بيروت - لبنان

اخر الأخبار

4 آب 2021 12:01ص كان ينقص مادة المازوت لويلات وطن يأكل مما لا يزرع ويشرب مما لا يعصر

حجم الخط
النظام السياسي اللبناني الغارق في مغانمه ومحاصصاته يصمّ السمع عن صيحات الجوع في لبنان، متجاهلا ان رغيف الخبز الذي لم تنفع نصيحة المدام الارستقراطية ماري انطوانيت للجيّاع بأن يتناولوا البسكويت بديلا عنه في فطور الصباح!! كان المحرك الرئيسي للثورة الفرنسية التي أجهزت على «النظام القديم» في أوروبا والعالم، والتي ما زالت آثارها فاعلة بدليل القول الشهير للجنرال ديغول «ان فرنسا تعاني حتى اليوم من جروح ثورتها». بل ان الزعيم الصيني شو آن لاي عندما سُئل رأيه في نتائجها وتداعياتها ورغم مرور نحو ٢٢٢ عاما على اشتعالها أجاب: «من المبكر إعطاء أي توقعات عنها حتى الآن»!

أو كأن النظام السياسي اللبناني الغارق كل من فصائله في أنانيته الفردية ومباذله الاقتصادية والمالية لم يقرأ ما توصلت إليه أخيرا بشأن فجوة الغذاء في لبنان «ندوة مسار الشعوب نحو الأمن الغذائي» بأن بلد الأرز الذي كان قطاعه الزراعي يؤمّن نحو ثلث مجموع ناتجه المحلي ونحو نصف حاجته من الغذاء ونحو ٥٠% من الفرص لقواه العاملة في الأرياف «لم يعد بعيدا عن خطر الجوع جرّاء الأزمة الاقتصادية التي تتهدده».

أو كأن النظام السياسي اللبناني المتخم حتى العنق بما ارتكبت يداه من السلب والنهب والتبديد والتبذير للمال العام، لم يسمع صيحة «اليونيسيف» الأخيرة بأن «٧٧% من مجموع العائلات اللبنانية لم تجد ما يكفي من المال لشراء الغذاء خلال شهر تموز» المنصرم، في وقت تدهورت أحوال الزراعة في لبنان الى الحد الذي لم يعد هذا القطاع يعطي أكثر من ٦% من ناتجه المحلي ونحو ١٢% من حاجاته الغذائية ولا يؤمّن فرص العمل إلا لنحو ١٢% من قواه العاملة في الأرياف، ما أدّى الى ارتفاع قيمة استيردات الغذاء بالعملات الصعبة الى ما بات تأمينها صعبا إلا بالمزيد من وضع اليد على أموال الودائع والاحتياطيات المحلية والاغترابية والعربية والأجنبية، حيث بلغت فاتورة هذه الاستيرادات أكثر من ٢ مليار دولار سنويا حسب الاحصاءات الأخيرة عن العام ٢٠٢٠.

وحتى هذا الرقم لم يعد كافيا بعد ان بلغ إهمال دولة الريع والغي والتبذير حدّه الأقصى، من نقص المياه الصالحة للري، الى الانقطاع المتواصل للتيار الكهربائي واعتماد المزارعين على المولدات العالية الكلفة وارتفاع فاتورة المواد والمستلزمات الضرورية، فضلا عن تضاؤل السوق المحلية بسبب تراجع القوة الشرائية المحلية واشتداد المنافسة الاقليمية، لا سيما بعد أن شقّت الصادرات الإسرائيلية طريقها البحري والبري الى أسواق المنطقة العربية، ما دفع المزارعين اللبنانيين الى تقليص المساحات المستخدمة بما أدّى الى انخفاض حجم الانتاج الزراعي الى الحد الأدنى المهدد بكارثة زراعية مرتقبة، فيما السياسيون اللبنانيون ما زالوا يبحثون عن جنس الملائكة بمنظار الشياطين الذي أعمت عدساته أخيرا أزمة المازوت، المادة الرئيسية للانتاج الزراعي لجهة الحاجة الأساسية إليها في غياب الكهرباء، لتشغيل للمولدات في السحب من الآبار واستعمالها للمضخات في توزيع المياه على الحقول، والتي تصل كلفتها في غالبية الحالات الى نحو ٣٠% من الكلفة الاجمالية للمنتجات الزراعية لا سيما بعد ارتفاع سعر الصفيحة في العديد من المناطق الى نحو ١٧٠ ألف ليرة، وهذا إذا وجدت! ما يزيد في أزمة القطاع الذي هجره الكثيرون من أهله الى قطاعات أخرى أقل أهمية استراتيجية للاقتصاد أو الى الانسحاب كليا نحو الهجرة الخارجية أو التقاعد ما أدّى الى تراجع عدد الحيازات الزراعية عبر السنين بمعدل الثلثين بحيث لا تزيد الآن عن الـ١٠٠ ألف حيّازة مهددة بتناقص الفرص والتخلي عن المشاريع الزراعية العالية الكلفة والتوجه الى زراعات لا تسهم في سد الفجوة الغذائية التي تزداد اتساعا في لبنان عاما بعد عام حتى قبل اشتعال أزمة المازوت الأخيرة، فكيف الآن وقد ضربت المواسم وبدّدت المحاصيل وأفقرت المزارع؟!