بيروت - لبنان

اخر الأخبار

3 حزيران 2022 07:18ص كيف ولماذا وُجدت شرطة مجلس النواب منذ 1943؟

حجم الخط
بعد ان اعتقل رئيس الجمهورية الاستقلالي الأول بشارة الخوري ورئيس الحكومة الاستقلالي الأول رياض الصلح والوزراء ومعهم النائب عبد الحميد كرامي، بعد تعديل الدستور في شهر تشرين الأول 1943 وإلغاء المواد المتعلقة بالانتداب من الدستور ونشرها في الجريدة الرسمية، حيث بدأت في تلك اللحظة كما يقول اول رئيس برلمان استقلالي صبري حماده: «معركه الاستقلال التي لا تقتصر فصولها على بشامون فقط، فقد وضع الفرنسيون مراقبة شديدة على منازل رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة واعضائها الذين توقعوا اعتقالهم من قبل المنتدبين.
وكنت اكثر رجال الاستقلال تعرضا لهذا الخطر من جراء اقامتي في بناية تحتل الطوابق الأولى منها مكاتب الفرنسيين، ومن سخريه القدر ان اكون قد اطلعت على خبر اعتقال الرئيسين الشرعيين والوزراء عند الساعة الثالثة من صباح اليوم الذي تم فيه اعتقالهم من طاهية ابراهيم حيدر الذي ارسلها على حد زعمها لتنقل الي النبأ، وهي كانت قد ارسلت بالفعل لترى ما اذا كنت في عداد المعتقلين. 
وضعت نصب عيني انني بحكم منصبي كرئيس لمجلس النواب قد اصبحت السلطة الشرعية في البلاد وتقع عليه، بالتالي تبعات لا بد من القيام بها مهما غلا الثمن».
واخذ الرئيس صبري حمادة يتحرك سريعا في كل الاتجاهات.
ويقول الرئيس حمادة: «وعند الساعة السادسة من صباح 11 تشرين الثاني سنة 1943، حضر نور الدين الرفاعي مدير الشرطة العام الى منزل الرئيس حمادة وقال له ان الكولونيل سليمان نوفل قائد قوى الامن العام الداخلي (الدرك والشرطة) أوفدني اليكم لأنبئكم باعتقال رئيس الجمهورية ورئيس الوزارة وفريق من الوزراء وليقول لكم انه يعتبركم ممثل السلطة الوحيد في غياب رئيس الدولة والحكومة وهو ينتظر أوامركم، فأجابه رئيس المجلس: أبلغ الكولونيل نوفل انني ذاهب من فوري الى منزل رئيس الجمهورية ثم الى دار البرلمان وابلغه أوامري بعد فترة وجيزة، وبالواقع فانه في الساعة الخامسة والنصف من صباح 11 تشرين ثاني، يوم الاعتقال كان الكولونيل نوفل نائما في بيته عندما أيقظته زوجته قائلة: «الباب سوف ينكسر من شده الضرب عليه» فقام الكولونيل وفتح الباب فوجد عارف ابراهيم معاون مدير الشرطة مضطربا وأخبره بالحادث الخطير، ولما اراد الكولونيل الاتصال بقيادة الدرك وجد التليفون مقطوعا، فأرسل عارف ابراهيم الى السرايا ثم ذهب الى هناك وأعطى أوامره ووزع السلاح على الجند ثم ارسل نور الدين الرفاعي ليعلم الرئيس صبري حمادة ان نوفل ينتظر أوامره كما سبقت الإشارة وبعدئذ استدعاه رئيس اركان حرب القياد الفرنسية الى غرفه بوغنر وقال له: أتريد أن تطيعنا أم لا؟
فأجابه نوفل: «انني عسكري أولا واذا كانت الأوامر لا تتعدى مهمتي فانا مجبر على تنفيذها، فقال رئيس اركان الحرب: «انني اصادرك!» فأجابه نوفل: انا أنفذ امر المصادرة. وبعد الجلسة الخاطفة اختلى به رئيس الغرفة السياسية المسيو بوغنر واخبره ان الاوامر كانت صادرة بتوقيفه، ولكن رئيس اركان الحرب قد شفع به، لذلك رجاه ان لا يخالف القوانين وان يقوم بمهمته العسكرية المطلوبة منه. فأجاب نوفل: إن الدرك والبوليس تحت تصرفي وانا ارفض استعمالهما لأي هدف سياسي. وان مهمتي هي المحافظة على النظام فقط».
الجدير بالذكر ان اتهامات كبيرة لحقت بالكولونيل نوافل وألصقت به اشد انواع التهم، فقد قيل انه كان عالما بما يبيته الفرنسيون وانه اشترك في مؤامرة اعتقال الرئيسين الخوري والصلح والوزراء.
توجه الرئيس صبري حمادة إلى منزل رئيس الجمهورية الشيخ بشارة الخوري لزيارة قرينته السيدة لور، فوجد هناك حبيب ابو شهلا نائب رئيس الوزراء ووزير العدلية والتربية الوطنية، الأمير مجيد أرسلان وزير الدفاع الوطني والزراعة والصحة والاسعاف العام، والنواب: مارون كنعان، رشيد بيضون، صائب سلام، ومحمد الفضل، والجميع كان مقبلا على السيدة لور لمعرفه تفاصيل اعتقال رئيس الجمهورية، إضافة الى جمهور غفير من الناس الذين لم يقف تدفقه وهو يهتف بحياة المعتقلين وبعودة الزعماء وخرج رئيس مجلس النواب ومعه النواب والوزيران ابو شهلا وأرسلان الى الجمهور. فبدأ الوزير ابو شهلا في القاء خطاب على الجماهير المحتشدة، فيما انسحب الرئيس حمادة ومعه النواب الى إحدى الغرف في منزل الرئيس الخوري، وبعد انتهاء ابو شهلا من خطابه التحق والوزير أرسلان برئيس المجلس، حيث عقد اجتماع وضعت فيه خطه العمل المشتركة.
في ذاك الاجتماع تقرر ان تمضي الهيئتان التشريعية والتنفيذية في عملهما وان يقوم مجلس الوزراء مقام رئيس الجمهورية المعتقل، عملا بالمادة الثانية والستين من الدستور، وان يضطلع الوزيران الطليقان وكالة بأعباء الوزارات التي اعتقل وزراؤها كما تقرر ان تقود الحكومة الشرعية الشعب اللبناني في جهاده، وتخابر باسمه الدول العربية والأمم الديمقراطية. 
ونشط المجتمعون الى العمل حالا على تنفيذ القرارات الخطيرة التي اتخذت في ذلك الاجتماع، فانصرف ابو شهلا الى وضع صيغة المرسوم والى كتابة مذكرة احتجاج شديدة الى سفير فرنسا، جان هللو، ومذكرات أخرى الى ممثلي دول الامم المتحدة والاقطار العربية الشقيقة، وغادر رئيس المجلس وزملاءه منزل رئيس الجمهورية قاصدين مبنى البرلمان، فبلغوه في الساعة السابعة والنصف ووجدوا امين سر المجلس العام وبعض موظفي المجلس في انتظارهم هناك.
لاحظ الرئيس صبري حمادة عدم وجود افراد القوة التي تحافظ عادة على مبنى مجلس النواب، فاستدعى اليه قائد قوة شرطة المجلس حليم غرغور الذي كان حاضرا فكلفه الرئيس ان يتصل بمدير الشرطة العام ويطلب اليه إيفاد 15 شرطياً الى المجلس، فذهب غرغور بنفسه الى مدير الشرطة وابلغه الامر ثم عاد بعد هنيهة ليعلم رئيس المجلس ان مدير الشرطة اتصل بالكولونيل نوفل وابلغه أمر الرئيس، فطلب الكولونيل أمراً خطياً، فكتب الرئيس حمادة أمراً خطياً، حمله إلى مدير الشرطة رسول خاص، فلا الرسول عاد، ولا رجال الشرطة وصلوا، وبالتالي ظل المجلس بلا حماية. 
ويؤكد الرئيس حمادة في هذا الصدد، أنه في تلك اللحظة قرر ان يكون لمجلس النواب شرطته المستقلة التي ترتبط مباشرة برئيس المجلس وتتلقى الأوامر منه، وهكذا بدأ تكوين شرطة مجلس النواب. 
بعيد الثامنة وجه الرئيس حمادة دعوة خطية إلى النواب لعقد جلسة مستعجلة يحدد موعدها في تمام الساعة العاشرة من ذلك النهار نفسه، وحمل أوراق الدعوة حجاب المجلس وبعض موظفيه، وراحوا يطوفون على منازل النواب ليبلغوهم إياها، وكانت الجماهير قد احتشدت في ساحة البرلمان والشوارع المحيطة به، وهي تهتف هتافات عالية بحياة المعتقلين (بدنا بشارة -  بدنا رياض).