بيروت - لبنان

اخر الأخبار

2 أيلول 2020 12:02ص لا قيامة للبنان في غياب قانون يعزل «منظومة الفساد»

حجم الخط
لم يمر على لبنان زمنٌ تراكَم فيه هذا الكمّ من الرداءة والدناءة السياسية دفعةً واحدةً، في بلدٍ يتجسّد الفساد السياسيّ والماليّ فيه بـ «منظومة» متماسكة وثقافة وأدبيّات بحدّ ذاتها ترعاها طُغمة قوامُها مزيجٌ من أمراء الحرب وعصابات المال التي تتحكّم بمفاصل الدّولة ومقدّراتها، وترتكبُ باسم الشّعب زوراً وبهتاناً شتّى أنواع الكبائر بدءً من تعليق تطبيق الدستور واعتماد نظام المحاصصة الطائفي بديلاً منه، مروراً بالتبعيّة والارتهان لقوى الخارج، وليس آخر فصولها قتلُ الأبرياء في انفجار مرفأ بيروت. ولكن يصعب محاسبة أي من أفراد هذه المنظومة لأنّ المحاسبة تصطدم بحائط الطائفية والمناطقية، علاوةً عن وجود اتفاق ضمني بين الفاسدين بالتستّر على بعضهم البعض حفاظاً على مكتسباتهم وعلى المصالح المشتركة بينهم.

إنّ قيامة لبنان في ظلّ هذه المنظومة تعتمد بشكلٍ اساسيٍ وضروريٍ على إجراء تغيير كامل في النظام السياسي اللبناني باتجاه دولة مواطنة، انطلاقاً من تغيير الواقع النيابي الذي يجب أن يستند الى أحكام الدستور ووثيقة الوفاق الوطني ووفق خطّة مرحليّة هدفها النهائي إلغاء الطائفية السياسيّة بما ينزع عن الأحزاب والقوى السياسيّة غطاءها الطائفيّ ورافعتها المرتكزة على العصبيّات الطائفيّة والمذهبيّة. كما يجب تطبيق مبدأ فصل النيابة عن الوزارة للأفراد والأحزاب، وصولاً الى إقرار دستور جديد يراعي واقع لبنان ويعزز الديمقراطية فيه، ويتضمّن الحلول العملية لتفادي المآزق التي سبّبتها الثغرات الدستورية التي كشفتها الأزمات السياسية المتتابعة.

الّا أنّ تطبيق ما سبق لا يردع بشكلٍ كاملٍ عودة منظومة الفساد الى دائرة الحُكم، وهي التي اتخذت سياسة إقصاء وتهميش متعمّدة لاستبعاد من هم من خارجها عن مواقع المسؤولية والقرار، ما يستدعي إجراءات استثنائية من خلال الضغوط المباشرة عليها لا سيما الحجز على أموال افرادها المنقولة وغير المنقولة في الخارج والداخل وفضح صفقاتهم المشبوهة، وعزلهم سياسيّاً، وصولاً إلى زجّهم في السجون، وذلك بالاستناد الى غطاء دولي وبضغط شعبي عارم داخلي.

من هنا أهميّة المُطالبة بإصدار قانون وقائي بـ«العزل السياسي» يكون من صلب المطالب الشعبيّة المدعومة من المجتمع الدّولي، بحيث يقطع الطريق على عودة القوى السياسيّة البائدة إلى السلطة نتيجة القوة والسطوة التي ما تزال تتمتع بها وكفّ يد أي مسؤول تحوم حوله شبهات الفساد المالي أو السياسي منذ العام ١٩٩٠، من العبث في منظومة الحياة السياسية في لبنان.

وقائياً وبمقتضى قانون العزل، يُحرم المشمولين به من تولّي المناصب والوظائف العامةّ لمدّة محدّدة لاسيّما المنع من الترشح لأي من مجلسي النوّاب او الشيوخ، أو تولّي منصب وزاري او حكومي أو في هيئة رقابيّة، أو في وظيفة اداريّة أو عضويّة مجالس الإدارة، أو في الهيئات والمؤسسات والمصارف والشركات العامة والاستثمارية، أو عضوية أي من الهيئات القضائية، أو الوظائف القيادية في المؤسسات الأمنية والعسكرية، أو العمل في الهيئات الدبلوماسية، أو أي من الوظائف القيادية في لبنان، وصولاً الى المنع عن العمل في السياسة بشكل نهائي.

ويحدد بموجب هذا القانون عدداً من العقوبات بحق مرتكبي جرائم إفساد الحياة السياسية، وتشمل العزل من الوظائف العامة وسقوط العضوية في مجلسي النوّاب او الشيوخ أو مجلس شورى الدّولة، والحرمان من تولى الوظائف العامة، وكذلك الحرمان من حق الانتخاب أو الترشح لأي من المجالس لمدة محدّدة من تاريخ الحكم.

في خلاصة الأمر وواقعه المرير، إنّ مسيرة اللبنانيين من أجل استعادة جمهوريّتهم المتهالكة والتي دمّرتها مطامع فئة فاسدة خطفت الدّولة وأهدرت دمها، في ظلّ صمتٍ شعبيّ واستشراء الزبائنيّة والمحسوبيّات، هي مسيرةٌ طويلةٌ وشاقّة ولكنّها ليست مستحيلة. وقيامة لبنان من مستنقع السياسة الآسنة يتطلّب إيجاد هويّة وطنيّة جامعة تسمح ببناء دولة مواطنة، وإقرار قوانين تقطع الطريق على عودة القوى السياسيّة البائدة و«منظومة الفساد» إلى السلطة. 

ويبقى السؤال الأساس: هل يصدق المجتمع الدّولي في نواياه وكلامه عن مبادرة للوصول الى ميثاق سياسيّ جديد لتغيير النظام السياسيّ البائد في لبنان؟