التي ينبغي منحُها لرئيسَ الجُمهوريَّةِ المنتخبِ من الشَّعبِ، باعتبارِ انتخابه ياتي تعبيرا عن إرادَةٍ شَعبيَّة، وهي:
أولا: سُُلطةُ حَلِّ ايٍّ من مَجلسي النواب او الاعيان (الشُّيوخ) مرَّة واحِدةً خلال فترة ولايتِهِ ولأحدِ الأسباب التاليَة؛
أ - التأخر عن إقرار الموازنة لمدة ثلاثة أشهُر عن الموعد المُحدد دستورا.
ب - امتناع المجلس او فشله في الانعقاد خلال دورة انعقاد عادية في حال امتناعِهِ عن عقدِ جلساتِهِ لمُدَّةٍ تَزيدُ عن خَمسةَِ عشرة يوما من تاريخ بدء عَقد عادي.
ثانيا: ردُّ المشاريعِ واقتراحاتِ القوانين المرفوعَةِ إليه بعد إقرارِها من قِبَل السُّلطةِ التَّشريعيَّةِ المُختصَّة خِلالَ مُدَّة خمسةِ عشر يوما، والّتيَ اعتُبرَت نافذةٌ وواجِبَةُ النَّشر، اما في حال رد القانون فعلى المَجلسِ اعادَةِ النظرِ في نص القانون، واقرارِهِ وَفقَ المُلاحظاتِ التي سبَقَ وابداها رئيسُ الجٌمهوريَّة، وإلا التاكيدُ عليها مُجدَّدا بإقرارها بغالبيةِ ثلثي عدد الأصواتِ الذين يتألفُ منهم المََجلِسُ او الهيئةِ التَّشريعيَّةِ العامَّة.
ثالثا: الدَّعوةُ إلى انتِخابات تَشريعيَّةٍ قبل انتِهاء مُدَّة ولايَةِِ المَجلِسِ التَّشريعي بستين يوما كحدِّ ادنى.وتسعين يوما كحد أقصى.
رابعا: الدَّعوةُ إلى استِشاراتٍ نيابيَّةٍ مُلزمَةٍ لتسمِيََةِ رئيس يُكلَّفُ بتَشكيلِ الحُكومَةِ.
- تكليفُ رئيسُ الحُكومَةِ استِنادا لنتائجِ الاستِشاراتِ النيابيَّةِ الملزِمَة، بموجَبِ مرسزمٍ يوقِعُهُ مُنفردا، ويدعوهُ فيه لتشكيلِ حُكومََةٍ خِلالَ مُهلةِ شَهر من التكليفِِ كحدٍّ أقصى.
خامسا: ردُّ تَشكيلةِ الحُكومَةِ للرئيسِ المُكلفِ بقرار مُعلَّلٍ يدعوه في متنه لإعادَة النَّظر بتشكيلتها وذلك خِلالَ مُدَّةِ خَمسةَ عَشرَ يوما إضافيَّة، على ان تُعلنَ تَشكيلةُ الحُكومَةِ، بموجَبِ مرسومٍ يوقِّعَُهُ مع رئيس الحٌكومََةِ وَفق التَّشكيلةِ التي أعدَّها وقدَّمها الرَّئيسُ المكلَّف.
سادسا: الايعازُ لرئيسِ مَجلسِِ النُّواب بتَحديدِ موعدٍ لمُناقشَةِ البيانِ الوزاري الخاصِّ بالحكومة المٌشكلةُ والتَّصويِتِ على الثِّقََة بها على ضوءِ مناقشةِ البيانِ، وذلك خِلالَ الاسبوع الاول الذي يلي مُرور َ شَهر على صُدور ِمرسومِ تَشكيلِها.
سابعا: ردُّ المراسيم التي تُقر ًّ في مَجلسِ الوزراء بقرارٍ مُعلَّلٍ لإعادَةِ النُِظر فيها خلالََ مُهلةِ خمسة عشرَ يوما، والا اعتُبرت نافِذة. وعلى مَجلس الوزراء إما تعديلُها وفقَ مُلاحظاتِ رئيس الجُمهورية، والا اقرارُها بغالبيَّةِ ثلثي أعضا المجلس، وحينها تُعتبرُ نافِذةً وواجِبةَ التَّشرِيع ضِمن المُهلةِ المُجدَّدة لنَشرِ القوانين.
ثامنا: ردُّ المراسيم العادِيَّةِ التي تَصدُر ُ خارجَ جلساتِ مَجلسِ الوزراء، على ان يتمَّ طرحُها على مَجلسِ الوزراء للنَّظرِ فيها في اول جلسّة يعقدُها بعد ورودِ طلبِِ ردِّها إلى امانَةِ سِرِّ محلس الوزراء لاتخاذ القرار اللازم بشأنها، على ان تصدُر َ في حال التأكيدِ عليها بمَرسومٍ يتَّخذُ في مَجلسِِ الوزراءِ بدلا من المَرسومِ العادي وبأكثريَّةِ ثلثي أعضائه.
تاسعا: الطلبُ من رئيسِ مَجلِس النُّوابِ تخصيص جلسةٍ لطَرحَ الثِّقةِ بالحُكومَةِ او بأحَدِ او بعض وزرائها، وعلى رئيس المجلس ان يُحدّد جلسةً، لهذا الغرض خلالَ خمسةَ عشرَ يوما كحد أقصى، على أن يُصارَ إلى التَّصويت بعد الاستماعِ للحكومة، او الوزراء محل طرح الثقة.
عاشرا: توجيه دعوةٍ لأي من مَجلِس النُّوابِ أو الأعيان او للهيئة العامة للتَّشريع (المكونة من المجلسين) للإنعقادِ ومُناقَشَةِ المواضيعِ المُدرجَةِ في كتابِ الدَّعوةِ للانعقاد. وعلى رئيسِ المَجلسِ ان يُطلعَ رئيس الجُمهوريِّة على ما توصَّلت إليه النّقاشاتُ داخل المجلس او الهيئة العامة للتَّشريعِ خِلالَ مًدة ثمانية واربعين ساعة من انتهاء الجلسةِ او النقاشات.
حادي عشر؛ توجيهُ دَعوةٍ لمَجلِسِ القَضاءِ الاعلى لمُناقشَةِ مَسائلَ جَوهريَّّةٍ تتعلقُ بحِسنِ سيرِ مرفقِ العدالة، وعلى المَجلسِ ان ينعقِدً خلال مُدَّةِ عَشرةِ أيامٍ لمُناقشَةِ كتاب الدَّعوة المُوجَّهِ إليه من الرئيس، والتداولِ بما تضمَّنهُ من مواضيعَ استوجَبت الدَّعوة للانعقاد. واتِّخاذِ القراراتِ المناسّبةِ بشأنِها، على ان يُبلِّغَ رئيسً الجُمهوريةِ مَضمون القرارات/ القرار /القراراتِ المتخذِ/ة على ضوئها خِلالٌ مُهلة ثمانيةٍ وأربعينَ ساعةٍ من قبلِ رئيس المَجلس، على ان يرفع بكتاب خَطِّي بهذا الخصوصِ للامانَةِ العامًَةِ لرئاسَةِ الجُمهوريَّة.
ثاني عشر: منحُ الجِِنسيَّةِ اللبنانيَّةِ لأشخاصِ غيرِ لبنانيين ممن قدَّموا خَدماتٍ جلى للبنان، على أن تكون موثقةً بوثائقَ او نصوصٍ رَسميَّةٍ ذاتِ مِِصداقيََّّة. على ان تَصدرَ الجنسيَّةَ بمرسومٍ يوقَّعُ من كُلٍّ من رئيس مجلِسِِ الوزراءِ ووزيرِ الدَّاخليَّة والبلديات.
ثالث عشر: المُصادَقةُ على الاتفاقيَّاتِِ والمُعاهداتِ الدوليَّة، التي تتولى المَراجِعُ المُختصًّةُ التفاوضَِ بشأنها قبلَ احالَتِِها إلى مَجلسِ النُّوابِِ لمناقشتها والتَّصويتِ عليها وتصديقِها باكثريَّة ثُلثي أعضاءِ الهيئة العامَّة للتسريع أي المجلسين مُجتمعين. ومن ثم أصدارُها ونَشرُها وَفقا لما هو مُعتمدٌ بالنِّسبةِ للنُصوصِ القانونية العاديَّة.
رابع عشر: ترؤسُ جلساتِ المَجلسِ الاعلى للدِّفاع،
خامس عشر: اقتراحُ تعديلِ النُّصوصِ الدُّستوريَّةِِ بالاتِّفاقِ مع رئيسِِ مجلس الوزراءِ على ان يُقرَّ الاقتراحُ في جلسةٍ لمَجلس الوزراء وبأكثريَّةِ ثُلثي أعضائه. يُحال الاقتراحٌ فور إقراره إلى هيئة التَّشريعِ العامَّةِ لطرحهِ للنِّقاشِ والتَّصويتِ خلال مُهلةِ شهرٍ واحد.
سادس عشر: الايعازُ لرئيسِ مجلسِ الوزراء، بإدراجِ أيِّ موضوعٍ يراهُ جوهريَّا وهامَّا على جدولِ اعمالِ اولِ جلسةٍ لمَجلسِ الوزراء للتداولِ فيه واتخاذ القرار المناسب بشانه، على ان يتولى رئيس مجلس الوزراء إطلاعُهُ على القرارات المتخذ بهذا الصَّددِ خلالَ مُهلة ثمانية واربعين ساعةٍ من انتهاءِ الجلسَةِ التي طُرح فيها الموضوع.
وعلى ضوء ما تقدَّم تصبحُ السُّلطة التنفيذية مناطة بمجلس الوزراء الذي يتحمل رئيسه مسؤولية تشكيله الحكومة ونيلها الثقة والسِّياساتِ التي تعتمدُها في إدارةِ شؤون الدولة امام مجلس النواب الذي يُعتبرُ مَسؤولا عن مُراقبَةِ أدائها ومحاسَبتِها، كما عن مراقبَةِِ اداءِ وزرائها كلٌّ وَفقَ صَلاحِيَّاتِهِ ومُحاسبتهُم.
نَخلُصُ من كل ما تقدَّم مُكتفين بتدعيم طَرحِ رئيسِ التَّيارِ الوطني الحُر ، مؤكدين على أهميّةِ التَّجاوبَ معَه، ومُلاقاةِ الكتلة التي طَرحته، مشجعينها على التَّقدم باقتراحِ قانونٍ دستوري بهذا الشَّانِ بأسرَعِ وقت.
* دكتوراه في القانون
وعميد متقاعد في قوى الامن الداخلي