بيروت - لبنان

اخر الأخبار

17 كانون الثاني 2023 12:00ص كلام جعجع عن التركيبة يعكس المزاج المسيحي العام

حجم الخط

في كلامه الحواري الأخير يمكن التوقف عند مسألة بالغة الأهمية عندما تناول رئيس "القوات اللبنانية" سمير جعجع قضية الرئاسة، مع تفوّهه بها للمرة الأولى بهذا الشكل العلني خارج الجدران المغلقة وإن كان الحديث عن ذلك بات واسع النطاق في البيئة المسيحية.

ففي رده على السؤال الجوهري عن قدرة "حزب الله" على فرض رئيس قد يأتي بناء على تسوية خارجية داخلية، كان جعجع حاسماً في "إعادة النظر في كل التركيبة اللبنانية"، مبررا ذلك بأنه من غير المقبول "أن نبقى والأجيال اللاحقة تحت سيطرة "حزب الله" اللا شرعية". حتى أنه ذهب إلى التلميح الدالّ بأن "الله يوفقو مطرح ما هو بس ما بقا فينا نكمّل هيك".

نطق رئيس القوات بلسان حال بيئة مسيحية واسعة باتت منذ فترة تعيش أجواء عزل ذاتي لنفسها عن الباقين، من دون تحديد ماهية المطلوب لديها، هل هو العيش وحيدة بعيدة عن العيش المشترك؟ هل هي الفيدرالية (غير معروفة الهوية أصلاً)؟ أم أنه التقسيم؟ أو ربما المناداة بنظام سياسي لامركزيّ من ناحية الشكل لكن تقسيمي في المضمون؟ ما هو بالضبط؟

مهما كانت الإجابات على تلك الأسئلة، فإن الواقع المسيحي لدى القيادات والشرائح دونها، يشير في النّفس العام إلى تبرّم كبير مما آلت إليه ظروف المسيحيين التائهين بين الضائقة المالية والهجرة المتنامية والتراجع الدراماتيكي ديموغرافياً، وكل ذلك جاء من آثار الهزيمة العسكرية والسياسية بعد الحرب الأهلية ومع بروز الانقسامات خلالها ثم حالة الإحباط بعدها منذ أوائل تسعينيات القرن الماضي.

يأتي كلام جعجع بعد كلام مشابه لرئيس حزب "الكتائب" سامي الجميل تحدث فيه أكثر من مرة مع غيره من القيادات الكتائبية عن "الطلاق"، وعلى اثر خلاف عميق مع حليف الحزب الموثوق "التيار الوطني الحر" يحمل أيضا في طياته خلافاً على تجاهل الحزب للتمثيل المسيحي (كما يراه التيار) وإصراره على ترشيح شخصية مسيحية ليست صاحبة تمثيل مسيحي الى حد ذهب معه أحد قياديي التيار الى القول علناً برفض أن يأتي "حزب الله" بالرئيس المسيحي. كل ذلك في التوازي مع كلام دوري، تلميحي وعلني، من قبل البطريرك الماروني بشار الراعي وصل الى حد التحذير أخيرا من مخطط لخلق فراغ في المناصب المارونية والمسيحية وعلى رأسها رئاسة الجمهورية..

بالنسبة الى جعجع، وإن كان لم يسبغ الصفة المسيحية في شكل صارخ على رؤيته، إلا أنه مرّر رسالة ذات دلالة بتسليمه بأن الأمر قد يحصل بإيصال رئيس للجمهورية رغماً عن تنظيمه والتيار المسيحي المتحالف معه، وأشار الى انه لن يساهم في استمرار الفراغ وانه سيسمح بتأمين النصاب لتصبح المعركة في التصويت داخل جدران المجلس النيابي، لكنه تحدث عن آثار وصول هذا الرئيس الذي يصدف أن يحمل اليوم اسم سليمان فرنجية..

إذا ما ربطنا الكلام الأخير للقيادات المسيحية، ناهيك عن محازبيها ومناصريها وحتى الكثير من غير المنتمين الى الأحزاب والتيارات في البيئة المسيحية، مع أفعال باتت تتخذ واقعا على الارض ليس الأمن الذاتي وحتى التسلح سوى أحد أوجهها، نصبح أمام واقع خطير في البلد يتخذ معنى أكثر دقة مع الكارثة الاقتصادية وانعدام الأفق أمام الجميع.

فالمشكلة ليست فقط في كل ما يحدث بل في انعدام هذا الأفق واعتقاد مطلعين على واقع الحال السياسي بأن الحل غير قريب، لا بل يتحدث البعض في أجواء الفريق الممانع الى ان التسوية لن تصبح سارية المفعول قبل الصيف المقبل وبعد تسوية مشابهة للحرب الأوكرانية التي لا أفق لها هي الأخرى!

اليوم يصبِّح اللبنانيون على المزيد من الخسائر والمعاناة بينما خارطة الطريق التي على لبنان الانطلاق منها تتمثل أولاً في انتخاب رئيس للجمهورية ثم استكمال المسار السياسي مع حكومة ورئيس لها، ثم الشروع في الاصلاحات لكي يصدق المجتمع الدولي جديّة لبنان الذي لا يستطيع العيش من دون المؤازرة الخارجية، عربياً ودولياً..

معنى الكلام الذي خرج به جعجع أن الاحباط المسيحي سيكون مغايراً عن سابقه في التسعينيات، وقد يفتح الابواب امام سيناريوهات متعددة وخطيرة قد تتراوح، حسب البعض، بين التوتر الشارعي والانفجار السياسي والأهلي وصولاً الى عودة الماضي الأليم.. وربما التقسيم.

ثمة من يعتبر أن الأمور لن تذهب الى هذا الحد، وأن "حزب الله" لن ينصّب رئيساً رغماً عن المسيحيين بغض النظر عن مدى قدرته على ذلك، وسيشكل ذلك الخطوة الأولى لإراحة الموارنة ولنزع فتيل أزمة تهدد السلم الأهلي. لكن المسؤولية الأولى تبقى ملقاة على كاهل القيادات المارونية لا سيما المرجعية المسيحية الدينية في اجتراح الحل والاتفاق على اسم الرئيس، أقله تمهيداً لحل مرتقب من الخارج.. ليس قريب المنال.