بيروت - لبنان

اخر الأخبار

6 آب 2022 12:00ص لبنان بين الهويات القاتلة والهويات الضائعة

حجم الخط
من أنا؟ هذا من أهم الأسئلة التي يجب أن نسأل أنفسنا عنها، هل أنا هذه الشخصية التي أعشيها اليوم وهل أنا أخترتها بنفسي؟ قد يسأل ويتساءل القارئ ويقول في نفسه ما هذه الأسئلة غير المجدية والمضيّعة للوقت خصوصاً في ظروفٍ عصيبة نعيشها في لبنان؟ ولكن أعيد وأكرر هل سألت نفسك صديقي القارئ هذا السؤال؟ من أنا؟ أو من أنت؟ بكل بساطة، كل المصائب التي نعيشها اليوم هي نتيجة هذا السؤال الذي لم نجب عليه ونحاول الهروب منه، هل نحن اخترنا الهوية التي نعيشها؟ الهوية المتنوعة، يعني الهوية الثقافية والأعراف والمذهبية وحتى الدينية؟ هل اخترت هويتك المتعددة التي ذكرناها؟ حتى على الصعيد الإيماني، هل نحن مؤمنين أم مقلدين؟ هل نحن مقتنعين في ديننا؟ أما اننا أخذنا ذلك عن آبائنا وأجدادنا دون أن نقرر أو أن نقتنع فيه، هنا هو جوهر الموضوع، وهنا يجب أن نتبحر في البحث في أهم قضية يتغافل عنها الكثيرون أما عن جهلٍ وأما عن قصد، فإن أزمة لبنان ليست اقتصادية، فلبنان صغيرٌ جداً فإن مدينة الرياض أكبر من لبنان من حيث المساحة وإعادة إنتعاشه إقتصادياً مهمة سهلة، فهل أزمتنا أزمة سياسية؟ لا شك أننا نعاني من أزمة نظام وأزمة حكم وسلطة، ولكن هذه نتائج وليست الأسباب الحقيقية، فمنذ نشأتنا ومجيئنا إلى هذه الحياة لبسنا هوية لم نختارها أنها فُرضت علينا أما من المدرسة ومن العائلة ومن مجتمعنا وهذه الثلاثية تمثل نظامنا المعرفي، فتشكّلت هوياتٍ متصارعة بسبب طبيعة المجتمعات في البيئة الواحدة، فنحن لسنا في مجتمعٍ واحد، إنما في مجتمعاتٍ تمثل ثقافاتٍ مختلفة وتقاليد وأعراف التي شكلت الهويات مختلفة، إما هوياتٍ قاتلة وإما هوياتٍ ضائعة.
الهويات القاتلة:
كتب أمين معلوف كتابه الشهير «الهويات القاتلة» حيث شرح كيف يتم سفك الدماء بإسم الهوية، مثل ما حصل في الحرب الـ 1975 في لبنان وفي مناطق أخرى مثل البوسنة والهرسك وغيرها، ولكن لست هنا كي أدخل في مناقشة هذا الكتاب، ولكننا نعيش اليوم في ظل هوياتٍ قاتلة تحمل أحقادٍ تاريخية لا قيمة لها، لأن طبيعة الصراع القائم اليوم يختلف عن طبيعته التاريخية، للأسف اليوم فإن الهوية المارونية والشيعية تحمل صفات هذه الهوية القاتلة، فلقد لبسوا هوية لم يختاروها إنما أُلسبوا هذا الرداء بسبب النظام المعرفي الذي ذكرناه سابقاً وهو الذي شكّل تلك الهوية، وبسبب مفهوم الأقليات التي زُرعت في العقول وفكرة الأكثرية السنية التي سوف تسحق الأقليات الطائفية، ولكن في الحقيقة لا شك أن هناك ممارسات تاريخية خاطئة كان فيها البطش والقتل، ولكن هذا البطش لم يسلم منه أحد، لا الأقلية ولا الأكثرية، وهذا تماماً ما ذكره أمين معلوف المسيحي الذي قال أن الأقليات استطاعت أن تعيش في ظل بحرٍ كبير من السنّة ولكن المسلم في أوروبا إما قُتل وأما طُرد وإما تعمّد بعد سقوط الحضارة الإسلامية، هذه وقائع تاريخية وليس رأيي الشخصي، ولكن هذه الهوية أنتجت خطابٍ فيه لغةٍ طائفية وإستعلاءٍ بسبب الموروث التي وُلد مع المولود، فإن هذا النظام المعرفي الذي كرّس موروث مُغلّف وغارق ومتخندق في التاريخ أنتج تلك الخطابات والهويات القاتلة التي أسست قطيعة مُجتمعية وثم خلافاتٍ سياسية.
الهويات الضائعة:
أما في قضية الهويات الضائعة، وهي سمة الطائفة السنية التي تعيش حالةٍ من الضياع، فريقٌ يطالب بالوطنية وينكر هويته الدينية أو طائفية، وفريقٌ يرفع شعار السنّة والإسلام ويرفض مفهوم لبنان وطن نهائي لجميع أبنائه منطلقاً من مفهوم الأمة والجماعة والخلافة، فهذا موضوع نقاشٍ طويل يحتاج إلى شرح المغالطات والتغيّرات، وفريقٌ آخر ينتمي إلى مشاريعٍ إقليمية إما سعودي وإما تركي وقلّة قليلة مع المشروع الفارسي، فهنا تولدت لدى جيل الشباب هوياتٍ متصارعة وضائعة شكّلت حالة من التيه في البنية التحتية للطائفة، إضافةً لشعور المظلومية التي تعرّضت لها بسبب انتمائها للأكثرية في المنطقة العربية والإسلامية ولبنان هو جزء من ذلك العالم. وأسبابٍ كثيرة لا حصر لها ومتشعبة.
ولكن ما العمل؟ كيف الخلاص من العيش في مساحةٍ جغرافيةٍ ضيقةٍ في المكان ولامتناهيةٍ في الخلافات وصراعات الهويات المدمرة؟ الإجابة ليست بسيطةً وليست سهلةً كما يعتقد البعض، ولكن البداية تكون في اختيار هويتنا بأنفسنا بعيداً عن الموروث والنظام المعرفي السائد في كل البيئات والطوائف، فهذه العملية ليست سهلة، فإن التغيير ليس شعارٍ إنما عملية جراحية تحتاج إلى طاقمٍ طبي وهم هؤلاء المتنورين الذين يقررون أن يضحوا بأنفسهم في سبيل إنقاذ المريض وهم كُثر، أما الأدوات الطبية، فهي الخطاب المرن الذي يعزز مفهوم المواطنة الصحيحة التي لا تتصادم مع الطوائف بالمفهوم الثقافي والهوية وليس السلوكي، وخطاب ينبذ الكراهية والتخنذق في التاريخ غير المتفق عليه، أما الوسيلة الأخرى وهي بناء مجتمع سياسي يقوم على التنافس الإيجابي وليس التصارع والتصادم، أما المريض فهو كل واحدٍ فينا الذي عاش وتربّى في ظل هذا النظام المعرفي القاتم والقاتل والضائع الذي شكّل تلك الهويات التي أوصلت البلد إلى ما وصل إليه، ففي اتفاق الطائف تصالحنا ولم نتصارح، وهنا نقطة البداية التي تبدأ بالمصارحة من أجل إنشاء هوية جديدة قادرة أن تواجه التحديات والمتغيّرات.