هل غادرت فعلاً هذا العالم؟ رجل الوطن أولاً، حكاية العروبة معك لا تنتهي! الوطن، والعروبة، الشجاعة وحرية القرار، عِشقُ مصر وجمال عبد الناصر، أحلام الأُمّة والوحدة العربية، النضال حتى الأنفاس الأخيرة، المقاومة في وجه الاحتلال، مواجهة قوى الاستعمار، نبذُ السلطة والمناصب لحساب الموقف والمبادئ والأخلاق.
سياسي نادر، ومفكر عابر للحدود، أَسرته القاهرة بحبها وإليها ارتحل، ومنها رحل، وما زالت بيروت بانتظار ابنها كمال كما عندما غادرها أول مرة بعد رفضه لمنطق الحروب بين الأخوة، وها هي استعدّت لاحتضانه الأخير بعد رحيله المفاجئ بأرض مصر الحبيبة حيث بقيت محاضراته وكلماته نسوراً لنصرة الشعوب العربية وقضيتهم المركزية في المسجد الأقصى والقدس الشريف وفلسطين.
نعم رحلت بثبات على الإيمان بالله، وعلى مبادئك الوطنية والوحدوية العربية. لم تتقن لعبة الكراسي الزائفة في مسارح الدم وبيع الأوطان وصراع الطامعين واللاعبين بمصير لبنان، بل ربما أتقنتها فنبذتها واجتنبتها رجساً من عمل الشيطان، فغادرت كبيراً إلى منفى أفكارك الحرُّة وإرادتك المستقلة حتى عدت إلى بيروت في العام ٢٠٠٠، وها هي ثلاثة وعشرون عاماً مضت ورحلت أنت دون أن تغيّر بقواعد اللعبة القاتلة في لبنان أو تغيّر هي بك. ولا يكلّف الله نفساً إلّا وسعها، وإنّا للّه وإنّا إليه راجعون.
يتفق معك المرء أو يختلف، تفرض السياسة أحكامها، يقع السياسي والمفكر في أخطائها، يصحح مسارها أو تأخذه اصطفافاتها، لكن ما أنت عليه دوماً أنك كنت «الأخ كمال شاتيلا»، ولم تكن النائب أو الوزير. كنت الناصري الوطني العروبي المستقل، كنت مع فلسطين في قضيتها، ومع لبنان في استقلاله. مع سوريا في عروبتها، ومع الوحدة بين الأشقاء، وما أنت عليه أيها «الأخ الكبير» كان يحتاج منك جبالاً من الصبر والقوة وسط الحروب والصراعات المهلكة في لبنان.
برحيل «الأخ كمال شاتيلا» رئيس المؤتمر الشعبي اللبناني رحمه الله، يخسر لبنان والأمة قائداً شعبياً فذّاً ومفكراً كبيراً ناضل مع إخوانه في اتحاد قوى الشعب العامل والمؤتمر الشعبي اللبناني ومؤسساته وأبناء التيار الوطني العروبي المستقل في لبنان. قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [لقمان:٣٤].