بيروت - لبنان

اخر الأخبار

6 أيار 2022 12:13ص كذبة نيسان لبنان

حجم الخط
اعتاد الناس بحلول اليوم الأول من شهر نيسان الذي غادرنا للتو، أن يتوادوا بعضهم بكذبة أول نيسان - وهي بواقعها التأريخي مناسبة تقليدية يمارسها عدد من الشعوب والمجتمعات بأعمال خداع الآخرين، من الأهل والأقرباء والأصدقاء والترويح عن النفس وإطلاق النكات، وهي تأتي في دائرة المزاح الثقيل الذي يسبب إزعاجات كبيرة لمن يقع ضحيتها وهي أشبه اليوم بالكاميرا الخفية وألاعيبها، التي يتسبب فاعلوها بأعمال غير مألوفة ومخاطر غير حقيقية تتبدد أثارهما بمجرد علم الضحية بها. فهذه الكذبة لا تحمل أدنى حقيقة بل خداع وتضليل، وقيل أن حكايات كذبة نيسان تعود للقرن الرابع عشر حيث انتشرت بدول أوروبية عدة على نطاق واسع في فرنسا وانكلترا، وآخرون يعيدون نشأتها الى القرون الوسطى وتلك الفترة كانت الشفاعة للمجانين وضعاف العقول فيطلق سراحهم أول نيسان ويصلّي العقلاء من أجلهم، وآخرون يرون أن هناك علاقة بين الكذب في نيسان وبين بعض احتفالاتهم حيث يقوم البسطاء منهم بمهام كاذبة لمجرد اللهو والدعابة ولا يكشف عن حقيقة هذه الأكاذيب إلّا مساء الأول من نيسان. وكل هذه الأقوال سواء كانت صحيحة أم غير صحيحة، فان المؤكد أن قاعدة الكذب كانت ولا تزال سارية المفعول، وقد أصبح أول نيسان يحمل «كذبة نيسان»، تناولها الكتّاب والسينمائيون وأهل المسرح، وبات الكذب فيه مباح ويحمل مواقف مضحكة وأخرى مؤلمة وقاسية وباكية.
لكن الكذب مسلك إنساني تحرّمه كافة الشرائع والأديان بكل صوره، كذب أبيض أو أسود أو بغاية المداعبة، وهو سلوك قبيح ومذموم وهدفه الخداع ويهدي إلى الفجور ومنه الى جهنم وبئس المصير وقيل «آية المنافق ثلاث: إذا حدّث كذّب، وإذا وعد أخلف، وإذا أؤتمن خان، وما يزال الرجل يكذب ويتحرّى الكذب حتى يكتب عند الله وعند الناس كذّابا». فالكذب إذا بكل أنواعه وألوانه مذموما دينيا وأخلاقيا وإنسانيا، ولو أسقطنا كذبة نيسان وأفعاله وعاداته على الواقع اللبناني وعلى أغلب سياسييه ومنظومته الحاكمة والمتحكمة فماذا نرى؟!..
نرى أوجه الشبه بين كذبة نيسان التي أصبحت من الماضي عند اللبنانيين وتناسوها بسبب كبر آلامهم وعذاباتهم، وبين ممارسات غالبية السياسيين اللبنانيين الذين اعتلوا مواقع رسمية بالدولة وهم منظومة الحكم السابقة والحالية، وإذا كانت مناسبة نيسان استخدمت للهو والدعابة فان المنظومة الحاكمة تساهم بإنهاء وطن وموت شعب، ولعل الواقع الحالي الذي فيه الوطن والمواطنون أبلغ من كل كلام وكل وصف وقد تجلّى ذلك:
- بوعود كاذبة وبرامج طنّانة من أي حقيقة، وهذا ما رأيناه من الذين تولّوا وزارة الطاقة ووعدوا الشعب اللبناني بجلب الكهرباء 24/24 وتبيّن أنها وعود كاذبة، والمواطن بات مضطرا أن يدفع ثلاثة ملايين ل.ل. لتجار المولدات بما يفوق مدخوله الشهري.
- تصاريح المنظومة الحاكمة والمتحكمة بأن الأوضاع المالية ثابتة ومضمونة والبنك المركزي والمصارف جميعها بأمن وآمان، ويكتشف اللبنانيون الانهيار المالي الخطير وضياع أموال المودعين لدى المصارف وتبادل التهم بين هذا الثلاثي: البنك المركزي والمصارف والدولة وناهبي أموالها وامتنعت المصارف بل حجزت أموال المودعين بأكثر ما كنا نراه بأكثر الدول شيوعية بعد أن تواطأت مع أركان سلطة الفساد على تهريب أموالها للخارج.
- إطلاق الوعود المترافقة مع حالات الاسترخاء وغياب حتى دموع التماسيح السلطوية تجاه أخطر جريمة تفجير لمرفأ بيروت وما خلّفه من ضحايا من خيرة شباب وشابات ورجال لبنان الأبيّ وآلاف الجرحى والمعاقين، وأعلنت المنظومة الحاكمة بتحقيق قضائي خلال خمسة أيام لكشف المتسببين والفاعلين وكل ما يتعلق بالمواد المتفجرة التي جرى تخزينها مدة سبع سنوات، وأحيلت المسألة لحالات الإهمال وقلّة الاحتراز والإنتباه على طريقة كذبة نيسان المعروفة دون أية مسؤولية أو تصرفات حكيمة وعاقله تجاه هذا التفجير المماثل للقنبلتين الأميركيتين على مدينتي اليابان في الحرب العالمية الثانية، وكانت زيارة الرئيس الفرنسي السريعة لبيروت قد أنقذت المنظومة الحاكمة المستهترة بالبلاد والعباد، وها قد مضى على الجريمة المنظمة ما يقارب السنتين والجدل المخطط بأحكام ما زال ساريا تجاه القضاء وقاضي التحقيق والقضية ومأساتها معلّقة وغاب عنها حضور الرئيس القوي والجمهورية القوية وكل تبعات القوة والتيارات المظهرة وشعاراتها المشابهة لأول نيسان أو لعبة الكاميرا الخفية التي ما زالت المنظومة الحاكمة المتحكمة وتداولها لعبة على البلاد والعباد.
لقد أسقطت المنظومة المتحكمة تقليد كذبة نيسان ورفعت مكانه كذبة لبنان، لبنانهم وليس لبنان الوطن ولبنان الشعب ولبنان العزّة والكرامة، لبنان الحضارة والعلم والثقافة، لبنان الحرية والديمقراطية والوطنية الراقية والعروبة الأخوية الحضارية التي أوقفت الحرب الأهلية وحروب المليشيات والتقسيم والانقسام وقدّمت نموذجا إصلاحيا من خلال اتفاق الطائف غير مرتهن لا لشرق ولا لغرب ولا لمصالح إقليمية ودولية بل لبنان وطن لكل اللبنانيين لا مقرا ولا ممرا لمحاور أو نفوذ أو سلطة لغير الوطن.
أختم بعرض موجز لآراء وطنية حكيمة لعدد من المفكرين المبدعين الحريصين فعلا لا قولا على وطنهم لبنان ومعهم أهل الرأي المستقلين عن نوازع السلطة والتسلّط والتبعية بكل أنواعها ويقدمون وصفا دقيقا لما آل إليه حال لبنان..
الدولة، في حالة شلل تام متفككة، متحللة يسودها الفراغ القاتل، مفلسة ماليا، تتنازعها دويلات ومراكز قوى وسياسات خارجية طامعة للسيطرة والنفوذ والهيمنة ومخططات عدائية ما أنزل بها من كوارث وأهوال, دولة منحت كل طائفة بها شخصية قانونية خاصة بها وتعليم وتدريس ومدارس وجامعات وميثاقية ابتدعوها لمصالحهم وذواتهم وارتباطاتهم وتوافقية. يتقاسمون بها ثروات الوطن هم وزبانيتهم ومجتمع جعلوه كيانات مأزومة ومتوترة، وقلق وجودي بينها نزاعات بالانتفاع المتبادل وإجراء مجتمعات خاصة تطيح بأقوى الدول والمجتمعات هذا ما يجب التنبيه إليه والتحذير من كوارثه حتى يبقى لنا وطن اسمه لبنان وشعب لبناني وإلّا على الدنيا السلام.