بيروت - لبنان

اخر الأخبار

4 كانون الثاني 2023 12:00ص فوضى التشريع... مسار انحداري في لبنان

حجم الخط
يعتبر علم السياسة التشريع مجموعة القواعد العامة المجرّدة من أي مصالح خاصة وهي حُكماً مُلزمة التطبيق وغالباً ما تكون صادرة عن سلطة عامة شرعية مختصة في دولة ما التي تُنظِّم الحقوق والواجبات في الدولة. كما يُضيف علم السياسة أنّ القاعدة القانونية التشريعية تتضمن تنظيماً معيناً لشؤون الدولة السياسية - الأمنية - الإقتصادية - المالية - الإجتماعية - التربوية - السياحية... علماً أنها بموجب القانون تتضمّن أيضاً عنصر الإجبار التطبيقي الذي يجعلها ملزمة على الجميع مسؤولين ومواطنين.
إنّ التشريع السليم له وفق القانون الدستوري مصادر متنوّعة وتختلف بإختلاف المجتمعات ولكن ما بين تلك التشريعات ما هو عام وخاص. ويحتل عامل التشريع وفق العلم السياسي مركز الصادرة في كل دولة لها كيانها وإدارتها ومؤسساتها المدنية والعسكرية، وفي أغلب الأحيان التشريع السليم هو المصدر الرسمي للقواعد القانونية التي تحكم نظام معين في دولة معينة، وعلى الدولة أن تلتزم بما يرد من نصوص قانونية وفقاً للأصول. إنّ التشريع السليم على ما خبرنا في الدراسة الجامعية والممارسة السياسية يضع قواعد قانونية مجرّدة تحكم سلوك الأفراد سواء أكانوا مسؤولين أو عامة الناس.
إنّ خصائص التشريع السليم تُقسم إلى قسمين، الأول قيام سلطة عامة مختصة في الدولة بوضع القواعد القانونية في إطار مكتوب منظّم كما إعطاء هذا الإطار قوة الإحترام والتطبيق المُلزم، والتشريع السليم هو ما يُعتبر علمياً المصدر الرسمي للقانون. الثاني النص الرسمي الذي يصدر من السلطة العامة المختصة أي بدرسه وإقراره في شكل قاعدة قانونية مُلزمة ضمن أشكال من الصيغ التشريعية.
في لبنان وللأسف هناك عيوب تشريعية كثيرة وفي حال أردنا إستعراض العيوب يلزم الأمر العديد من الصفحات والإستطرادات التي تبدأ ولا تنتهي، وبكون التشريع يصدر عن السلطة العليا فإنه في طبيعة الحال كما الوضع في لبنان أصبح وسيلة تحكميّة في يد السلطات اللبنانية التي تحكُمْ خلافاً للنظام الديمقراطي بما جعل التشريع يخدم مصالحها الخاصة على حساب مصلحة الجمهورية ومكوّناتها، وهذا أمر غير ملائم على ما أفادني به أحد فقهاء القانون الدستوري الذي إلتقيته في معرض بحثي عن هذا الموضوع وما قاله حرفياً «التشريع في لبنان مُسيّس يخدم مصالح السياسيين عندنا وهذا أمر غير مألوف وغير طبيعي ويصدر عن سلطة هدفها الضغط تحت ظروف إقتصادية - إجتماعية أهلكت الدولة والشعب».
فوضى التشريع على ما يبدو في لبنان إستشرت ولم تَعُدْ تُحتمل وأكبر مثال على ذلك الأمر أود التذكير بأمرين، الأمر الأول: بعد إتفاق الدوحة في العام 2008، أتى إنتخاب العماد ميشال سليمان رئيساً جديداً للجمهورية هو قائد جيش فعلي، وقد رافق هذا الأمر الكثير من النقاشات والمناظرات التي من المفترض أن يتوقف عندها أي باحث ويعيد قراءتها وأخشى أن تتحوّل هذه الدراسات إلى ثوابت يُبنى عليها خلافاً لأمر التشريع السليم، علماً أنّ هذا الموضع أخذ حيِّزاً كبيراً من البحث ولم يُحسم لغاية اليوم. الأمر الثاني: قانون الإنتخابات الأخير الذي أقِّر وقد فتح باباً واسعاً من النقاشات حول الأصول التي من الواجب إعتمادها للخروج بمعادلة التمثيل الصحيح والسليم، ممّا أفضى إلى العديد من المناقشات التي لم تصل إلى أي مكان وكانت النتيجة أن تمّ إعتماده لدورتين متتاليتين بالرغم من بعض الأصوات التي نددت بالأمر وفي طليعتها بكركي علماً أنها إنصاعتْ للأمر وقبلت القانون على ما هو عليه.
نعم نحن بحاجة إلى التشريع السليم، وأحد أهم المشاكل التي نواجهها في الجمهورية اللبنانية هي حالة التصادم بين إقرار القوانين وعدمية تطبيقها ممّا يؤدي إلى حالات تصادم نعيشها في مجتمعنا اللبناني نتيجة التباينات في المصالح والقوانين المكتوبة والتي تضعنا أمام أزمات تعصف بنا وبالجمهورية وتهز أركانها وأسُسُها وقد تقودنا إلى الإنهيار التام، وهذا يعني أننا أصبحنا في مجتمع سياسي هش وضعيف وسهل الإنفراط والوقوع في الطريق المسدود الذي لا ينفتح أمام العدل والإستقرار التي هي من أهم مرتكزات السلام.
لا شك في أنّ تلك الأنانية المفرطة قد أدخلتنا في ما بات يُعرف بفوضى التشريع الذي سيأخذنا إلى مسار إنحداري في الجمهورية اللبنانية، إنّ تلك الأنانية المفرطة التي تلازم الساسة في لبنان هي التي تجعلنا جماعة منهوكة فاقدة لأبسط حقوقنا المنصوص عليها في شرعة حقوق الإنسان. كفانا مصالح خاصة عن إستخدام التشريع وصياغته حسب ما تهدف إليه الجماعة السياسية اللبنانية ويستخدمون التشريع أيضاً كسلطات مستبدّة لتبرير شرعيتها المطعون فيها وقمع الحريات على ما هو حاصل حالياً... ربّي في هذه السنة الجديدة أسعفنا وخلّصنا.

* كاتب وباحث سياسي