بيروت - لبنان

اخر الأخبار

31 آب 2021 12:02ص قضية الإمام الصدر لن تموت

حجم الخط
إنه العلّامة الذي لا يشقّ له غبار، إنه الحجّة في الدين، والرائد في التبشير بالقيم الحضارية التي يقوم عليها الإسلام، لأنه المرجعية الإسلامية التي تتعدّى حدود الفوارق المذهبية، لا بل حتى حدود الطائفية. والإمام موسى الصدر ابن آية الله العظمى سيد صدر الدين بن سيد إسماعيل بن سيد صدر الدين أحد أكبر العلماء في منطقة جبل عامل في جنوب لبنان، دخل حوزة العلوم الدينية في قم ودرس فيها العلوم الإسلامية والفقه، وفي الوقت نفسه كان يدرس الحقوق في جامعة طهران، حيث حصل على إجازة البكالوريوس في الحقوق الاقتصادية.

آمن الإمام الصدر بمقولة الطوائف نعمة والطائفية نقمة، محذّراً من تكريس الطائفية في جسم الوطن، لأنها أخطر من الاستعمار والاحتلال. وكان الداعي للوحدة الوطنية بين المسلم والمسيحي في البلد، وهو يعلم أنّ الوحدة سياج الوطن الصغير، لبنان، في مواجهة أعتى التحديات التي تعصف به من جانب العدو الإسرائيلي. كما أعلن في 6/7/1975 عن ولادة أفواج المقاومة اللبنانية، أمل، للاستجابة لصرخات وطنهم الجريح المظلوم المضرّج بالدماء الذي يتعرّض دائماً ومن كل الجوانب لاعتداءات العدو الإسرائيلي الظالم.

عايش الأحداث الجسام التي تعرّض لها لبنان والمنطقة، واليقظة العربية، وتفجير براكين الثورة على الواقع المرفوض من الشعب العربي ما بين المحيط إلى الخليج وفي مقدمتها ثورة الرئيس جمال عبد الناصر، وبروزه عملاقاً وأملاً على الساحة العربية كلها، وظلّ يتطلّع الإمام بعزيمة الرجال على التحرير الشامل والقدرة على هزيمة إسرائيل. فالإمام رمز خالد للسيادة والتطلّع بثقة إلى فجر الحرية وانبلاجه إذا ادلهمّ الأفق وتطاولت السحب على شمسه المشرقة بعزيمة الرجال الأشدّاء.

كان الأصدقاء والخصوم يهرعون إليه عندما يتعرّض الوطن والبنية الاجتماعية للخطر، بغرض قيادة السفينة التي تتلاعب بها أمواج الغرائز والأهواء والفرقة على شاطئ الأمن والطمأنينة ووحدة الموقف للتوجيه بوطنية صادقة وبُعد عن الفردية الذاتية. كما كان رجل العمل الإنساني والاجتماعي بامتياز، حيث عمل على بناء المدارس والملاجئ الخاصة بالمحرومين والايتام، كما قام بتطوير تشكيلات جمعية البر والاحسان، وبنى مبرة الإمام الخوئي للعناية بأولاد الشهداء، وأسّس مراكز صحية مهمة، بالإضافة إلى كوكبة من المؤسسات التي تعنى بالأيتام وذوي العاهات وبالتنمية بمعناها الأوسع وبالتربية الإسلامية والوطنية. وكان يتمتّع بطاقات جبّارة، على الصعد الفكرية والإنسانية والخيرية، في خدمة أهداف دينية واجتماعية ووطنية.

ولما كان زلزال الحرب الأهلية المدمّرة الرهيبة يهزّ لبنان على مدى سبعة عشر عاماً، قام الإمام برحلات عديدة بين مصر والسعودية والكويت وسوريا ليحقق التضامن العربي في سبيل إنهاء الحرب. وقد أثمرت هذه الجهود أخيراً بعقد مؤتمر الرياض في 16/10/1976 ومن ثم مؤتمر القاهرة في 25/10/1976، لا سيما بعدما كرّس الإمام نفسه للدعوة إلى الابتعاد عن جو الحرب والإصغاء إلى القانون والتمسّك بالوحدة اللبنانية وصيانة كيان البلاد واستقلالها، والعودة إلى بناء الوطن.

كان يقول لا صرخة مدويّة في وقت يصمت فيه الضعفاء، ويحاولون فلسفة الأمور، وكان دوماً على حق، والنتائج كانت تأتي وفق رؤيته الوطنية الشمولية، والإسلامية الصادقة، لا سيما أنه يحتفظ بمميّزات رجل الدين الواثق من نفسه ومن محبة الشعب، وهو ابن محتدّ عريق وعائلة جذورها تضرب في أعماق الأرض اللبنانية والعربية، وتبقى شجرة طيّبة تقوى على التحديات.

الإمام الصدر قرن من الزمن، بأحداثه الجسام يمشي على قدمين، وسبحان من خلق فسوّى، طلعة بهيّة، على وقار الرجال الرجال، مع ابتسامة تشيع الأنس والمرح، تشجع القاصد على البوح بكل ما يضمر، رأياً كان أم مطلباً أم شكوى، لكن في حدود وآداب مجلس رجال الدين. وإن صادق صدق، وإن قال فعل، وإن وعد أوفى. وإذا اقتنع أقدم، ولا وجل ولا هياب، وإن عزم توكّل.

ومؤخراً أحيا الأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة أنطونيو غوتيريتش، اليوم العالمي لضحايا الاختفاء القسري والذي تزامن مع ذكرى اختفاء الإمام موسى الصدر، مذكّراً المجتمع الدولي بالتزاماته لاقتلاع جذور هذه الجريمة من أساسها. وقال غوتيريتش لقد مضت سنوات عديدة على اختفاء الإمام موسى الصدر، والجهود لا تزال قائمة من أجل تحديد مصيره، بعدما اختفى بصورة مريبة في 31 آب عام 1978، عندما كان في زيارة إلى ليبيا بدعوة رسمية من الرئيس الليبي السابق معمر القذافي.

وبالتالي، إكراماً لعطاءات الإمام الصدر، فإنّ قضية اختطافه يجب ألا تموت، والتحقيق بها يجب أن يواكب بشكل حثيث من قبل الدولة اللبنانية، حتى بلوغ النتيجة والحقيقة الكاملة.