منذ 17 تشرين الاول 2019 يوم بدء الحراك والانتفاضة والثورة، وبعد استقالة حكومة سعد الحريري وتأليف حكومة حسان دياب واستقالتها في 10/8/2020، وما حصل من احداث وتطورات، كل ذلك لم يحرك القوى السياسية لوضع مشروع الخلاص الوطني لإنقاذ لبنان من مآسيه على كل الصعد، وبكل ما يتعلق بمناحي الحياة، والخلل في النظام، وتجاوز استقلال السلطات، والهدر والاموال المنهوبة.
نقول انه من البديهي بأن الطائفي والفاسد والسارق الذي يقتضي ان يخضع للمساءلة والمحاسبة لا يمكنه ان يشارك في اي اصلاح، بل على العكس انه يعرقل ويعاكس بشراسة، كي تبقى شريعة الغاب سائدة في البلاد، وهذا ما حصل ويحصل حتى الآن، لكن الشعب لن ييأس وسيتابع تحركه حتى الانتصار على هذه الزمر القابضة على زمام اموره وحتى على روحه، وبعض هذه الزمر فاقد للكرامة والعنفوان والاصالة والوطنية، وما زالت الدونية سلوكهم والخيانة عندهم وجهة نظر، معبودهم المال والكرسي ولو كان ذلك على جثث ابناء الوطن، هكذا تعاملوا مع ممثلي الامن السوري سابقاً، وهكذا يسوّقون انفسهم منذ ما بعد 2006 لدى اي اجنبي.
حزنت كثيراً على مشهد الزيارة لقصر الصنوبر لمركز المفوض السامي الفرنسي سابقاً ايام الانتداب، ولو للقاء صديق لبنان الرئيس ماكرون، حيث كان من الواجب الوطني من وجهة نظري اللقاء به في مجلس النواب وليس في اي مكان آخر، باعتباره ضيف لبنان وليس نحن ضيوفه، عملاً بمبدأ نصادق من يصادقنا ونعادي من يعادينا.
وحزنت ايضاً قبل ذلك وبعده ولتاريخه كيف ان دول العالم تدعونا الى الاصلاح ولم نبادر اليه منذ زمن طويل، ولا منذ بدء الانتفاضة وحتى الآن، حيث ان آذان المسؤولين صمّاء فلا حياة لمن تنادي.
المشهد الذي نتكلم عنه يشير بشكل قاطع وحاسم الى ان هؤلاء بتصرفاتهم يبلغون دول العالم بانهم قاصرون، وبأن كل منهم يفتش عن ولي امر له ليتدبر امره والبلد، املاً ان يكونوا المعتمدين لهذا الولي، غير انه والحمد لله لقد أُبلغ كل منهم بانهم غير صالحين لا حاضراً ولا مستقبلاً، هذا والصديق بسببهم اصبح نزيل قصر الصنوبر.
من اجل كل ذلك وكي ننتهي من حالة القُصَّر نقول من الصحيح ان الدستور لم يحدد مهلة لبدء الاستشارات النيابية بعد استقالة الحكومة، الا انه مضى اكثر من عشرة ايام ولم تبدأ الاستشارات بعد، فماذا تنتظرون؟
البعض يصر على أن الاكثرية له والديمقراطية تعطيه الحق بأن يشكل الحكومة على هواه، ويتشاور مع الرئيس ماكرون من اجل هذه الغاية.
والبعض الآخر مع الاسف لو ان موقعه اليوم اكثري كان سيتمسك بالحق ذاته، غير انه ينادي بالحياديين واصحاب الكفاءة رافضاً حكومة الوحدة الوطنية ويتشاور بدوره مع الرئيس ماكرون ايضاً.
وبعض اركان الثورة يحضرون لائحة باسماء يقترحونها للحكومة بانتظار وصول الصديق ليقدموها له، حيث ان المعلومات تشير الى ان السيد ماكرون سيزور لبنان مجدداً خلال الايام القادمة.
لا يجوز ان تحصل الزيارة او زيارات لمسؤولين اجانب الا وتكون قد صدرت مراسيم تشكيل الحكومة، كي لا يفهم ان الصديق او الاصدقاء قد شكلوها بوجودهم في لبنان كي يبقى للكرامة والعنفوان والوطنية عندنا حيّز ما نحفظ به ماء الوجه لشعبنا امام شعوب ودول العالم ونخرج من الدونية الى الابد.
نذكر هنا ايام الرجال الرجال في وطننا الذين تمتعوا بالكرامة والعنفوان والوطنية والاصالة اللبنانية والعربية كيف تصرفوا في تشكيل حكومة كل لبنان في 8/تموز/1973:
كانت بيروت تنتظر وصول المبعوث السوفياتي آنذاك «كيريلنكو» قادماً من دمشق في اطار جولة في المنطقة، توجه الرئيس المكلف تقي الدين الصلح الى قصر بعبدا حيث اجتمع الى الرئيس سليمان فرنجية وقال له:
«نحن امام مأزقين اذا لم تتألف الحكومة، فغداً يصل كيريلنكو ولا يوجد حكومة في استقباله، فإذا اتى وصدرت مراسيم التشكيل بعد مجيئه، سيقال ان الحكومة الجديدة قد شكلها « كيريلنكو»، عندها ابتسم الرئيس فرنجية وقال «انك على حق»، ومساء ذلك اليوم صدر مرسوما التعيين والتشكيل - هذا نظام ما قبل الطائف طبعاً».
فلتبدأ الاستشارات الملزمة فوراً، ولا يجوز التأخير تحت اي حجة من الحجج.
لبنان غني بالكفاءات واصحاب السيرة النظيفة البعيدين عن المحسوبية والحزبية والدونية والمتمسكين بكرامتهم وعنفوانهم ووطنيتهم واصالتهم.
لتشكل حكومة تعبّر عن اماني وآمال الشعب قبل زيارة ماكرون المنتظرة، وليأخذ علماً من الحكومة كما كل العالم على السواء بانها ستبدأ فوراً بتنفيذ لائحة الاصلاحات التي اصبحت معلومة ومحسومة.
* الأمين العام السابق لاتحاد المحامين العرب.