بيروت - لبنان

اخر الأخبار

23 تموز 2022 08:05ص قيد التأليف

حجم الخط
المصائب تأتي زمراً، يقول المثل الهندي. الحرب الروسية الأوكرانية. تضني العالم. منذ 24 شباط 2022. والحر يضني أوروبا في هذة الأيام، بعد مشاهد حرائق الغابات في البرتغال، وبعد ما تناقلته وسائل الإعلام عن مقتل زهاء 500 شخص، جراء موجة الحر التي تجتاح إسبانيا خصوصا. وأما الصورة الأيقونة لموجة الحر في إيطاليا، فقد توجتها، صورة حصان، يتقدم منه رجل وإمرأة، يسقيانه الماء بالدلاء، للإبتراد، في وسط روما.
وأما الشرطة في ميامي، فهي قد أعلنت عن حملتها لشراء البنادق والمسدسات غير الشرعية، وإزالة آثار أماكن تصنيعها عنها  وتوضيبها هدية أخوية، للشعبين الأوكراني والروسي. 
قمم في جدة، يرد عليها في الأسبوع نفسه، إن لم نقل في اليوم نفسه، بقمم في طهران. ومسيرات طهران لروسيا. ومسيرات إسرائيل للمغرب. ومسيرات فوق حقل كاريش لحزب الله. ومسيرات لإسرائيل فوق رأس الناقورة. وإعلان لبوتين:إن العالم يتغير. ثم إذ هو يرسل  كبرى غواصاته النووية «ديمتري دونسكوي» في مهمة تدريبة، بلا تفاصيل. وبلا عناوين. فترد الولايات المتحدة بإرسال ترسانة حديثة من الصواريخ  «هجمون وهيمارس» في وجهة خفية. وإن تكن غير خافية. وقديما قال «إبن يسير الرياشي»:
 «تأتي المكاره  حين تأتي، جملة/ وأرى السرور يأتي في الفلتات.»
  ألم تواكب ذلك كله، مداهمة القاضية غادة عون لمصرف لبنان بكل جدية وبكل مهنية. وبإحترافية وبحصافة بالغة، بحثا عن الحاكم رياض سلامة «الفار من وجه العدالة». فكان أن أغلق المصرف المركزي أبوابه. وتوقفت آخر حركة للحياة في البلاد، بتوقف العمليات المصرفية. وأعلن موظفو مصرف لبنان إضرابهم العام لمدة ثلاثة أيام. أي إلى الأسبوع القادم. وما أدراك ماذا يخبئ الأسبوع القادم للبنانيين من شرور. لا من سرور. وأولاها: أن تداولت الجهات المالية، الأنباء التي تشير إلى تعثر دفع الرواتب الشهرية. والإعتذار عن دفعها في موعدها آخر الشهر. فيخرج من يرجو ويتمنى الإستثناء، أقله للأسلاك العسكرية، حتى لا تدخل البلاد في «الفوضى الخلاقة». تلك الفضيلة الوحيدة، بل «النعمة» الأميركية الوحيدة التي حظي بها لبنان، منذ برهة ريتشارد مورفي، و«مخايل الضاهر» الرئاسية العام 1988 ، والتي بلغت الذروة بقتل الرئيس «رينيه معوض» في العام 1989.
ليس هناك كأس للفوز بفترة الإنتقالات التي تعصف بالبلاد هذ الأيام. فلماذا كل هذا الضجيج في لبنان. فالرئيس ميقاتي حاله اليوم، كما الحال،  «في الدين والدنيا»،  «تؤلف ولا تؤلفان». وهو بصدد تأجيل التأليف، حتى يتسنى له الإنصراف للإضافة والتأليف والتزيد على أغنية «ع العصفورية»، للسيدة الراحلة الصبوحة صباح، شحرورة الوادي، مما يراه ومما يذوقه ومما يتذوقه، من واقع الحال مع «التيار»، في «لبنان القوي». وأما حكومة «تصريف الأموال»،  فهي باقية إلى «ما بعد بعد» العهد. والنقاش يدور اليوم عن مخرج لائق لسيادة النائب البطريركي العام «موسى الحاج». وللبطريركية أيضا. ولسيادة البطريرك  بشارة الراعي. بل عن «تجسير الشقة»  بين اللبنانيين، بعد تطور المداولات، إلى تقسيم بيروت شرقية وغربية، عودٌ على بدء. وخلفها، تقسيم بلدية بيروت. أو تفريعها. أو نقلها إلى كنف المحافظ، فقط لأجل «المحافظة عليها».
«قيد التأليف»، بما هو قيد، بل قيود،  ربما طال زمنه كثيرا. وربما أصبح كما يقول الشاعر الجاهلي، «طرفة بن العبد»: «لكالطول المرخي»/ (الحبل) وثنياه/ (رباطه) في اليد». بل في يد الرئيس، الذي ينتظر. وسيظل ينتظر حتى آخر نفس من التفويض. وحتى آخر نفس للتمديد. وحتى آخر نفس للتجديد. وربما حتى آخر العمر المديد. ولن يقبل بالتنازل -«لا سمح الله»- عن جبران باسيل. ولا عن «وزارة الطاقة». ولو ظلت الحكومة ألف عام وعام،
 قيد التشكيل، بـ «قيد التأليف». ولو ظل الرئيس نجيب ميقاتي، «يؤلف ولا يؤلفان»، مستعيدا بل مسترجعا أغنية السيدة صباح التي أنشدتها في صباها في ستينيات الزمن الجميل في لبنان : «ع العصفورية.»
كل الغيوم: السود منها،  والرصاصية، إنما تحوم فوق التخوم اللبنانية هذة الأيام. غيوم حبلى بالمطر وبالرصاص. ولكن الدولة تمنع «الماء» عن الناس. ولا تقدر على منع «الرصاص» عنهم، أو أقله درؤهم عنه، إذا ما جاء من جميع الجهات. فلربما أدخل لبنان فجأة الحرب الروسية / الأوكرانية من باب الجهاد، أو من باب الحشرية. أو من باب حقول النفط والغاز، في الطرف الأسيوي من البحر المتوسط. لأن العالم تغير بحسب الرئيس بوتين اليوم. وبحسب نتائج القمم، في جدة وفي طهران، وفي قمة باريس مؤخرا، بين الرئيس الفرنسي ماكرون، والرئيس الفلسطيني محمود عباس، التي إنعقدت مؤخرا، في الإيليزيه، بعد قمم جدة وطهران. 
فهل العالم يسرع إلى الحرب، ولو بخطى بطيئة، أو متسارعة. ولو بخطاب صاروخي، أو بمسيرة بلاغية تبليغية. 
دخل إضراب الموظفين في لبنان، أسبوعه الرابع. ولم يرعوِ المسؤولون. وهو مستمر أي (الإضراب)، ربما، حتى نهاية العهد. على الرغم من التحذيرات الدولية الكثيرة. وخصوصا الأخيرة منها. وربما نرى العهد  يتمدد ويمتد، ويمتد. ويشتد. وهو يتخبط في إرسال المذكرات وأوراق التبليغ والجلب. وفي أخذ الناس على الشبهة. وفي قطع الكهرباء والماء والمال عنهم. دون ان يرى من يستجيب لواحد من صوتين، لجعل الحكومة قيد التأليف: 
١- يأخذ «الرئيس» الطاقة والرئاسة القادمة.
٢-  أو يتنازل «الرئيس» عن الطاقة والرئاسة القادمة.
لبنان اليوم، ليس رهين التأليف وحسب، وإنما هو أسير هذا القيد، الذي يسمونه: قيد التأليف. ولربما قيد التأليف أيضا بحرب مباغتة قادمة، ليس لها رئيس. ولكن هذا لا ضير فيه عند البعض، ولو أنهم يرونه «أبغض الحلال». وآنئذ، ما على اللبنانيين جميعا، إلا أن يسارعوا إلى كلمة سواء.  فيقولون في جهرهم، كما في سرهم: «لا حول ولا قوة إلا بالله».

* أستاذ في الجامعة اللبنانية