بيروت - لبنان

اخر الأخبار

1 آذار 2023 12:00ص مأزق الفكر السياسي اللبناني

حجم الخط
سألت أحـــد المفكرين الفرنسيين هنا عن مأزق الفكــر السياسي في لبنان في معرض حديثي معه عن الأزمة اللبنانية وتشعباتها فبادر إلى القول عادة يرتبط مفهــوم العقم بعدم القدرة على التفكير والإنجــاب، لكن في الحقيقة لا يمكن حصر هذا الأمر في الزاوية الضيّقة لتعدُّد أنـــواع العقم. وأضاف «دكتور لا يــوجد فقط عقم إنجابي بل هناك عقم فكري وهو أشدّ أنواع العقم فتكاً بالمجتمعات ومجتمعكم اللبناني للأسف يُعاني من هذا الــــداء، وهو عملياً لا يقتصر على عــــدم قدرة السياسيين عندكم على تـوليد الأفكار البنّاءة من أجــل مجتمع متراصٍ وعصري، لكـــون العقم المقصود مقترن بنوعية هؤلاء الساسة أو ما يُعرف بقادة الرأي ومنهم من يكونوا علمانيين ورجال دين لأنّ طبيعتهم السياسية إمّا تكون تابعة وإمّا تكون عميلة لأنظمة خارجية...».
عملياً في لبنان هناك مأزق في الفكر السياسي ممّا يعني أن عقول السياسيين عندنا عقيمة لا تعطي أية مساحة للتنمية المستدامة سواء أكانت سياسية أو إنمائية أو إقتصادية أو تربوية، وأداء هؤلاء الساسة يُقلّـل من وتيرة حدوث نهضة فكرية سياسية لا بل على ما هو ظـــاهـــر للعيان هناك طبقة سياسية تجعل من إمكانية حصول أي تغيير من المستحيلات لعدة أسباب منها الإرتهان والتبعية والرياء والتضليل. كـــل ذلك يُلزمني القــول أنّ هناك عقماً فكرياً منتشراً في كل إدارات الدولة اللبنانية.
سؤال طرحته على ضيفي العزيز وهو دبلوماسي مخضرم متقاعــد خـــدم في لبنان وفي العديد من دول الشرق الأوسط وبات على ما أظـــن خبيراً بمشاكل المنطقة، ما الفائدة من فكر «أجرودي» تظنه أو يظنه البعض أنه صاحب فكر نيِّر ولكن محصلته فارغة على أرض الواقــع؟ جواب الضيف كان «يمكن القول أنّ الفكر السياسي عندكم ما هــو إلاّ نسيج من الأفكار التي تعبِّر عن حقيقة الواقع الأليم الذي تعيشونه بشكل مكثّف، وهذا يعني أنّ عندكم عقول يحكمها العقم الفكري ولا قدرة لها على ممارسة عملية التفكير السياسي السليم، وهي لا تمتلك القدرة ولا جــدوى منها ولا تنتظروا منها أي نتيجة أو تنظروا قيامها بعملية التفكير السياسي السليم...».
غايتي من هذه المقالة النظـــر إلى الفكر السياسي اللبناني من منظور مقارن لفهم عقمه وإفتقاره للأفكار البنّاءة، وهناك آراء تصدح بها المجالات الإعلامية والأكاديمية وفحـــواها أنه يوجـــد في هذه المرحلــة «عقم فكري مستشرٍ»، وهناك تصحّر فكري وخسارة أمام الإستراتيجيات التي يضعها بعض قادة الرأي أمام من انتدبوهم لممارسة العمل السياسي معهم، وإنه لمن السذاجة بمكان الإستهانة بما يفعله أصحاب العقول المأزومة. للعقم الفكري السياسي اللبناني عدة أسباب وأذكر منها على سبيل المثال لا الحصر حيث سلوك السّاسة يسعى دوماً إلى «عقم الفكر السياسي» وحالة العقم هذه هي من أبشع الأمور التي مرّت على لبنان، إضافة إلى أنّ هناك قوى تدّعي المعارضة ولكنها تُسدي أكبر خدمة للنظام المنعوت بالعقم وهي معارضة بدون برنامج وسقف زمني جُــل ما فيها قرقعات وخطب وعظات لا تُقدِّم ولا تؤخِّـــر.
نحن في حالة مأزق فكر سياسي لبناني لا مثيل له في تاريخ لبنان، أصوات عالية فقط هنا وهناك هدفها إقصاء الآخر وفرض الرأي عليه ذلك هو الحـــوار السياسي في لبنان حالياً وهو حوار عقيم الذي لا يُثمِّن بل يُضِّــر ويولِّد نهاية مزعجة غير واقعية لأنّ كل طرف يتمسّك بفكرة المتسِم بالعقم السياسي. صح قول أحدهم وهو صديق لبناني تواصلتُ معه باحثاً عن مخرج للأزمة اللبنانية فختم حديثه على الشكل التالي «في لبنان ساسة لا ينفع فيهم الجدل والمناقشة فمن الحمق أن نُضيِّع وقتنا وجهدنا في جدلهم ومناقشتهم».
إنّ المطلوب اليوم الخروج من هذا النفق الموصوف بالعقم السياسي ولنتحكم إلى المنطق والوقائع ولمناقشة هذا الأمر من باب التطوير النظري والعلمي للخروج من مأزق الفكر السياسي اللبناني الذي نعاني منه منذ سنوات، لقد آن الأوان وإلّا...