بيروت - لبنان

اخر الأخبار

22 أيار 2020 12:02ص كورونا والتغير المناخي

حجم الخط
مع الأيام يتم اكتشاف أكثر فأكثر تأثيرات الكورونا على كافة أنحاء الحياة، من الانتاج الى الاستهلاك الى كل القطاعات الانتاجية الى الحرائق في غابات استراليا والأمازون وكاليفورنيا كما الى الفياضنات والأمطار وغيرها من الكوارث الطبيعية.  لا يقل أهمية عما سبق تأثير الوباء على التغير المناخي ايجابا من ناحية وسلبا من نواحي أخرى.  في الايجابي، جمود الحركة الاقتصادية بسبب الكورونا يخفف من انبعاث ثاني أكسيد الكاربون CO2 وغيره من السموم وتسببها جميعها في تلوث الهواء والمياه.  في السلبي ولمحاولة اكتشاف دواء وطعوم لضرب الكورونا تتم كافة التجارب الكيمائية والصيدلية التي لا تقصر في التلوث وفي ضرب البيئة وتراكم النفايات الخطرة حيث لا تحتوي معظم الدول على ماكينات وأدوية مناسبة لمعالجتها.  كما الكورونا هي سلعة عامة دولية، كذلك الأمر بالنسبة للتغير المناخي، اذ لا يمكن حصرهما ضمن حدود جغرافية معينة بل يسهل انتقالهما عبر الحدود الى أماكن واسعة أخرى.  من السلع العامة الدولية السلبية نذكر أيضا مثلا الأزمة المالية العالمية وانتشار الأسلحة النووية، أي جميع الأمور المماثلة المؤثرة دوليا والتي لا يمكن حصرها ضمن دول.

العوامل العملية المشتركة للفيروس والمناخ هي العلوم والتكنولوجيا، لذا لا يمكن فهمهما ومعالجتهما من دون التقدم النظري فيهما.  انتشار الكورونا كما تلوث المناخ يشيران الى عدم قدرة القطاع الخاص على تنفيذ الحلول علما أنه من أهم المسببات لهما عبر الانتاج والاهمال وسؤ الفرز وعدم المعالجة.  لا شك أن النمو الاقتصادي العظيم الذي عرفه العالم منذ عقود وخاصة منذ الحرب العالمية الثانية سبب بطرق غير مباشرة الأمراض التي نعرفها اليوم من فيروس وتغير مناخي يبعث على الأمراض والتلوث.  لا شك أن التقدم التكنولوجي عبر العصور نقل الانسان من العصر الحجري الى ما نعرفه اليوم، كما أن التغير المناخي يحاول أخذنا بالاتجاه المعاكس أي نحو العصر الحجري.  أين تقع نقطة الوسط أو الالتقاء؟  ذلك تبعا للقوى المشاركة في الاتجاهين والعاملتين بنشاط قوي وكبير.  كما أن الانسان نجح في استعمال التقدم التكنولوجي للتقدم، فشل أيضا في معالجة أسباب التغير المناخي الذي يدمر نوعية الحياة.

لأن الكورونا كما التغير المناخي هما مشكلتان دوليتان، لا يمكن للمعالجة الا أن تكون دولية.  المشاركة في الحلول في الأدوات والتمويل والموارد البشرية والمادية هي ضرورية للنجاح في التأثير عليهما.  المطلوب التعاون بين الدول ومع المؤسسات الدولية المعنية لتوحيد الجهود للانتصار على هذه المشاكل.  من الصعوبات الأخرى، المواضيع معقدة اذ لا تنحصر في اختصاصات محددة بل تشمل قطاعات واسعة عديدة في نفس الوقت كالكيمياء والفيزياء وعلم الحياة والاقتصاد والقانون والرياضيات وبالتالي تتطلب الحلول مشاركة أعداد كبيرة من الاختصاصيين لايجاد الدواء الفاعل للأوبئة.  لا شك أن الكورونا كما التغير المناخي يشكلان مصدرين سلبيين كبيرين للانسان وللعالم الطبيعي بكافة موارده المائية والهوائية والأرضية.  غض النظر كما التأجيل انتحاريين ولا يمكن القبول بهما.

يحصل التلوث المناخي منذ عقود ويتأثر الانسان سلبا به عبر صحته ونوعية حياته.  ما العمل اليوم؟  يقول «ويليام نوردهاوس» الحائز على جائزة نوبل للاقتصاد لسنة 2018 أن هنالك 3 حلول ممكنة:  أولا تخفيف انبعاث ثاني أكسيد الكاربون في الهواء، لكن الامكانيات العملية المتوافرة غير فاعلة بالاضافة الى التكلفة الباهظة التي تفرضها.  هنالك حل ثان في رأيه وهو سحب كثافة التلوث من الطبيعة عبر آليات متخصصة لهذه الغاية، لكنها غير متوافرة اليوم خاصة في الأسواق.  يبقى الحل الثالث وهو حسن ادارة التلوث بين الزيادات والمعالجات كي لا تصبح الأوضاع لا تحتمل أو بالأحرى أسواء بكثير مما هي عليه اليوم.  في كل الحالات، أفكار الحلول لا تدعو للانشراح بل مكلفة ومقلقة وغير فاعلة.

ما هي الأهداف العالمية لمعالجة التغير المناخي؟  يهدف العالم الى تخفيف ازدياد الحرارة التي تسيء الى كل شيء كمستويات المياه ونوعية مياه الشرب والهواء وصحة الانسان وغيرها.  من الضروري أن تشارك كل الدول سوية في وضع الحلول وتنفيذها أي المشاركة في التكلفة أيضا والا لن تكون الحلول مجدية.  غير مقبول أن تستفيد دولة أو أكثر على حساب الدول الأخرى، لذ لا بد وأن تكون المعالجة مشتركة أو لا تكون مجدية وفاعلة.  عالميا، هنالك 3 اجتماعات كبرى عقدت لكنها لم تعط بعد النتائج المنتظرة.  أولا مؤتمر الأمم المتحدة في 1992 في مدينة الريو والذي هدف الى عدم تفاقم التغير المناخي، بل اتفق على استقرار الأوضاع بانتظار تحديد الحلول المشتركة المناسبة.

ثانيا كان هنالك «بروتوكول كيوتو» في 1997 الذي حدد مستوى الانبعاثات أي 5% أقل من مستويات 1990 على أن تتحقق الأهداف بين سنتي 2008 و 2012.  كانت هنالك محاولات جدية الا أنها لم تنجح بسبب عدم مشاركة العديد من الدول الملوثة كالولايات المتحدة.  أتى أخيرا مؤتمر باريس في 2015 الذي وضع سياسات وأهداف غير ملزمة ولم يفرض التنسيق، أي عمليا توصيات غير قابلة للتنفيذ في ظروف دولية متوترة وصعبة.  انسحب الرئيس ترامب من اتفاقية باريس غير الملزمة لأنه رأى فيها ظلما كبيرا للولايات المتحدة التي هي دون شك الدولة الملوثة الأولى في العالم.  يقع العالم اليوم في الموقع الذي كان فيه في 1994 علما أن المخاطر أكبر والتحديات أصعب وأعمق.

ما هو الواقع على الأرض اليوم خاصة بعد تنفيذ نظريات الرئيس ترامب المهمشة للمشكلة البيئية والتي تهدف عمليا الى انسحاب الولايات المتحدة من المساهمات الدولية الايجابية في منظمة الصحة العالمية مثلا وغيرها.  لا ننسى أن «أل غور» نائب الرئيس الأميركي الأسبق عمل جاهدا على توقيع اتفاقية باريس لأنه رأى فيها الحد الأدنى المطلوب للانقاذ البيئي.  تعمل الولايات المتحدة اليوم ضمن قوانينها على أن لا ترفع تلوثها.  في 2010، كانت كثافة ثاني أكسيد الكاربون في أميركا 0.386 وتدنت في 2015 الى 0.328.  تحسن واضح لكنه غير كاف وربما تنقذه جزئيا الكورونا المخففة للغنى والتلوث في نفس الوقت.  معظم النشاط المكافح للتلوث عالميا أتى من الصين وذلك منذ 1980 وحتى اليوم.  النشاط الصيني الأكبر تم في فترتي 1990\2000 و 2010\2017.  لا شك أن الصين تلوث لأن التكنولوجيا المستعملة ما زالت أقل تقدما من التكنولوجيا الغربية، لكن في نفس الوقت الجهود الصينية لمكافحة التلوث كبيرة وواضحة في السنوات الأخيرة.  في كل حال، التعاون الدولي لمكافحة التلوث مهم جدا حتى لو لم ينجح كما نتمنى، اذ لا بديل عنه والنشاط الفردي في مهمات كالتلوث والكورونا لا يمكن أن تكفي.

هنالك حقائق يتفق عليها الجميع، وهي ضرورة مساهمة الحكومات في الحلول.  القطاع الخاص لا يمكنه أن يكافح التلوث من دون القطاع العام.  تنقصه الموارد المادية والبشرية كما يحتاج الى السياسات العامة والاجراءات والقوانين التي ترعى عمل الشركات.  كلما تأخرنا في تنفيذ الحلول كلما صعبت وارتفعت التكلفة الباهظة أصلا.  ما المطلوب؟  هنالك 4 خطوات:  أولا أن يفهم العالم والمواطن العادي أهمية التغير المناخي.  فهذا ليس تفصيلا بل مشكلة حقيقية تؤثر على مستقبله.  ثانيا، يحب وضع نوع من الضرائب التي ترفع من تكلفة التلوث مما يحسن الايرادات ويخفف الضرر عن صحة المواطن.  المطلوب سياسات مالية ونقدية مشتركة في كل الدول حتى لا تنتقل الصناعات الملوثة من دولة الى أخرى.  ثالثا، يجب تفعيل التنسيق بين الدول وبينها وبين المنظمات الدولية والاقليمية كي تتحقق النتائج المطلوبة.  أخيرا، يحتاج العالم الى تكنولوجيا جديدة في قطاع الطاقة تخفف من الانبعاث وربما تساهم في تنظيف المياه والهواء والطبيعة.