بيروت - لبنان

اخر الأخبار

24 حزيران 2021 12:02ص كيف نحافظ على التعايش الإسلامي-المسيحي في الشرق؟

حجم الخط
إنّ التواجد المسيحي في الشرق يعود إلى نشأة الديانة المسيحية في بداية السنين الأولى الميلادية، ثم جاء الإسلام في بداية القرن السابع ميلادياً وابتدأت حضارة مشتركة جمعت المسلمين والمسيحيين. والقرآن الكريم، مملوء بالآيات التي تلزم المسلمين بالتعامل مع أبناء الديانات الأخرى بالمحبة والتسامح، وعدم نبذ الآخر، وإن السلام هو الشعار الرئيسي للدين الإسلامي، والحضارة الإسلامية كانت منفتحة دوماً على سائر الحضارات.  كما يشكّل التعايش الإسلامي المسيحي في لبنان صورة حضارية ونموذجاً يحتذى به في العالم أجمع. حيث تسمع في كل شارع صوت الأذان وترانيم قرع الأجراس، ليكون المسلم حارس القيامة والممسك بمفاتيحها، والمسيحي حامل لواء الدفاع عن الإسلام. فمنذ مئات السنين كان شربل ومارون وعلي ومحمد إخوة وشركاء في الوطن والمصير، والتعايش بينهم مكلّل بالحب والودّ والاحترام، حيث شبّوا على تعاليم أنّ الدين حب وأخلاق وتسامح، وأنّ الوجود المسيحي في الشرق هو نعمة كبيرة، يجب الحفاظ عليه. والعيش المشترك هو واجب إنساني ووطني واجتماعي وثقافي، فالإنسان خلق ليعيش مع أخيه الإنسان، وهذا الأمر واقع مكرّس على الأرض. ونحن بالتركيز على القيم والأخلاق واحترام الخصوصيات وسلوكيات الحياة، بعيداً عن التعصب الديني، نخلق السلام بين بعضنا البعض. فعندما نقبل الآخر المختلف عنا دينياً، يكون الاحترام سيد الموقف على كافة الصعد، مما يعبّر عن الإيمان الحقيقي بالله وعن العقيدة التي يعيشها المؤمن بكل معطياتها الثقافية والاجتماعية والروحية، وبهذه الطريقة تبنى الأوطان.

إنّ ما يعانيه اليوم مسيحيو الشرق من تشرد واضطهاد، يشكل حافزا لعمل إسلامي يحافظ على الحضور المسيحي في الشرق، ويحافظ على التعددية التي هي أساس مصالح الأوطان ووحدتها. فالمواطنة تستلزم الدفاع عن الشريك في الوطن، والحفاظ على المساواة أمام القانون، لكي تنتفي فكرة الأقليات والأكثريات، وفكرة الضعف والقوة، ويعيش الجميع بكرامة ويساهمون في نهضة بلادهم. وما يساعد على تحقيق ذلك، أنّ الفاتيكان ينظر باحترام إلى المسلمين، ويعتبرهم بأنهم يعبدون الإله الواحد الحيّ القيوم الرحيم، خالق السماء والأرض المكلّم البشر، ويجتهدون في أن يخضعوا لأوامر الله ويجلّون يسوع كنبّي، يكرّمون أمه مريم العذراء. أما الأزهر الشريف فيعتبر بأنّ علاقة الأخوة والمحبة والسلام التي تجمع المسلمين بالمسيحيين، تضرب بجذورها في أعماق التاريخ، لأنها علاقة بدأت قبل مجىء الإسلام إلى مصر، بل قبل بعثة الرسول؛ حيث بدأت العلاقة عند ذهابه حينما كان صغيراً في سن الثانية عشرة، مع عمه إلى الشام، والتقائه بالراهب بحيري، حيث كان هذا اللقاء أول عهد بين نبي الإسلام وبين راهب من رهبان المسيحيين، وبعد الرسالة هاجر المسلمين مرتين إلى دولة مسيحية وهي الحبشة، ونزلوا بجوار ملك مسيحي، حافظ عليهم وحماهم.

وعموماً فإنّ المسيحية كانت ثورةً على ظلم أحبار وحكّام اليهود وتسلّطهم المادي وجشعهم الربوي فقال لهم الفادي: ˮهذا بيت أبي مكان للصلاة فلا تجعلوه مغارةً للصوص". أما الإسلام فكان ثورة على عبدة الأصنام وفسادهم، وآيات القرآن تقرّ أن أصل الدين واحدٌ في جميع هذه الرسالات، حيث تذكر القرآن التوراة والإنجيل بعبارات غاية في الاحترام وتعترف بأثرهما القوي في هداية البشرية من التيه والضلال، لاسيما عندما تصفهما بأنهما «هدى ونور»، وعندما يصف القرآن نفسَهُ بأنَّه الكتاب المصدق لما سبقه من الكتابين المقدسين، أي التوراة والإنجيل. ولذلك فإننا نشجع على فهم ديني سليم فوق الحواجز يستدعي كاهناً يشارك المسلمين في القدس بالأذان فلا يعاقب، وبالمقابل يستدعي برلمانية مسلمة تقف مع المسيحيين لتتناول قرباناً فلا تكفّر وتستتاب. كما يستدعي ترسيخ مفهوم المواطنة التي معناها المساواة في الحقوق والواجبات بين المواطنين جميعاً، عوضاً عن مصطلح الأقليات الذي يحمل انطباعات سلبية تبعث على الشعور بالإقصاء، وتضع حواجز نفسية تتداعى وتتراكم في نفس المواطن الذي يطلق عليه أنه مواطن من الأقليات. أما الفكر المتشدد فلا يمت للإسلام بصلة، وهو فكر لم يعرفه الشرق من قبل؛ فمؤخراً حدثت اختراقات للمجتمع الإسلامي مسّت المسلمين والمسيحيين، وهيأت الأرضية لأن تؤتى الفتنة الطائفية، وتبع هذا أن الخطاب الإسلامي انهار، وأصبح أسير لشكليات وتوجهات معينة، دونما تطرّق إلى مسألة ترسيخ أسس المواطنة، ونشر فلسفة الإسلام في التعامل مع الآخر وبخاصة المسيحيين.