بيروت - لبنان

اخر الأخبار

18 تشرين الأول 2019 06:45ص لا انفتاح سعودياً على اقتراح بوتين حول دور عربي في الشمال السوري!

الرياض سألت عن إنتخابات 2021 والميادين والبوكمال... ولا ترى أي مبادرة من الأسد في الإتجاه الصحيح

حجم الخط

أردوغان حقّق ما يريده من التوغُّل العسكري في شرق الفرات و«سيد الكرملين» لديه تعهداً بالإنسحاب بعد إتمام أهداف العملية

حمل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى الرياض مقترحه حول دور عربي في الشمال السوري. دور يحتاج إليه «سيد الكرملين» المتعاظم نفوذه في المنطقة من بوابة سوريا، بعدما منع تدخله العسكري فيها سقوط نظام بشار الأسد. فالتوازن مفقود، ومهما كان حجم الإنجاز أو الانتصار العسكري، فإنه لا يمكن أن يؤمن استقراراً من دون حل سياسي يفتح الباب أمام إعادة الإعمار، بما يعنيه ذلك من فك الحصار العربي والدولي عن سوريا وعودتها إلى علاقات طبيعية مع العالم. 

ليست روسيا وحدها اللاعب بالتأكيد، لكن حرب الاستنزاف ترتد عليها، وهي أصلاً غارقة في مشاكل اقتصادية ولديها تحديات الجوار الروسي. ولن تستطيع طويلاً تحمّل عبء كلفة الحرب والحفاظ على النظام وكلفة تكريس السلم. الانسحاب الأميركي من الشمال السوري يزيد المشهد تعقيداً بالنسبة إلى موسكو، ويضاعف حجم المسؤوليات عليها. 

بوتين يُدرك أن العملية العسكرية التركية حاجة ضرورية لحماية الأمن القومي التركي. ولم تحصل تلك العملية من دون غطاء روسيا وواشنطن. الرئيس الروسي يُبدي موقفاً حازماً بأن أهداف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إبعاد الفصائل الكردية المسلحة عن حدوده، وخلق منطقة فاصلة بينه وبين الأكراد. هذه المنطقة التي يسميها الأتراك منطقة آمنة، سيعيد إليها أردوغان جزءاً كبيراً من اللاجئين السوريين، وسيُشكل العرب تلك المنطقة العازلة. 

وفق متابعين للشأن التركي، فإن أردوغان حقق من عمليته ما هو مرسوم لها من أهداف. إعلان نائب الرئيس الأميركي مايك بنس بعد لقائه الرئيس التركي في أنقرة أن الأكراد سينسحبون إلى عمق أقله 30 كلم، وسيتم التوصل إلى حل للمنطقة الآمنة، هو ما يرمي إليه التوغل التركي. بالنسبة للرئيس التركي، يكون قد نجح في حماية أمنه القومي، أولاً. ويكون نجح في إبعاد الضغوط الداخلية عنه، التي بدأت تطل برأسها لا سيما في إسطنبول بعد خسارته بلديتها، من بوابة اللاجئين السوريين، إذ أن منسوب العنصرية تجاههم إلى ارتفاع، ويجري استخدام قضية اللجوء السوري كعنصر ضاغط على الاقتصاد وأحد مسببات تفاقم الأزمات الاقتصادية - الاجتماعية، وثمة شعور أن التضييق على السوريين سيزداد، بما  يهدف إلى إرباك أردوغان. من هنا، يتم النظر إلى أن المنطقة الآمنة تحقق للرئيس التركي عدة أهداف في آن، يبعد خطر الأكراد السوريين عن حدوده، ويُعيد اللاجئين السوريين إلى الداخل السوري وتشكل هذه المنطقة فرصة اقتصادية له، ما دامت بلاده تشكل منفذها بشكل رئيسي.  

ما نقله الرئيس الروسي إلى المسؤولين السعوديين هو أن لديه تعهداً من أردوغان بالانسحاب من شرق الفرات بعد أن تحقق العملية أهدافها. الروس يريدون ضبط العملية التركية، ودخول جيش النظام إلى المناطق الكردية حصل وفق خطة الكرملين وتحت رعايته، ويُسيّر الجنود الروس دوريات على الحدود الفاصلة بين الأتراك والنظام. بوتين أبلغ الرياض أنه سينشر جنوداً من الشيشان في هذه المنطقة. اعتبر أن هناك جيشاً تم بناؤه قوامه نحو 60 ألفاً وربما أكثر - ويقصد به «الجيش الوطني» الذي بناه الأتراك - سيكون متواجداً شرق الفرات. تحدث أن فراغاً سينشأ في هذه المنطقة، وأن بإمكان قوات عربية أن تملأه. رمى رقم عشرة آلاف عنصر.

بالطبع ما يريده بوتين هو انطلاق عملية إعادة الإعمار. كان اقتراحه أن تبدأ عملية إعادة الإعمار من شمال سوريا. فهذه المنطقة غنية بالثروات، هناك الثروة المائية والثروة النفطية وهناك الثروة الغذائية. في خلال سنة من الآن، لا بد للأمور من أن تتبلور أكثر. التوغل التركي سيليه لاحقاً انسحاب، والانسحاب التركي لا بد من أن يرافقه انسحاب إيراني مماثل. لا يتم النظر استراتيجياً إلى العملية التركية من العين الروسية، كما من العين الأميركية، إلا بوصفها تخلق نوعاً من التوازن بين إيران وتركيا في سوريا. من وجهة النظر الروسية، توجد فرصة لإعادة نوع من التوازن في الداخل السوري مع عودة أكثر من مليون سوري من اللاجئين في تركيا، واحتمال عودة جزء من اللاجئين من الأردن. كما أن وجود «الجيش الوطني» ودمجه لاحقاً في عداد الجيش السوري يؤمن جزءاً من التوازن الطائفي المفقود. وهناك أيضاً اللجنة الدستورية التي فيها النظام والمعارضة والمجتمع المدني قادرة على أن تشكل انطلاقة معقولة.

ما سمعه الرئيس الروسي في الرياض حيال اقتراحه كان واضحاً لجهة أن الحل في سوريا هو حل سياسي، وأن النظام السوري حتى الآن لم يُقْدِم على أي مبادرة من جانبه، يمكن معها أن يفتح أي آفاق لإمكانية التعامل معه وخلق ثقة بينه وبين المعارضة السورية والشعب السوري. فهناك مئات الآلاف في سجونه الذين يمكن إطلاقهم، وهناك اللاجئون في لبنان الذين يحتل «حزب الله» بيوتهم وأراضيهم في القلمون وحمص، والذين يمكن إعادتهم إلى مناطقهم. سألت الرياض عن الميادين والبوكمال في دير الزور التي يتواجد فيها الحرس الثوري الإيراني والتي تفرض على سكانها التشيّع للعودة إلى ديارهم، وماذا سيكون مصيرها؟ في اعتقاد بوتين أن انسحاب تركيا من شرق الفرات سيفرض انسحاباً إيرانياً من هاتين المنطقتين على الحدود السورية - العراقية. سألت الرياض كذلك عن الانتخابات الرئاسية في 2021، وعن احتمال عودة الرئيس السوري بشار الأسد. لم تسمع المملكة جواباً شافياً حول مسألة ترشح الأسد وبقائه في السلطة. تدرك موسكو أن مسألة تأهيل الأسد مسألة صعبة، لكنها تعتبر أنها هي الراعية الرئيسية للنظام وقادرة على لجمه، والدعم العربي هنا هو دعم لها ومصلحة تصب في خدمة الشعب السوري والحفاظ على النسيج الاجتماعي والديموغرافي للشعب السوري أكثر مما هي مصلحة لرأس النظام!.

لم تغلق السعودية الأبواب حول الاقتراح الروسي أمام ضيفها، لكنها لم تفتحها في الوقت نفسها. بقيت الأمور معلقة، فالأزمة السورية في نهاية المطاف مرتبطة بملف أزمات المنطقة التي لا تزال مشتعلة، وحلولها لا تزال متعثرة.