بيروت - لبنان

10 أيلول 2019 12:00ص في يوم عاشوراء التضحية من أجل القِيَم

حجم الخط
في يوم عاشوراء لا بد أن نذكر دور السيدة زينب كإمرأة وقفت وصمدت أمام كل ما حصل وهي بنت فاطمة الزهراء ابنة الرسول الأعظم، صلوات الله عليه وسلامه، وهي التي نشأت فكرياً وعقائدياً في كنف خير البريّة، فأشتدّ عودها، وتبلورت شخصيتها، لتكون يوم «الطف» مارداً عملاقاً من خلال تربيتها واعدادها مثالاً للمرأة المسلمة الشامخة عنفوانا وإباءً، لا تهزّها الفاجعة الأليمة التي عصفت بأهلها وأنسبائها، رجالاً ونساءً وأطفالاً.

وقد كان مشهد المأساة بالنسبة لها، هو مشهد انتصار الدم على السيف، والانتقال من تسليط الضوء على محرقة كربلاء الى تسليط الضوء على أهدافها ورسالتها، وإلفات النظر الى معنى التضحية من أجل القِيَم التي تهون لأجلها كل المصائب، لان المصيبة الكبرى وفق عقيدتها ليست في ذبح الشهداء بل في ذبح القيم والاستسلام للظلم والاستبداد.

ولا بد أيضا من الإشارة الى ان المؤرّخين يذكرون موكب الرؤوس السبايا الذي انطلق من كربلاء الى الكوفة، حيث احتشد الناس يبكون محدّقين في مشهد أهل بيت رسول الله، يقودهم جيش من أجلاق العرب، فزأرت فيهم زينب بأعلى صوتها:

«يا أهل الكوفة... لقد ذهبتم بعارها وشنارها أتدرون أي كبد فريتم؟ وأي دم سَفكتم؟؟ لقد جئتم شيئاً إدّاً، تكاد السموات يتفطرن منه وتَنْشَقُ وتخرُ الجبال هداً؟».

وعندما وصل الأسرى الى الشام، وأُدخلوا الى ديوان يزيد بن معاوية سأل السيدة زينب: كيف رأيت صنع الله فيكم؟ قالت ورأسها مشرئب يقيناً وإيماناً بالله وبجدّها المصطفى: «والله ما رأيت إلا جميلاً».

وتلقّى يزيد الرد كأنه لطمة على وجهه ليدرك ان هذه الأسيرة هي حتماً بنت فاطمة بنت محمد بن عبدالله عليه الصلاة والسلام، علّمها جدّها ان الصبر والتعالي على السيف هو قمة الإيمان وهو ذروة الإسلام «وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم».

ولعل في الدور الرسالي المشعّ بشخصية السيدة زينب أيضاً ليس في صبرها ورباطة جأشها، بل في توجيه أنظار الأمة الى عوامل فشلها وتتلخص بعاملين أحدهما إنحراف السلطة واستبدادها كما نرى في خطبتها في قصر يزيد بالشام، وثانيهما انحراف المجتمع وانقساماته وخضوعه وجهالاته وصمته عن المجاهرة بكلمة الحق كما نرى ذلك بصريح خطبتها في الكوفة.

فعلينا أن ندرك من جديد معنى التضحية من أجل القيم، وان الصبر هو قمة الإيمان، وعلينا أيضاً عدم ذبح القيم والاستسلام للظلم والاستبداد وبذلك نعيد المؤمنين الى طريقهم الصحيح والقوّيم.



* الأمين العام السابق لاتحاد المحامين العرب