بيروت - لبنان

اخر الأخبار

15 آب 2020 12:01ص قراءات في واقع استقالة حكومة «مواجهة التحدّيات»

دياب يتّهم منظومة الفساد!

حجم الخط
أطاح انفجار مرفأ بيروت بحكومة الدكتور حسان دياب، الذي حمّل الطبقة السياسية في خطاب الاستقالة مسؤولية الحالة التي وصل إليها لبنان فقال «لأن منظومة الفساد أكبر من الدولة، أعلن استقالة الحكومة». وحكومة «مواجهة التحدّيات» برئاسة دياب هي الثالثة التي تستقيل في عهد الرئيس ميشال عون الذي تولّى السلطة عام ٢٠١٦ والمصمّم على استكمال ولايته مهما كانت الأثمان التي يدفعُها لبنان وشعبه المقهور والمقتول.

وبالعودة الى أسباب تسريع استقالة الحكومة في ظلّ تداعيات الانفجار وأمام غليان الشارع، دعا رئيس الحكومة يوم الثامن من آب إلى إجراء انتخابات نيابية مبكرة للخروج من الأزمة التي يمر بها لبنان، وصرّح أنّه «بواقعية لا يمكن الخروج من أزمة البلد البنيوية إلا بإجراء انتخابات نيابية مبكرة لإنتاج طبقة سياسية جديدة ومجلس نيابي جديد». وفي اليوم التالي دعت رئاسة مجلس النواب الى جلسات مفتوحة يوم الثالث عشر من آب «لمناقشة الحكومة على الجريمة المتمادية التي لحقت بالعاصمة والشعب وتجاهلها»، الأمر الذي تضمّن في طيّاته نوايا لتحميل الحكومة مسؤوليّة نتائج تفجير المرفأ ومحاسبتها على ذلك، ممّا دفع الحكومة الى الاستقالة في العاشر من آب. ويتردّد ان رئيس الجمهوريّة وحلفاءه كانوا يتوقّعون استقالة الحكومة في ظلّ مسيرتها المليئة بالإخفاقات والتعثر لا سيّما على صعيد المفاوضات مع صندوق النّقد الدّولي، وبعد فشل الحكومة في الخروج بإنجازات فعليّة وذات أهميّة الى الرأي العام والمجتمع الدّولي. 

عرّفت «منظمة الشفافية الدولية» الفساد على أنه «كل عمل يتضمن سوء استخدام المنصب العام لتحقيق مصلحة خاصة ذاتية لنفسه أو جماعية». أمّا الفساد في لبنان فهو «منظومة» متماسكة، وثقافة بحدّ ذاتها، فرضت نفسها بقوّة على اللبنانيّين منذ مرحلة ما بعد الحرب الأهلية الى يومنا هذا، يتقاسم افرادها السلطة والمكتسبات ومقدرات البلاد، حتّى أصبح الفساد ينمو ويمتدّ برعاية طغمة سياسية متحكّمة بمفاصل الدّولة، يصعب محاسبة أي من أفرادها لأنّ المحاسبة تصطدم بحائط الطائفية والمناطقية، إضافة الى اتفاق ضمني بين الفاسدين بالتستّر على بعضهم البعض حفاظاً على مكتسباتهم وعلى المصالح المشتركة، لأنّهم «دافنين الشيخ زنكي» معاً.

ان منظومة الفساد المالي والسياسي التي أشار اليها رئيس الحكومة المستقيل من دون تسمية افرادها، والتي تُمسك بزمام كل شيء، تضمّ سياسيين ورجال أعمال ومصرفيين وموظفين وقضاة ورجال دين ونقابات وغيرهم، يتم التنسيق بين افرادها. وهي منظومة لا تتوانى عن التضحية بالمؤسسات الدستوريّة والمواطنين كرمى تغطية فسادها وتأمين مصالحها الشخصيّة وجشعها. وربّما لم يُسمّي الرئيس دياب هؤلاء لأنّه أدرك في قرارة نفسه أنّه مُلام لأنّه وافق على دخول الحكومة بدعمٍ من هذه المنظومة وبشروطها وخلافاً لمطالب الشارع الغاضب الذي نادى برحيل الطبقة السياسيّة برمّتها.

نستخلص ممّا حصل في مشوار حكومة حسّان دياب، الذي انتهى باستقالتها القسرية، نقاطاً عديدةً أبرزها انّ منظومة الفساد التي يبدو أعضاؤها متناكفين في العلن تتحالف بقوة وراء الكواليس لحماية مصالحها المشتركة عبر السّلطة والمصارف. ولذلك من الصّعب المباشرة بأي معركة حقيقيّة ضد الفساد او التحقيق في ملفّ الأموال العامّة المنهوبة، او اجراء تدقيق جنائي في حسابات الدولة وحسابات مصرف لبنان، وبالتالي كان من الاسهل التضحية بحسّان دياب وحكومته بحجّة تجاوزه الخط الأحمر بطرحه تقصير ولاية مجلس النواب الحالي. كذلك كرّست التجربة فكرة فشل طرح أي حكومة لا تُبنى على أساس المُحاصصة سواء تحت مسمّى «حكومة وحدة وطنيّة» او «حكومة اقطاب»، ما يُسقط أو يعطّل أي بحث في تشكيل حكومة اختصاصييّن او حكومة حياد سياسية.

لبنان أمام مفترق جديد قد يُتيح له التعافي، ولكن في ظل هذه المنظومة القاتلة يكون من الصعب الحديث عن معالجة للواقع اللبناني من دون فرض تغيير كامل في النظام السياسي اللبناني باتجاه دولة مواطنة بعيداً عن المحاصصة الطائفية، وكفّ يدّ منظومة الفساد من خلال الضغوط المباشرة عليها لا سيما الحجز على أموال افرادها المنقولة وغير المنقولة في الخارج والداخل وفضح صفقاتهم المشبوهة، إضافة الى قانون يُعنى بالعزل السياسي يُخرجهم من اللعبة السياسيّة، وصولاً إلى زجّهم في السجون، وذلك بالاستناد الى غطاء دولي وبضغط شعبي عارم داخلي، هذا ان صدق المجتمع الدّولي في نواياه وكلامه عن مبادرة للوصول الى ميثاق سياسيّ جديد لتغيير النظام في لبنان.