بيروت - لبنان

اخر الأخبار

29 تشرين الثاني 2022 12:00ص لماذا لا ترعى بكركي حوار الرئاسة؟

حجم الخط

بصرخته الأخيرة من الفاتيكان لانتخاب رئيس جامع للجمهورية منتقداً دور المجلس النيابي وضمناً رئيسه، يكون البطريرك الماروني بشارة الراعي قد نقل معركة الموقع المسيحي الأول الى مرحلة جديدة تنبىء بها العبارات التي استعملها للتعبير عن امتعاضه مما يحدث.

الواقع أن الخارج المسيحي والغربي ليس راضياً عما آلت إليه الامور من شغور رئاسي في البلد العربي الوحيد حيث الرئاسة لمسيحي، البلد الذي ما زال مُعتبرا موئلاً للمسيحيين في الشرق الأوسط، بغض النظر عما حصل من متغيرات فيه لغير صالح الغرب.

وبهذا الكلام من رأس الكنيسة المارونية في لبنان فهو يضع انتخاب رئيس جديد بمصاف الحفاظ على الدور المسيحي عامة، الماروني خاصة، الذي يعلو عن دور الطائفتين الكبريين الأخريين السنية والشيعية كما أُريد له لحظة انشائه.

بانتقاله الى مرحلة التصعيد ضد من يتلاعب بعملية انتخاب الرئيس، والجميع يعلم من يقصد، فهو يدعو ضمناً الى انتخاب هذا الرئيس مهما كان عبر جلسات متتالية بالنصاب النيابي المتعارف عليه أي ثلثي أعضاء المجلس النيابي، ولكن ثمة من يشير الى أن استمرار الامور على ما هي عليه قد يؤدي الى مطالبة بغالبية نصابية بالنصف زائداً واحداً لا تستقر فقط كما هو الحال اليوم على عملية الانتخاب في الدورة الثانية بل تتعداها الى احتساب نصاب عملية الانتخاب نفسها في هذه الدورة الثانية، وهو ما لم يتفوه به البطريريك علناً حتى اللحظة.

والحال أن الراعي كان دشن انطلاقا من بكركي ومحاطاً بتأييد مسيحي وازن، معركته لـ"تدويل القضية اللبنانية" مع نقل القضية "السيادية" الى "مختبر الإرادة الدولية" كما يحب صقور السيادة ومؤيدو بكركي التحدث.

وهو، وإن كان لم يحصل على النتيجة المأمولة، فإنه مستمر في مسعاه ولن يرضى برئيس مسيحي على شاكلة رؤساء مرحلة ما بعد الطائف، باستثناء الرئيس ميشال عون صاحب الحيثية الشعبية الكبيرة حين وصوله الى رئاسة الجمهورية العام 2016.

يوافق الراعي على رؤية رئيس "التيار الوطني الحر" جبران باسيل بعدم العودة الى "الترويكا" مع رئاستي مجلس النواب والحكومة، التي شكلت رئاسة الياس الهراوي بين 1989 و1998 عنوانها والى حد ما رئاسة إميل لحود بين 1998 و2007، بينما لم يملك الرئيس ميشال سليمان حيثية مسيحية تذكر ليشكل ركنا في ذاك الحكم الثلاثي. وعلى رغم ذلك لم تؤيد البطريريكة يوماً إسقاط الرئيس غير الحاصل على الحيثية الشعبية بغض النظر عن قدرتها على ذلك من عدمه.

لكن الراعي لا يذهب الى ما يريده باسيل من شراء للوقت والدعوة الى رزمة اتفاق اصلاحية، إلا انه لن يرضى برئيس مسيحي غير صاحب حيثية ولا يوافق عليه جزء وازن من المسيحيين عبر كتلهم البرلمانية.

وسط هذا الفرغ القاتل والعجز عن الحوار تبدو بكركي الطرف الأمثل لقيادة الحوار ولرعاية الاتفاق على الرئيس المقبل نظرا لأن تزكيتها لأي اسم من شأنه تأمين دفق تأييد كبير له خارجياً خاصة وداخلياً، لكن أيضا بسبب كونها الوحيدة التي تحظى بتقاطعات مسيحية وإسلامية لرعاية هذا الحل ونظراً أيضا لأنها، بتلك الرعاية، ستضمن وصول رئيس مسيحي مرضى عنه من المسيحيين الذين باتوا قاب قوسين أو أدنى من عودتهم إلى مرحلة الإحباط التي شابت بيئتهم مع هزيمة العماد ميشال عون في 1989 وسجن زعيم "القوات اللبنانية" سمير جعجع العام 1994 واستمرار قيادات وازنة لهم في الخارج مثل الرئيس أمين الجميل وعميد "الكتلة الوطنية" ريمون إده.. ناهيك عن شبه تدمير لمنظوماتهم الحزبية والشعبية، في مرحلة ما بعد الطائف حتى العام 2005.

يهدف الراعي دوما الى أداء دوره كونه "ضمير" المسيحيين ولبنان الذي كان للبطريركية الفضل الأبرز في نشوئه، وتذكير اللبنانيين بالنصوص المرجعية التي أجمعوا عليها وهي وثيقة الوفاق الوطني والدستور وقرارات الشرعية الدولية، وهو يريد استدعاء انتباه العالم من اجل مساعدة لبنان وإعادة المكانة الى النصوص المرجعية للبنانيين، حسب أحد المتابعين للشأن المسيحي في لبنان.

بهجومه المضاد هذا يلج البطريرك طريقه نحو تأكيد مرجعية بكركي للصالح المسيحي وتكوين منصة وعنوان يُفتح من خلالهما باب الحوار مع الاطراف المختلفة حول القضايا اللبنانية، مثل "حزب الله"، الذي بات الحوار معه حول الرئاسة له نصوصه المرجعية وأولها تمثيل المسيحيين.

واليوم يترقب حلفاء بكركي مسار الأمور في المنطقة والعالم وصدى صرخة الراعي وكيفية تلقف الخارج لها، مع علم جميع المعنيين بانسداد أفق الحل في الفترة الحالية وعقم التواصل بين اللاعبين الكبار حول الشأن اللبناني.. في هذه اللحظة.