للأمانة زارني أوائل الأسبوع الحالي دبلومسي غربي هنا في منزلي وتناقشنا في أمورنا السياسية الوطنية وأداء بعض حُكامنا وظهرت على ملامح هذا الدبلوماسي الحيرة والإندهاش عمّا سمعه عن الأوضاع العامة في البلاد ومنها السياسية – الأمنية الإقتصادية – المالية – الإجتماعية – الصحية – التربوية، وعلّق بعبارة « Au Liban mensonges et hypocrisie « خجلتُ وخجِلَ من التوصيف ولكن لا بُدّ من قول الحقيقة مهما كانتْ أليمة وصعبة، إنه الواقع الذي لا يمكن إنكاره مرحليًا إلى أن تصفى الأمور.
نعم ألزمني هذا الدبلوماسي التفكير بواقع الأمر، في لبنان هناك أساتذة في سياسة التضليل السياسي – الإجتماعي – الإقتصادي التربوي – الأمني،... ويسهبون في منشطات المنظومات السياسية التضليلية، وهناك فنون يتقنّونها في الخداع وعلى رأسهم أمر مثير للجدل دائمًا هذا الكّم من الكذب والمتراكم منذ سنين والذي لا ينتهي... هذه المنظومات السياسية تضلل الفكر وتعمي البصر وتترك تفاعلات في المجتمع. فكّرت مليًا بما قاله سعادة الدبلوماسي المحنّك والذي رغب في إظهار الحقيقة على ما هي عليه وكأني به يُريد أن يُفهمني أنّ ساسة لبنان بمجملهم يتقنّون الكذب والرياء والتدجيل علينا وعلى المجتمع الدولي ونحن كلبنانيين وكمجتمع ضحية هذا الكذب.وبناءً عليه توّقفتُ عند بعض الملاحظات ودوّنتها بعد إنتهاء الزيارة ورتبتُها بطريقة لإثارتها عبر هذه المقالة علّني أصل إلى ما أراد توصيفه هذا الدبلوماسي العتيق.
نعم في هذا السياق أذهلتني درجة تفاعل الرأي العام اللبناني مع موضوع الكذب اللبناني والذي يُتداول دوريًا في لبنان فلكل بوتقة جمهورها وتقريبًا إستعرضت الجميع ومن دون إستثناء، ولاحظت أنّ الجميع يتفاعلون سريعًا وبحماس ملحوظ قـلّ نظيره وكثيرون يُدافعون ويتحدّثون بإسهاب عن كذبة ذاك الزعيم المنطلية عليهم لا بل يُدافعون عنها... حقًا إنه إمّا الغباء وإمّا قصر النظر، وفي كلا الحالتين الأمر مستهجن.
زيارة هذا الدبلوماسي جعلتني أستخلص أسباباً عديدة وراء إهتمام الناس بهذا البلاء أي الكذب،وبدايةً أغلب الناس يعدّون الكذب سلوكًا مستنكرًا على الأقل للوهلة الأولى، وهم لا يتقبّلون أن يطلق على زعيمهم صفة «الكاذب» أو «الدجّال»، حتى إنْ كان يُمارس عليهم لغة الكذب والرياء في كل الأحيان. طبعًا وفق ما تعلمنّاه في بيوتنا وكنائسنا ومساجدنا وفي مجتمعنا اللبناني الكذب تهمة خطيرة وعادة ما يتردّد الناس في إطلاقها على أحــد حتى ولو كانوا يعتقدون أنّ التهمة مستحّقة، فنرى البعض من أصحاب توّجه معين يتسخدمون لغة أقل وطأة. لتلك الأسباب إستعمل الدبلوماسي الغربي عبارته الشهيرة المذكورة أعلاه...
ويبدو أنّ ما جعلني أغوص في هذا الموضوع حاليًا والذي أخذ حيِّزًا كبيرًا من إهتماماتي هنا في بلاد الغربة وفي مكتبنا البيروتي هو أنني وجدتُ مبررات إستراتيجية للسياسيين لكي يكذبوا على اللبنانيين وعلى المجتمع الدولي، والكذب محليًا ودوليًا ليس بالضرورة فعلاً خاطئًا بالنسبة لساسة لبنان، فهو ينمُّ عن كسل في فهم العلوم السياسية وأبوابها، وهو بالنسبة إليهم فاضلٌ في كل الظروف. ومن خلال إستعراضي لمقولات كذبهم فإنه من السهولة في كل مناسبة إستعراض حالات كثيرة من هذه الأكاذيب. وفي الأساس يعتقدون أنّ الكذب محليًا ودوليًا هو أمـــر إعتيادي في السياسية اللبنانية.
من ناحية أخرى السياسة اللبنانية أطلقت العديد من الأكاذيب الرئيسية، خلال هذه المرحلة أحاول أنْ أستعرض بعضها وبإيجاز : لقد زعموا أنّ الأمور هي على ما يُرام وأنّ الأوضاع العامة في البلاد هي قيد التحسُّنْ، ولقد زعموا أنّ الإنتخابات النيابية كانتْ حرّة ونزيهة، وتناسوا ما أوردته الوكالات الإعلامية المحلية والعربية والغربية ما شاب الإنتخابات من تزوير خصوصًا لناحية النص القانوني حيث تقاسموا المغانم وحصّلوا النتيجة كما حلا لهم... قالوا لنا إنّ البلاد مستقلة ويحكمها القانون وبينما هي عمليًا مغارة علي بابا والأربعين حرامي، قالوا لنا إنّ السيادة تامة وناجزة بينما هي فعليًا منتهكة «ويطيب نكاحها»... قالوا لنا سيُنتخب رئيس جديد للجمهورية وغفلوا أننا نعلم أنها مجرّد كذبة لإلهاء الرأي العام.... نعم لقد صدق الدبلوماسي الصديق بما وصّفه.