بيروت - لبنان

اخر الأخبار

7 كانون الثاني 2023 10:11ص ما بعد قدومِ المُحقِّقين الأوروبيين إلى لبنان ليسَ كما قبلَه.

حجم الخط
تنوَّعت التَّسمياتُ التي أُطلِقَت على القُضاةِ الأوروبيين الذين قَدِموا إلى لبنانَ في الآونةِ الأخيرة،  ما بين "محققين أوروبيين، "وفدٌ من القُضاةِ الأوروبيين"، و "لجنةُ تحقيقٍ أوروبِيَّة"؛ التَّسميَمةُ بحدِّ ذاتِها ليست بمُهمَّة، المهمُّ هو الغرضُ الذي جاء من أجله قُضاةٌ رَفيعو المُستوى أتو من دولٍ أوروبيَّةٍ ثلاث، والمُتمثِّلُ في تلبيةِ طلباتِ مُساعَدَةِ قَضائيَّةِ سبقَ ووجَّهوها باسم دولِهم وسُلطاتِهم القَضائيَّةِ وفق الأصول إلى السُّلُطاتِ اللبنانيَّة، والتي يبدو أنها في طورِ الاستِجابةِ لها تنفيذاً لأحكامِ اتِّفاقيَّةِ الأُممِ المُتَّحِدةِ لمُكافحَةِ الفسادِ الصًّادِرَةِ بموجَبِ قرارِ الهيئة العامَّةِ رقم4/58  تاريخ 31/ 10/2003، والتي صادقَ عليها لبنان بموجَبِ القانون رَقم 33 تاريخ 16/10/2008 والمُلزِمَةِ للدُّولِ المُوقِّعَةِ عليها ومنها لبنان في مَجالِ تَلبيَةِ طَلباتِ المُساعَدَةِ القضائيَّةِ في إطارِ مُكافحَةِ الفَساد بغَرَضِ الاستماعِ إلى إفاداتِ عددٍ من المسؤولين الماليين في لبنان.
وخيرُ توصيفٍ لظاهِرَةِ الفسادِ ومخاطِرها يستخلصُ من نصِّ الفقرةِ الأولى من تصدير أمين عام الأمم المتحدةِ للاتِّفاقيَّةِ نفسها " إن الفساد وباءٌ غادِرٌ يَترتَّبُ عليه نِطاقٌ اسِعٌ من الآثارِ الضَّارَّةِ في المُجتَمعات. فهو يُقوِّضُ الديمقراطِيَّةَ وسِيادَةَ القانون، ويؤدي إلى ارتِكابِ انتِهاكاتِ حُقوقِ الانسانِ وتَشويهِ الأَسواقِ وتَدهوُرِ نوعِيَّةِ الحياةِ ويُتيحُ ازدِهارَ الجَريمَةِ المُنظَّمَةِ والإرهابِ وغيرِ ذلك من التَّهديداتِ لازدِهارِ الأمن البَشري". ويبدو أن المَسؤولين في لبنان بمن فيهم المعنيون بملاحقةِ الضَّالعين في تلك السُّلوكِيَّاتِ الإجراميَّةِ المُشينةِ قد فاتهم الإطلاع على هذه الفقرةِ التي تصدَّرت الاتِّفاقيَّة، أو لم يفقهوا مَدلولاتِها وأهميَّتِها.
وأعتقدُ جازماً أن مُعظَمَ المسؤولين اللبنانيين الذين وقَّعوا على الاتِّفاقيَّةِ أو صادَقوا عليها بحكمِ مواقِعِهم قد فعلوا ذلك من دونِ الإطِّلاعِ على مضامين نًصوصِها وما تتضمَّنتهُ من التزاماتٍ على الدُّولِ المُصدِّقةِ عليها، وربَّما سيأتي يوماً يلعنوا فيه ساعةَ انضِمامِ لبنان إليها، أو يتبرَّؤوا من أصابِعِهِم التي تَوَّلَّت التَّوقيع. خاصَّةً وأنه من بينِ أغراضِ هذه الاتِّفاقِيَّةِ كما ينصُّ البند "ب" من مادَّتها الأولى " ترويجُ وتيسيرُ ودعمُ التَّعاونِ الدَّولي والمُساعَدَةُ التِّقنِيَّةِ في مَجالِ منعِ ومُكافَحَةِ الفساد، بما في ذلك في مَجالِ استِردادِ المَوجودات". وأن نطاقَ تطبيقِها يشملُ جملةَ أمورٍ أهمُّها " منعُ الفساد والتَّحري عنه ومُلاحَقَةِ مُرتكِبيه، وعلى تَجميدِ وحَجز وإرجاعِ العائداتِ المُتأتِّيَةِ من الأفعالِ المُجرَّمَة"وفقَ ما هو واردٌ في البند الأول من مادَّتِها الثالثة.
جاءت أحكامُ هذه الاتِّفاقيَّةِ شبه مُتكاملًةٍ بحيث تَوَّلَّت أحكامُها العامَّةُ تَحديدَ الغرضِ من الاتِّفاقيَّةِ ونِطاقِ إعمالِها، والتَّأكيدِ على سِيادَةِ الدُّول؛ أما باقي فُصولِها فتناولت التَّدابيرَ الوِقائيَّةِ والتي تَمَحورَت حَولَ التِزامِ الدُّولِ المُوقِّعَةِ بتَوفيرِ الأرضيَّةِ المناسِبةِ لمُكافَحَةِ الفساد، والتَّجريم ونَفاذِ القانون وتَمحوَرَ حَولَ تحديدِ السُّلوكِيَّاتِ المُجرَّمَةِ التي تَندَرِجُ ضِمن إطارِ الفَسادِ كالرَّشوةِ في القِطاعين العام والخاص، اختلاسِ المُمتلكاتِ أو تَسريبها، المُتاجَرَةِ بالنُّفوذ، إساءَةِ استِغلالِ الوَظيفَة، الإثراءِ غيرِ المَشروع، غَسلِ العائداتِ الإجرامِيَّة، إخفاءِ المُمتلكات أو مواصَلةِ الاحتِفاظ بها، إعاقةِ سَيرِ العدالة، ولم تُفوِّت الأخذَ بمَسؤولِيَّةِ الهيئاتِ المَعنَوِيَّة، كما عاقَبت على الشُّروعِ والمُشارَكَة، وأوجَبت على الدُّولِ مُراعاةَ جَسامَةِ الجرائمِ عند تَحديدِ العُقوبات، كما لم تُغفِل النَّصَّ على تَجميدِ وحَجزِ ومُصادَرَةِ العائداتِ الإجرامِيَّة وكُل ما استُخدِمَ أو كان مُعدَّاً للاستِخدام في ارتكابِ الأفعالِ المُجرَّمَة، وحثَّت على التَّعاون بين أجهِزَةِ الدَّولَةِ الواحِدَةِ في مُكافَحَةِ الفسادِ ومُلاحَقَةِ الفاسدين؛ التَّعاونُ الدَّولي حيث حثَّت الاتِّفاقِيَّةُ الدُّوَلَ على مُساعَدَةِ بعضِها البعضِ في مَجالِ التَّحقيقاتِ كما في المَسائلِ المَدنيَّةِ والإداريَّةِ ذاتِ الصِّلةِ ويَتمحوَرُ حَول التَّعاونِ الدَّولي وبوجهٍ خاصٍّ حَولَ المُساعَدَةِ القانونِيَّةِ المُتبادَلَةِ ونقلِ الإجراءاتِ الجِنائيَّة، التَّعاونِ في مَجالِ إنفاذِ القانون، التَّحقيقاتِ المُشترَكَة، وتَسليمِ المُجرِمين ونَقلِ الأشخاصِ المَحكومِ عليهم، أساليبِ التَّحري الخاصَّة؛ استردادُ المَوجوداتِ ويَتمحوَرُ حولَ منعِ وكَشفِ العائداتِ المُتأتِّيَةِ عن الجَريمَة، تدابيرِ الاستردادِ المُباشِرِ للمُتلكات وآليَّاتِ ذلك، التَّعاونِ في مَجال المُصادَرَة، إرجاعِ الموجوداتِ والتَّصرُّفِ فيها؛ المُساعَدَةُ التِّقنيَّةُ وتبادُلُ المَعلومات، وتَتمحوَرُ حولَ التَّدريبِ وتبادُلِ الخُبُرات، جَمعِ وتحليلِ المَعلوماتِ المُتعلِّقَةِ بالفسادِ وتبادُلِها؛ ولم تُغفِل آليَّاتِ التَّنفيذِ والتي تَمحوَرت حولَ استِحداثِ مُؤتمرٍ دولِيٍّ للدُّولِ الأطرافِ يُعنى  بتَعزيزِ تنفيذِ أحكامِ الاتِّفاقِيَّةِ
وأنشاءِ أمانَةِ سِرٍّ لهذه الغايَة، هذا بالإضافَةِ إلى أحكامٍ خِتامِيَّة أكَّدت على ضَرورَةِ اتِّخاذِ كُلِّ دولَةٍ وِفقاً لقوانينِها الدَّاخِلِيَّةِ ما يلزمُ من تَدابيرَ بما في ذلك التَّشريعِيَّةُ والإدارِيَّةُ لِضمانِ تنفيذِ التزاماتِها بمُقتضى الاتِّفاقِيَّة.
تُقدَّمُ طَلباتُ المُساعَدَةِ القَضائيَّةِ وِفقاً لأحكامِ الاتِّفاقيَّةِ المُنوَّهِ عنها كتابَةً أو، حيثما أمكن، بأيَّةِ وسيلَةٍ كفيلَةٍ بأن تُنتِجَ سِجلا مَكتوبا، بلُغَةٍ مَقبولَةٍ لدى الدَّولَةِ الطَّرَفِ مُتلقِّيَةِ الطَّلب، وفي ظُروفٍ تُتيحُ لها أن تَتَحقَّقَ من صِحَّتِه، أما في الحالاتِ العاجِلَة، وحيثُما تَتَّفقُ الدَّولتانِ الطَّرفانِ على ذلك، فيَجوزُ أن تُقدَّمَ الطَّلباتُ شَفوِيَّا، على أن تُؤكَّدَ كِتابةً على الفَور. ويَتوجَّبُ أن يَتضمَّنَ طَلبُ المُساعَدةِ القانونِيَّةِ وِفقاً لما حَدَّدهُ البَند 15 من المادة 46 من الاتفاقيَّة الأمورَ التالِيَة: هَوِيَّةَ السُّلطَةِ مُقدِّمَة الطَّلب، موضوعِ وطَبيعَةِ التَّحقيقِ أو المُلاحَقَةِ أو الإجراءِ القَضائي الذي يَتعلَّقُ به الطَّلب، واسمَ ووظائفَ السُّلطَةِ التي تتولى التَّحقيقَ أو المُلاحقَةَ أو الإجراءَ القَضائي، مُلخَّصاً للوقائعِ ذاتِ الصِّلَةِ بالموضوع، باستِثناءِ ما يتعلَّقُ بالطَّلباتِ المُقدَّمَةِ لغَرضِ تبليغِ مُستنداتٍ قَضائيَّة، وَصفاً للمُساعَدَةِ المُلتَمَسَةِ وتفاصيلِ أيِّةِ إجراءاتٍ مُعيَّنةٍ تَودُّ الدَّولةُ الطَّرفُ الطالِبَةُ اتباعَها، هويَّةَ أي شَخصٍ مَعنيٍّ ومكانَهُ وجِنسِيَّتَه، حيثما أمكن ذلك؛ وأخيراً الغرضَ الذي تُلتَمِسُ من أجلِهِ الأدلَّةَ أو المَعلوماتِ أو التَّدابيرِ ويبدو مما يَرشَحُ من مَعلوماتٍ أن هذه الأمورِ تَمَّت وَفقَ الأُصول. وعلى ضَوءِ ذلك تَعمَلُ كُلُّ دولةٍ طَرفٍ على تَسمِيَةِ سُلطَةٍ مَركزِيَّةٍ تُسنَدُ إليها مسؤولِيَّةُ وصلاحِيَّةُ تلقي طَّلباتِ المُساعدَةِ المُتبادَلَةِ وتنفيذِ تلك الطَّلباتِ أو إحالتِها إلى السُّلُطاتِ المَعنيَّةِ لتنفيذِها، ويبدو أن السُّلطةَ اللبنانيَّةَ قد حَصَرَت ذلك بالنِّيابَةِ العامَّةِ التَّمييزيَّة، وخيراً فعلت باعتبارِها أعلى سُلطَةِ اتِّهامٍ مُناطٌةٌ بها المُلاحَقةُ الجزائيَّة.  
أما الحالاتُ التي يجوزُ فيها طلبُ المُساعدَةِ القانونيَّةِ فمُحدَّدةٌ حَصراً في البند الثالث من المادَّة 46 المُشارُ إليها سابقاً، ورَغم ذلك نرى أنَّها واسِعَةٌ وتَتمثَّلُ في الأمور التالية: الحُصولُ على أدِلَّةٍ أو أقوالُ أشخاص؛ تبليغُ مُستنداتٍ قَضائيَّة؛ تنفيذُ عملياتِ تَفتيشٍ وحَجزٍ وتجميد، فَحصُ الأشياءِ والمواقِع، تقديمُ معلوماتٍ وموادَّ وأدلَّةٍ وتَقييماتٍ لخُبراء، تقديمُ أُصولِ مُستنداتٍ وسِجلَّاتٍ ذاتِ صِلةٍ بما فيها سِجِلاتٌ حُكومِيَّة أو مَصرِفِيَّة أو مالِيَّة أو سِجلات لِشَركاتٍ أو مُنشآت تِجارِيَّة، أو نِسَخ مُصدَّقَة عنها، تحديدُ العائداتِ الإجرامِيَّةِ أو مُمتلكاتٍ أو أدواتٍ أو أشياءَ أُخرى أو اقتِفاءُ أثَرِها لأغراضٍ اثباتِيَّة؛ تَيسيرُ مُثولِ الأشخاصِ طَواعِيَةً في الدَّولةِ الطالِبَة؛ أيُّ نوعٍ آخرَ من المُساعَدَةِ لا يَتعارَضُ مع القانون الدَّاخِلي للدَّولَةِ مُتلَقِيَةِ الطَّلب؛ استبانَةُ عائداتِ الجَريمَةِ وتَجميدِها واقتِفاءِ أثَرِها، استردادُ موجودات. إلاَّ أن هذه الحَصرِيَّةِ لا تَحولُ دون قِيامِ السُّلُطاتِ في دَولةٍ طَرفٍ لم يوجَّهَ إليها طلبٌ مُسبقٌ أن تُزوِّدَ دولةً مَعنيَّةً بما يَتوفَّر لديها من معلوماتٍ ترى أنها قد تُساعِدُ الدَّولَةَ المَعنيَّةَ بالقِيامِ بالتَّحرِّياتِ والإجراءاتِ الجِنائيَّةِ أو إتمامِها بنَجاح.