بيروت - لبنان

اخر الأخبار

30 كانون الثاني 2020 08:04ص لبنان يُعلن موقفه في مؤتمري القاهرة العربي وجدّة الإسلامي برفض التوطين

«صفقة القرن» لن تمر بالقوة في ظل معادلة «توازن الردع» ولا بغطاء عربي واهٍ

حجم الخط

تعويل على صلابة الرفض الفلسطيني والوحدة الفلسطينية لإنهاء القضية

كان من الطبيعي ان يكون في لبنان ولدى الشعب الفلسطيني في الداخل ودول الشتات، الموقف الرافض لما سمي «صفقة القرن»، ليس لاعتبارها تمثّل إنهاء لقضية فلسطين التاريخية وحسب، بل لأنها تؤثر سلبا وبشكل مدمر على تركيبة الشعب الفلسطيني المجتمعية والانسانية والجغرافية وعلى وحدته الوطنية ومقوماته الاقتصادية، وعلى تركيبة دول تستضيف الشعب الفلسطيني. وهو تدمير سياسي واقتصادي واجتماعي وديموغرافي لهذه الدول، ولو كان المطروح رشوة مالية لهذه الدول تتفاوت بين دولة واخرى، ونصيب لبنان منها حسب التسريبات ستة مليارات دولار، من ضمن الرشاوى الكبرى وقدرها خمسين مليارا، قال ترامب ان الدول العربية ستدفعها كلها او معظمها.

لن يقتصر الامر على تأثيرات الصفقة على الدول المضيفة، بل على جوهر الموضوع، ضياع فلسطين الارض والشعب، لا سيما مع الاقرار الاميركي والاسرائيلي بضم المستوطنات في الضفة الى الكيان الصهيوني واعتبار القدس عاصمة الكيان واعلان يهودية الدولة، بما يعني ان فلسطينيي العام ١٩٤٨ سيكونون مواطنين درجة ثانية او ثالثة. معطوفاً على مشاريع «الترانسفير» المطروحة من زمن بعيد، والتي لم تنتهِ التسريبات حولها فصولاً بعد.

لفلسطين رب يحمي ومقاومة تدافع و«شعب الجبارين» يصمد بأرضه، لكن المهم الدعم العربي لموقفه، فلا يستطيع طرف في كل العالم ان يفرض على الفلسطيني ما لا يريده، خاصة بيع ارضه. لذلك تشير مصادر دبلوماسية الى انه طالما الفلسطيني رافض للصفقة - المؤامرة، لا تستطيع اي دولة عربية ان تقفز فوق قراره.

بهذا المعنى، تترقب المصادر موقف المملكة العربية السعودية ومصر والاردن وسوريا ولبنان. والدول الأربع الاخيرة هي المعنية مباشرة بنتائج الصفقة. كونها تستضيف العدد الاكبر من فلسطينيي الشتات. واذا كانت الصفقة تتشدد في ابقاء الفلسطينيين حيث هم وبخاصة في الاردن، فهذا يعني تغيير النظام واقامة ما يشبه الفيدرالية او الكونفدرالية على انقاض النظام الملكي، خاصة ان عدد الاردنيين من اصول فلسطينية يبلغ ما نسبته النصف او اكثر.

في لبنان المسألة مختلفة، ثمة عوامل وتوازنات ديموغرافية وطائفية ومناطقية تتحكم بتركيبته الهشّة أصلاً منذ الاستقلال، لذلك رفض لبنان منذ بدء مفاوضات اوسلو وما تلاها من اتفاقيات قبل نحو 25 سنة اي منطق سياسي اميركي واسرائيلي يقضي بحل لما سميت ازمة الشرق الاوسط من دون ضمان حق العودة للفلسطينيين، خدمة للقضية الفلسطينية اولاً وخدمة للبنان ومراعاة لظروفه الخاصة ثانياً. وإذا كان لبنان قد سجّل من وقتها مواقف ثابتة ومبدئية لا تُعدُّ ولا تُحصى في كل المحافل العربية والاسلامية والدولية على اختلافها، فهو الان بصدد تسجيل المواقف ذاتها وبتصلب أشد طالما أن الاميركي والاسرائيلي يحاولان فرض امر واقع على الفلسطينيين والعرب يرفضونه، ولو تم تزيينه بحضور عربي باهت عبر مشاركة ثلاث او اربع دول عربية غير مؤثرة في القرار الاستراتيجي.

واذا كانت مصر الدولة الأفعل في جامعة الدول العربية، والمملكة العربية السعودية قد رحبتا «بأي حل عادل وشامل يُعيد للشعب الفلسطيني كامل حقوقه المشروعة من خلال إقامة دولته المستقلة ذات السيادة على الأراضي الفلسطينية المحتلة، وفقاً للشرعية الدولية ومقرراتها»... فإن هذا الموقف ولو كان حمّال أوجه، لا يعني القبول بالصفقة كما هي، بل هو قبول مشروط.   

وفي هذا السياق، قالت مصادر دبلوماسية رسمية لـ«اللواء»: ان لبنان عبر وزير خارجيته ناصيف حتي سيسجل مواقفه ذاتها خلال مشاركته السبت المقبل في مؤتمر وزراء خارجية الدول العربية الذي سيعقد في القاهرة بدعوة من الجامعة العربية، ويوم الاثنين في مؤتمر وزراء خارجية الدول الاسلامية الذي يُعقد في جدة بالمملكة السعودية، للبحث في تفاصيل الصفقة وانعكاساتها.

واوضحت المصادر، ان لبنان الذي واجه صفقة القرن بالموقف منذ بداية الحديث عنها وفي كل المحافل والمنتديات، سواء في الامم المتحدة او الجامعة العربية او المؤتمرات الاخرى الاوروبية والاسلامية، سيعيد التذكير بثوابته الرافضة لتضييع حق العودة ولتوطين الفلسطينيين على ارضه او في دول الشتات والانتشار، ويؤكد التمسك بمقررات الشرعية الدولية وبقرارات إعلان بيروت التي صدرت في قمة بيروت العربية عام 2002.

وقالت المصادر: ان لبنان ابلغ مواقفه هذه للاميركيين ولغير الاميركيين، «وان عملية السلام في الشرق الاوسط لا يمكن حلها بسمسرة عقارات او بحوافز مالية، وان حقوق الشعوب لا تُشترى بالمال». ولكن المصادر تؤكد ان المواجهة لهذا المشروع لن تكون بمواجهة مباشرة ميدانية ولا عسكرية مع الاميركي، «فنحن لن نحارب اميركا ولا هي بصدد شن حرب في الشرق الاوسط من اجل تمرير الصفقة المرفوضة كرمى لعيون اسرائيل».

وإضافة الى ذلك، تقول مصادر سياسية متابعة للموضوع منذ بدء البحث فيه، انه طالما الفلسطيني رافض للصفقة ما من قوة يمكنها ان تمررها، وطالما لبنان رافض للتوطين ما من قوة قادرة على فرضه عليه.

والمفيد في هذا المجال، ان الموقف الرسمي من التوطين هو ذاته موقف كل القوى السياسية اللبنانية على اختلافها، بين يمين ويسار ووسط وقوميين وعروبيين وهيئات شعبية، واذا كان من قلّة قليلة تدور في فلك الاميركي «على العمياني»، فهي منبوذة من الاغلبية العظمى اللبنانية ولا يمكن ان يكون لها دور مؤثر. عدا عن أن حسابات الامس البعيد مختلفة عن حسابات اليوم اذا ما حاولت اسرائيل فرض الأمر الواقع بالقوة على الفلسطينيين وعلى لبنان، وتوازن الردع لا زال قائماً ولا تمنعه مؤتمرات مؤيدة للصفقة اياً كانت الدول المشاركة فيها.