«بصراحة هؤلاء ليسوا لاجئين من سوريا، هؤلاء من أوكرانيا المجاورة، هؤلاء مسيحيون، إنهم بيض، إنهم يشبهون الأشخاص الذين يعيشون في بولندا».
قالتها بصراحة مذيعة قناة «NBC» واختصرت كلّ معاني العنصريّة العرقيّة والفوقيّة القوميّة والنّرجسيّة الدّينيّة، وكشفت هي والعشرات من المعلّقين والصّحفيين والسّياسيين و«المثقّفين» الغربيين، اللّثام عن الوجه الدّميم للعنصريّة الغربيّة، وهذه ليست زلّات ألسن، بل عقدة كامنة فضحتها الحرب الرّوسيّة على الحدود الشّرقيّة للمحميّة الأمريكيّة.
في أيلول الماضي طمأن «البنتاغون» عشّاق الحيوانات بعدما جرحت مشاعرهم صور لكلاب في أقفاص داخل مطار «حامد كرزاي» في «كابول»، وقال المتحدّث باسم وزارة الدّفاع «اريك باهون»: «تلك التّقارير خاطئة، لم يترك الجيش الأمريكي أيّ كلاب في أقفاص في المطار»، أمّا «الصّور الّتي تمّ تداولها على الإنترنت فكانت لحيوانات تحت رعاية منظمة «إنقاذ الحيوانات الصّغيرة» في كابول، وليست كلابًا تحت رعاية الجيش الأمريكي»!
لا بأس إذًا، لقد تمّ إجلاء الكلاب الأمريكيّة، أمّا الكلاب الأفغانيّة فحالها حال الأطبّاء البيطريين الّذين عملوا مدّة أربع سنوات ضمن مؤسّسة كنديّة لرعاية الحيوانات، ولمّا حان موعد الانسحاب تُرك الأطبّاء والعاملون الأفغان مع حيواناتهم الأفغان ليلاقوا مصيرهم مع «طالبان»، حليفة أمريكا الجديدة، وتمّ إجلاء كلاب العمّ سام!
هذا هو الوجه الحقيقيّ لحضارة «نهاية التّاريخ» وقد صحا الغرب من نومه مذعورًا على دويّ الصّواريخ الرّوسيّة، وأطلّ ببثوره وندوبه ودمامله، قبل أن يزيّنه بمساحيق التّجميل الانسانيّة، ووقف بتلك العنصريّة المقيتة على الحدود الأوكرانيّة-البولنديّة، ليتقيّأ أسوأ ما يمكن أن تفرزه هرمونات الجسد المسموم، فمنع آلاف النّازحين من الأطفال والنّساء، من ذوي البشرة السّمراء، من عبور الحدود، وتركهم ينامون في العراء، ويتقرّصون من البرد، فقط لأنّهم لا «يشبهونه»!
والحمد لله أنّهم لا يشبهون تلك النّفوس المريضة والعقول العقيمة الّتي سمحت، فقط، للبيض ذوي العيون الزّرقاء بأن يعبروا!
هذا الغرب «الحضاريّ والانسانيّ واللّيبراليّ» بإعلامه المنافق برّر لأميركا، ومن معها، أن تجتاز أكثر من 7000 ميل لتغزو أفغانستان بذريعة حماية أمنها القومي، وأكثر من 6000 ميل لتغزو العراق بحجّة كاذبة لتدمير الاسلحة النّووية، وضلّل العالم وصنع رأيًا عامًّا ضدّ إرهاب هو صنعه وصدّره ليسيطر من خلاله على خيرات الأرض، ويعيث في بلدانها النّامية فسادًا ودمارًا ودماءً، «وتسبّب بقتل 6 ملايين إنسان، حسب تقديرات رسميّة لضحايا الحروب الأمريكيّة من 2001 لغاية 2018، ودمّر العراق وأفغانستان والصّومال وسوريا واليمن وباكستان وغيرها ممّا اشتهت عينه وطابت له نفسه وبغطاء «شرعيّ» من «الأمم المتّحدة على الضّعفاء»!
وبمزيد من الاستعلاء والاستحقار قال الجنرال الأمريكيّ المتقاعد «تومي فرانكس»، الّذي قاد الحرب في أفغانستان: «هل تعلم أنّنا لا نحسب الجثث» قالها بنبرة ساخرة، طبعًا فالافغان مجرّد أرقام في دفاتر حسابات المصالح الكبرى..
أمّا أن تقلق روسيا من تمدّد حلف النّاتو على حدودها وتسعى لحماية أمنها، فذلك إجرام وإرهاب وحرام!
ثمّ تنضمّ «الفيفا» فجأة إلى حلف النّاتو، وتفرض عقوبات رياضيّة على روسيا، وهي الّتي تدّعي «فصل الرّياضة والدّين عن السّياسة»!
الفيفا نفسها عاقبت لاعبين عرب ومسلمين بسبب دعمهم لأوضح قضيّة انسانيّة في التّاريخ الحديث، قضيّة الشّعب الفلسطيني، تمنع اليوم منتخب روسيا من المشاركة في التّصفيات المؤهّلة لكأس العالم «قطر 2022»، علمًا أنّ كثيرًا من الرّياضيين الرّوس عبّروا عن أسفهم ورفضهم للحرب، أمّا أميركا وبريطانيا وفرنسا وإيطاليا وألمانيا وكلّ الدّول الّتي شاركت في الحروب الأمريكيّة فلا جناح عليها، فقد كان جنودها يوزّعون الموت بالتّساوي على الأطفال والشّيوخ والنّساء والرّجال، وينشرون السّلام والدّيموقراطيّة والعدالة الاجتماعيّة على أطلال البنى التّحتيّة لتلك الدّول المنسيّة في ذاكرة الشّعوب المحضيّة!
وبعد كلّ هذا يطلّ علينا الرّؤساء الغربيين بوجوههم الخائفة ليحذّرونا من أنّ النظام العالمي في خطر!
مرحى، فليسقط نظام الاستعلاء العالمي غير مأسوف عليه، وليأتِ من يأتِ، فليس في حاضر الشّعوب المقهورة ما تخاف عليه لمستقبلها!
بالمناسبة، «فلاديمير بوتين» ليس المسيح المخلّص ولا المهدي المنتظر، هو رجل حرب وسياسة يبحث عن مصالحه ومصالح شعبه ودولته العظمى، ونحن «الفقراء، أصحاب البشرة السّمراء» لا فرق عندنا بسيف من نُقتل وعلى مذبح من تُهدر ثرواتنا ودمائنا، فالقتيل لا تغريه فنون القتل، والموت بصاروخ أمريكيّ ليس أشهى من الموت بصاروخ روسيّ!