بيروت - لبنان

اخر الأخبار

8 كانون الثاني 2021 10:51ص ما بعد «غزوة الكابيتول» ومنديل ترامب الأبيض.. النصر للديمقراطية لا للديمقراطيين

حجم الخط
من يعتقد أن مشهدية الكونغرس التاريخية أصابت ديمقراطية الولايات المتحدة الأميركية في مقتل، يكون قد بنى ذلك الاستنتاج على رغبات شخصية، إذ أن هناك شعوب تتعطّش للحظة ديمقراطية صادقة لا تهزّها تهديدات النافذين الملغومة ولا قذائفهم، ولا يروي عطشهم سوى انهيار دولة ذاقت حلاوة تلك اللحظات.

نعم استطاع الرئيس دونالد ترامب تعكير صفو لحظة الحقيقة، أجّل الخبر الحتمي بضع سويعات، لكنه استفاق على صوت نائبه مايك بنس وهو يعلن فوز الديمقراطي جو بايدن بالرئاسة، وكأن لسان حاله يقول في هذه اللحظة: حين أصابني السهم في قلبي لم أمت، لكني مت حين رأيت من رماه..

تعويل ترامب على بنس كان طلقته الأخيرة، كيف لا وهو الرجل الذي تعوّد أن يُصلح غيره ما أفسده هو، هذه السمة ليست وليدة السنوات الـ 4 الأخيرة، فدونالد دخل عالم رجال الأعمال بالشخصية عينها، ونال ما يريد مرارًا لأنه لم يطلب أكثر، فهو القائل بعد نيله لقرض مصرفي في شبابه، حصلت على 40 مليون لأني لم أطلب 50. ولكن على الرغم من حصوله على ما أراد إلا أن والده كان غالبًا مصدر القوة، وكان سندًا لدونالد كلما اقترب من اعلان افلاسه.

تعلّق ترامب بالرئاسة يذكرني أيضًا بما قاله في مقابلة تلفزيونية بالثمانينات، عندما كشف أن هوسه بشراء العقارات نابع من رغبته بأن لا يملك تلك العقارات أحد آخر، وهو فقط يتخلى عن ما لم يعد يلبي رغباته، كما تخلى عن زوجته الاولى لأنه لا يستطيع النوم مع «امرأة أنجبت 4 أبناء» كما عبّر، ناسيًا أنه والد الـ 4. وهو لا يعتبر تلك المزايا مهينة له.

مع قراءة بسيطة لشخصيته المثيرة للجدل، نستخلص أنه أفرغ كل تلك الصفات بما حصل في الكنجرس في 6/1/2021، إذ سجّل لحظة تاريخية جديدة بحياة «الكابيتول»، الذي أحرقه الجنود البريطانيون يوم 24 آب 1814 انتقاماً لمدينة يورك، بكندا حالياً، التي أحرقها الأميركيون عام 1813. والذي فُجّر في آذار 1971، على يد منظمة يسارية متطرفة احتجاجًا على التدخل العسكري الأميركي بلاوس، وفي عام 1983 على يد منظمة أطلقت على نفسها اسم «فرقة المقاومة المسلحة» احتجاجاً على التدخل العسكري الأميركي بكل من غرينادا ولبنان.

ما يميّز اللحظة الحديثة عن الاحراق والتفجيرات السابقة، أنها أتت على يد أنصار رئيس البلاد، الذي وضع ديمقراطية البلاد أمام اختبار دموي، استطاعت تخطيه، وبعد استيعاب ترامب للحظة الحقيقة، لوّح بمنديله الأبيض واعدًا بانتقال سلس للسلطة، مع تحفّظ شديد على مصداقية هذا الوعد.

في هذا المشهد يرى بايدن أنه انتصر وحزبه، وهذا على الورق صحيح، إلا أن ما انتصر هو عدم رضوخ المسؤولين بالدولة الى ضغوط ترامب، وعدم أخذ الجيش بتعليماته، والقضاة بإرشاداته.

وكما يقول رجل الأعمال الشهير والملياردير الأمريكي وارن بافت، «يستلزم الأمر 20 سنة لبناء سمعة طيبة وخمس دقائق لتدمير هذه السمعة». فالعالم ترقّب للحظة تحّول أميركا الى بلد شبيه ببلاد العالم الثالث، حيث يكون الجيش لخدمة الرئيس لا البلاد، والقضاء رهن عدالة الحاكم لا القاضي، إلا أنه أدرك أنه حتى اللحظة ما زالت تلك الأوهامُ أوهام.

على أمل أن يستفيق العالم الثالث على انتصار للديمقراطية الفعلية بوجه حكم سلاطينه الجائرة، وليس على خطاب من أمثال هؤلاء يسخرون فيه من هشاشة الديمقراطية في أميركا، وكأنهم أرباب الامتثال لقرار شعبهم.