بيروت - لبنان

اخر الأخبار

18 آذار 2020 12:03ص مَن يحمي اللبنانيين من «كورونا» المصارف؟

حجم الخط
بالرغم من الأولويات الداهمة، والأكثر ضرورة وخطورة التي فرضها الضيف الثقيل فيروس «كورونا»، ناقش مجلس الوزراء، أمس، من دون أن يحسم، مشروع قانون معجّل حول تنظيم ووضع ضوابط استثنائية موقتة على العمليات والخدمات المصرفية، أو ما يعرف بـ«capital control»، ما يعيد طرح الكثير من الأسئلة – الهواجس، حول اللعب بأمر يمكن له أن يؤدي إلى تفجير خطير لا يعلم أحد مداه.

ذلك أن القانون سيمنح صلاحيات استثنائية لحاكم مصرف لبنان وللمصارف، وهما مسؤولان مباشران عما وصلت إليه أوضاع البلد مالياً ونقدياً، والأهم، أن القانون سيشرّع الوضع المأساوي والمزري الذي وصل إليه المودعون نتيجة سياسات الفساد والهدر والتلاعب والتعسف الذي تمارسه المصارف بحق المودعين، لأنه سيشرّع جرائم مصادرة الودائع بالدولار ويمنع أصحابها من الوصول إليها.

وكما بات معلوماً، فإنه بموجب مشروع القانون المشار إليه، يُمنح مصرف لبنان صلاحيات استثنائية لتنظيم علاقة المصارف بعملائها، منعاً لأي استنسابية، لكنه سيُبقي الودائع الدولارية الصغيرة رهينة لدى المصارف، كما سيمكّن المصارف من استمرارها بالتسلّط على رواتب موظفي القطاع الخاص الموطنة بالدولار، وسيُبقيهم رهينة مزاج المصارف وقيودها الجائرة التي ستصبح شرعية وقانونية بحكم هذا القانون، بموافقة وتواطؤ الأطراف كلها، وعلى رأسها وزارة المال.

«كورونا» المنقذ

وكما في قانون الكابيتول كونترول، كذلك في إجراءات المصارف، خلاصةُ ما يجري هو عدم تمكين المودعين من الوصول لأموالهم أو التصرف بها تحت أي ذريعة، ثم يأتي من يحدثك عن استعادة الثقة!؟ أو يسأل لماذا الثورة أكثر من ضرورة؟

يوم الأحد الماضي، أصدرت جمعية المصارف بياناً أعلنت من خلاله أن البنوك ستقفل حتى تاريخ 29 آذار الجاري «تجاوباً مع اعلان حالة الطوارئ التي اتخذها مجلس الوزراء». الفضيحة أن بيان الجمعية صدر قبل انتهاء مجلس الوزراء، هذا أولاً، وثانيًا، أن مقررات الجلسة التي لم تعلن أصلاً حالة الطوارئ، نصّت صراحة على عدم إقفال المصارف كونها مؤسسات حيوية لاستمرار انتظام حياة الناس بحدها المقبول، وثالثاً إن من بديهيات مكوث الناس في بيوتهم أياماً وربما أسابيع يستدعي حاجتهم للمال، لكن مصارف لبنان التي استساغت استحقار الناس، واستمرأت فكرة احتجاز أموال المودعين، تريد بالتالي أي سبب وأي حجة لتبرير الإقفال والتهرّب من مراجعات المودعين.. ولو استطاعت الإقفال سنة كاملة لما ترددت أبداً.

ما جرى بعد ذلك لا يقل خطورة، فالقطاع المصرفي لم يلتزم بقرار مجلس الوزراء، وأكد المضي بقرار الإقفال، مع أن وزير المال غازي وزني رفض «عصيان» المصارف، وطالب القضاء بالتحرك (وليس مصرف لبنان!)، قبل أن يصار أمس إلى ايجاد «تسوية» تقضي بأن تفتح المصارف «بعض فروعها» لتأمين الخدمات المصرفية الأساسية!

ثم إن بيان جمعية المصارف ذهب بعيداً في تجاوز قرار الحكومة، فاستغل حال التعبئة العامة ليمنع عن الناس «فتات» العملة الصعبة التي كان يستجديها المواطنون أسبوعياً لتسيير شؤونهم بالحد الأدنى، وحدد السحوبات النقدية عبر أجهزة الصراف الآلي وبالليرة اللبنانية فقط.. ما يعني تجميد مصالح الناس، وشل الحركة الاقتصادية، وتعريض الأمن الاجتماعي والحياتي للخطر! 

أكثر من ذلك، بعد انتهاء جلسة مجلس الوزراء الأحد، كرر الصحافيون سؤال وزيرة الإعلام عن جدية قرار الحكومة المتعلق بعمل المصارف، خصوصاً وأن لبنانيين كثراً عالقون في إيطاليا يناشدون ذويهم تحويل أموال لهم لتسيير شؤون حياتهم في ظل الحجر الذي يخضعون له.. لكن الوزيرة لم تجد ما تقوله سوى كلام عام غير مفهوم، لا يدين ولا يبرر ولا يعلق على مزاجية واستنسابية المصارف.

أسئلة ضرورية 

في مطلق الأحوال، ما هذا التواطؤ بين جمعية المصارف ونقابة موظفين البنوك التي تُستحضر عند كل منعطف لتبرير قرارات الإغلاق؟ الجميع يذكر أنه بُعيد انطلاق انتفاضة ١٧ تشرين، تذرعت المصارف باهتزاز الأمن فأغلقت أبوابها لأكثر من أسبوعين، وهذا ما لم يحصل حتى في أيّام الحرب وأيام الاجتياح الاسرائيلي، والأخطر أن التحويلات المالية «المشبوهة» إلى الخارج حصلت في تلك الفترة! ومَن يستخدم كل شيء لتغطية تهرّبه من إعطاء الناس حقوقهم، لن يفوت وباء «كورونا» للإفادة منه، والتنكر لحقوق المودعين. نعم يكاد لسان حال المصارف يشكر فيروس «كورونا» الذي تسبب بهذا الإقفال المديد و«شرّ البلية ما يضحك»!

أين مصرف لبنان، وأين دوره في الإشراف وإدارة النشاط المصرفي والرقابة عليه؟ أين القضاء ونقابة المحامين؟ أي بلد هذا، وأي نموذج نقدمه للعالم عن قطاع لطالما تغنى لبنان بأنه من أهم قطاعاته، وعن أي ثقة نتحدث لاستعادتها وإعادة تعويم القطاع المصرفي، خصوصاً وأن لبنان بات، منذ ليل الأحد، عضواً في نادي الدول المتعثرة بعدما انتهت فترة السماح المعطاة للحكومة عقب إعلانها تعليق سداد الديون وإطلاق مفاوضات مع الدائنين لإعادة هيكلة ديون لبنان؟ وأي جهة جهنمية هي تلك التي تغطي هذا المجموعة الممعنة بتدمير البلد، وأمنه الاقتصادي والحياتي والاجتماعي، وتستحضر، ولو من دون إداراك، حرباً أهلية؟

كل الوقائع تثبت أنه كما استمرأت الحكومة قرار التخلف عن السداد للدائنين، تبدو المصارف كمن يتعايش مع شائعة «الإفلاس»، ويتكل على تعب المودعين ومللهم من المطالبة بحقوقهم المحتجزة تعسفاً، وبشكل وقح!

شاهد من أهله

منذ فترة ليست بالقصيرة، وفي مقام فكفكة لغز اختفاء أموال المصرف المركزي والمصارف، تسري رواية تفيد بأن المصارف كانت وظّفت أموال المودعين لدى مصرف لبنان من خلال شراء السندات بفوائد عالية (وبالتالي راكمت أرباحاً هائلة من ذلك ومن الهندسات المالية)، وأن المصرف المركزي بدوره موّل هدر الحكومات المتعاقبة من خلال ضخ السيولة من دون رقابة أو تقدير المخاطر على مشاريع الهدر والفساد والانتهاب المقونن، إلى أن وصلنا إلى الإفلاس وبعده إعلان لبنان دولة متعثرة.  

لكن هذه الرواية، وهي لا تعفي من المساءلة والمحاسبة، وعلى فرض قبولها، تستدعي تفاصيل أكبر تكشفها لغة الأرقام. قبل أيام غرّد وزير الاقتصاد السابق منصور بطيش بالآتي: «تُودِع المصارف في مصرف لبنان ٨٤ مليار دولار بالعملات الأجنبية، هي أموال للمودِعين لديها، وتقترض منه 7 مليارات دولار، فيكون الصافي 77 ملياراً باقٍي منهم 22 مليار دولار سيولة و5.7 مليارات يوروبوندز. أين الفارق 49.3 مليار دولار الذي تبخّر وهو عَجز مصرف لبنان؟»، السؤال منطقي، وله ما يبرره، ويستوجب أجوبة تفصيلية وسريعة.