بيروت - لبنان

اخر الأخبار

30 كانون الأول 2019 06:15ص في استقبال 2020: الانتفاضةُ في مواجهة عبثية السلطة

عامٌ يُختتم على شبحِ الإنهيار والإفلاسِ والجوع.. والثورة نُقطَته المضيئة

انتفاضة 17 تشرين النقطة المضيئة انتفاضة 17 تشرين النقطة المضيئة
حجم الخط
في الطريق إلى وداع العام 2019، يُختتم عام مليء بالمآسي والتفكك، الفساد والهيمنة والابتزاز وغياب الحريات والجمود والانهيار والإفلاس والهرطقات الدستورية... خلا نقطة مضيئة تمثلت بالانتفاضة الشعبية التي انطلقت في 17 تشرين أول رفضاً لسلطة تحالف السلاح والفساد، ورفعت شعاراً شديد التعبير والدلالة «كلن يعني كلن»، متخطية جواحز الترهيب والتقسيم وكل الاعتبارات التي كانت تمنع خروج الناس من كهوف التخويف المصطنع إلى فضاء المواطنة الجامعة.

في تقويم عام 2019 واستقبال العام الجديد تحضر خيبات كثيرة ظللت السنة المنصرمة التي أبت أن تمضي من دون أن تورّث تَركةً ثقيلةً في السياسة والاقتصاد والمال وعلاقات لبنان بمحيطه والعالم، وفي مقدم ذلك الفراغ الحكومي وأزمة تعثر التشكيل بعد تسمية رئيس مكلف من قبل رموز السلطة التي ثار عليها الناس رفضاً لاستمرارها في إدارة الشأن العام. 

في وداع العام واستقبال الجديد، كثيرون يعتقدون أن لا فرق بين وجود حكومة وعدم ذلك نتيجة الاختلال الخطير الذي يضرب الحياة الدستورية والوطنية، ونتيجة سياسات المكابرة والانفصال وعدم الاعتراف بالخطايا. لكن وإن كان ذلك واقعاً مرّاً وصادماً ومخيباً للآمال، بيدَ أنه يستوجب ما هو أبعد من الإنكار وصولاً حتى تصحيح الخلل، حفاظاً على الجمهورية ودستورها وميثاقها الوطني، وهو ما ينبغي أن يكون من ضمن أولويات الانتفاضة تحقيقاً لشعار «كلن» من دون مواربة أو تساهل.

في وداع العام واستقبال الجديد، يعاني البلد من أزمة نظام وأعراف وهيمنات، لا لعجز أو قصور في الدستور والطائف والميثاق، بل لعدم احترام بعض الأطراف له من خلال ابتكار بدع وهرطقات ومن ثم نسبها للدستور، تجنياً واعتداءً، أي رسالة يريد رئيس الجمهورية ميشال عون إيصالها للشعب، كلّ الشعب، وخصوصاً المنتفضين في الساحات عندما يقول «ليس جبران باسيل من يشكّل الحكومة ولكن من حقه ذلك لأنه رئيس أكبر كتلة نيابية»!؟ قديماً قيل إن قوة الدساتير من قوة الرجال القائمين على تطبيقها، وحديثاً قالت صرخات الساحات «كلن.. يعني كلن». 

في وداع العام واستقبال الجديد، ثمة أزمة اقتصادية ومالية ونقدية غير مسبوقة، وازدياد معدلات البطالة وإقفال المؤسسات، وركود في الأسواق وتعطل عجلة الانتاج وحركة التجارة، في مقابل استفادة استثنائية للمصارف من هوامش الأزمة بسبب حفنة من الفاسدين الذين تورطوا بالتآمر لنهب شقاء صغار المودعين وحجز أموالهم دون مسوغ قانوني، في مقابل تغطية جرائم تهريب ثروات كبار المودعين من دون رقابة أو محاسبة!

هؤلاء الذين حوّلوا الناس إلى متسولين يهينون كراماتهم ويبتزوهم على أبواب المصارف.. أي فضيحة تلك التي تتناقلها وسائل التواصل بشكل شبه يومي من داخل فروع المصارف لمواطنين، سيدات ورجال من كل الفئات وعسكريين وطلاب وكبار في السن وغيرهم يصرخون غضباً وهم يطالبون بأموالهم التي احتجزتها المصارف دون أي وجه، في مقابل التزام السلطة صمت القبور وكأن ما يجري يحصل في عالم آخر؟! وزير المالية وبعد صمت طويل اكتفى باستنكار ما يجري، هكذا فقط، أما حاكم مصرف لبنان وجمعية المصارف ففي عالم آخر!؟ أين كان هؤلاء طيلة فترة الأزمة التي بدأت قبل انتفاضة 17 تشرين.

 في وداع العام واستقبال الجديد، يبرز حديث كبار القوم من مرجعيات سياسية ودينية عن المجاعة الآتية بوصفها قدراً محتوماً وليست نتيجة لسياسات خرقاء تمّ اعتمادها لسنين، شاركوا فيها جميعاً وأوصلت البلد إلى ما وصل إليه. أداء مشبوه أغرق الواقع اللبناني بأزمات سياسية، اقتصادية، نقدية، وغذائية غير مسبوقة جعلته دولة شبه منهارة ومفتوحة على كافة الاحتمالات السلبية.. ومن دون خجل تخرج ذات الوجوه التي تسببت بالخراب والإفلاس لتقدم نفسها منقذة وحريصة ورؤيوية. إنها ثقافة المافيا التي لا تشبع ولا تستحي.

في وداع العام واستقبال الجديد، يتردد كلام كثير، كثير جداً، وممجوج عن الوحدة الوطنية، وفرادة النموذج اللبناني.. لكن، للمفارقة، من قبل المسؤولين عن تدمير وتهميش وتهشيم هذا النموذج، والوقت حان لمحاسبة هذه الطبقة التي أحبطت آمال أجيال من خيرة شابات وشباب الوطن بالتغيير نحو الأحسن، من خلال إحباطهم ورميهم أمام خيار الزبائنية أو البطالة، في مقابل زراعة الإدارة العامة بالأزلام والمحاسيب والفاسدين والجهلة.. ثم يأتي من يستغرب لماذا شعار «كلن.. يعني كلن»!

في وداع عام واستقبال آخر، بدا من مواقف مسؤولين إيرانيين في 2019 أن طهران باتت تتعمد التعامل مع لبنان بوصفه «محمية» تابعة لسيادتها الإمبراطورية، ومساحة لإظهار مدى نفوذها الإقليمي وورقة في لعبة تفاوضها مع العالم، حيث تتوالى التصريحات التي تهدد بلداناً بالتدمير انطلاقاً من لبنان تارة، أو تخوّن الشعب اللبناني المنتفض بوجه سلطته الفاسدة تارة أخرى!! أما سلطة تحالف السلاح والفساد، فللمرة الألف، تتخذ وضعية الميت إزاء تكرار هذه الاعتداءات على السيادة الوطنية، من دون أي اعتراض لاستخدام لبنان صندوق بريد لاستخدامات ايران في حوارها مع أميركا أو الغرب، أو منصّة لتصفية حساباتها مع أطراف آخرين.. وللمرة الألف لا مفرّ من إعادة إحياء شعار «كلن.. يعني كلن».

في وداع العام واستقبال الجديد، ثمة متغيرات دولية متسارعة، وتبدّل في المشهد الإقليمي يبلغ حدّ الانقلاب، ما يجري في مدن العراق مثار إعجاب وإكبار، يزيد منه الموقف التاريخي للرئيس المستقيل برهم صالح الذي قدّم مصلحة بلاده على مصلحته الشخصية. استقال ليثبت أن بلاد الرافدين لا تحكم بالإملاءات الخارجية، وأن الدولة فيه لا يمكن أن تبقى أسيرة المليشيات الطائفية المسلحة.. خطوة صالح موقف شجاع ورسالة إلى الرؤساء الآخرين بضرورة الاستماع لصوت الشعب. وطالما الهيمنةُ بالهيمنةِ تُذكر، فلبنان الذي يبدو ساحة مفتوحة على كل الاحتمالات، من دون سياسات واضحة أو خيارات محسوبة، مدعو لمراجعة عميقة لسياساته التي جعلت الأسرة الدولية والدول العربية يحجمون عن الوقوف إلى جانبه في أزمته القائمة.

في وداع العام واستقبال الجديد، سيبقى طموح التغيير الجذري، ومحاربة الفساد، ومواجهة التحديات، واعتماد الشفافية، واحترام الدستور والمؤسسات، وقبل كل ذلك احترام الإنسان.. أولويات تستحق الثورة والعمل والتضحية وإعلاء الصوت وصولاً إلى الدولة – الوطن. 

في وداع العام واستقبال الجديد، لبنان بات بلداً تستوطنه الأزمات، ويظلله التعب والقلق والخوف على الغد والمصير ولقمة العيش، لكن وبالرغم من كل الخيبات والمآسي والأحزان، المخاطر والتحولات، لا مناص من التمسك بالإيمان والإرادة، بالأمل والرجاء، بالإصرار والتحدي، لاستعادة الدولة من خاطفيها، لصناعة غد أفضل... وذلك سيكون.