بيروت - لبنان

اخر الأخبار

22 آب 2020 12:02ص لبنان مجددا في مسار الفيلة المدمّر من الغاز المتوسطي الى النووي الايراني

هل طُمس كنز البقعة الرابعة وأرجئ استكشاف التاسعة نتيجة صراع المحاور؟

حجم الخط
تتنازع لبنان مصالح إقليمية ودولية، تبدأ بالمنافسة المستجدة على إعادة إعمار مرفأ بيروت، على سبيل المثال بين فرنسا وتركيا والإمارات العربية المتحدة والصين، وكل منها أبدى إستعدادا لاعادة الإعمار والاستثمار لمدد تصل الى 25 عاما، ولا تنتهي بالصراع على الغاز في المتوسط، وخصوصا بعد الإكتشاف التركي الأخير لحقل الغاز الهائل (بئر تونا) والبالغ 320 مليار متر مكعب.

ولا يُخفى أن ثمة من يعتقد أن الإستكشاف الفرنسي للبقعة اللبنانية الرابعة لم يذهب، عن سابق تصميم وقصد، حتى مبتغاه أي إعلان الإكتشاف الغازي التجاري بما يخول لبنان بدء عمليات الإنتاج، تماما كما أرجئ إستكشاف البقعة التاسعة جنوبا، بفعل حسابات سياسية، بعضها مرتبط بمندرجات تشديد الخناق على لبنان زمن حكومة حسان دياب، وبعضها الآخر يعود الى حرب الغاز المندلعة في المتوسط بين محورين:

أ- غربي بقيادة فرنسا (إسرائيل في صلبه)، يرغب جاهدا في التخلص من حاجته الى الغاز الروسي، بما يؤدي الى وقف هذا الإدمان الذي بات يخنق أورويا الغربية، وكذلك الى إضعاف الدور الروسي بتقليص أحد أبرز مصادر العملة الصعبة وبما يؤدي الى إحتضار إقتصاد روسيا، وإستطرادا التخلص من الأرق الذي تشكله لها عبر إمتداد تاريخ الصراعات الإمبراطورية.

كيف يحفظ لبنان موقعه الجيوسياسي عندما تحين ساعة التفاوض بين واشنطن وطهران؟

ب - وشرقي تتولى فيه تركيا دورا متقدما بإتفاق مع روسيا، ويضم اليهما حكومة فايز السراج، ويرمي الى قطع الطريق على خط East Med الذي يمرّ في المياه الإقليمية الليبية الخاضعة لحكومة السراج، وهو الخط المخصص لتصريف الإنتاج الاسرائيلي واليوناني والقبرصي والمصري نحو الغرب الأوروبي، بما يؤدي الى تقليص متدرج للاعتماد على الغاز الروسي وصولا الى إستقلالية أوروبية كاملة في غضون 5 أعوام من بدء العمل به. لكن هذا الخط لا يزال قيد الدرس والتقييم، وربما يتم صرف النظر عنه بفعل تكاليفه العالية وإنخفاض فائدته بالمقارنة مع الأسعار المتهاوية للغاز في هذه المرحلة.

وشاء القدر أن تتقاطع في لبنان، معركة الغاز المصيرية لأوروبا للتخلص من الإدمان الروسي مع الحرب الأميركية المستعرة على إيران سياسيا وإقتصاديا. وجاء تفجير المرفأ ليشكل الزخم اللازم لتسعير المعركتين الأوروبية والأميركية:

1- رسائل فرنسية بالجملة الى تركيا وهو ما يفسّر دافع باريس الى إرسال حاملة الطوافات العسكرية الى بيروت، وهي الحاملة التي كانت ترابط قبالة اليونان كرسالة تحذير الى تركيا التي تواصل الاستكشاف في مياه متنازع عليها مع اليونان.

2- واستهداف أميركي متجدد لإيران من خلال العودة الى فرض كل العقوبات التي كانت قيد التفعيل قبل الاتفاق النووي، رغم أن هذا القرار يتعارض نسبيا مع إبداء الرئيس دونالد ترمب قبل أيام رغبة جازمة لتوقيعه اتفاقا نوويا جديدا مع إيران في غضون 30 يوما من بداية ولايته الثانية، في حال فوزه في انتخابات تشرين الثاني الرئاسية. وجاء هذا الوعد قطعا للطريق على المانيفيست الانتخابي للديمقراطيين ومرشحهم جوزف بايدن، والقائم على نقض كل المسار الإيراني للإدارة الحالية، وصولا الى إعادة إحياء الاتفاق النووي الذي صاغه الرئيس السابق باراك أوباما.

يقرأ المسؤولون في بيروت كل هذا المشهد المعقد والمتداخل إقليميا ودوليا، معطوفا على المستجد الاسرائيلي – الإماراتي والمتوقع أميركيا أن ينسحب على عاصمتين عربيتين خليجيتين في القريب الآتي، وربما قبل الانتخابات الرئاسية.

ولا يجد هؤلاء المسؤولون ضرورة تتقدم وتفوق أولوية الصبر الإستراتيجي الذي يتيح للبنان في آن واحد حفظ موقعه الجيوسياسي المتقدم كحاجة ملحة للاستقرار المتوسطي (غاز ونفط والدولة الحاجز Etat Tampon فاصل عن حضارة تخشى- حد النزعة الكيانية والوجودية - النزوح واللجوء والإرهاب والتعصّب)، ومقعده على طاولة أي تفاوض مقبل بين واشنطن وطهران وهو في انتظار تبلور التوقيت المناسب وواقع حتما سواء جدد الاميركيون للمرشح الجمهوري أم منحوا ثقتهم لمنافسه الديمقراطي.