بيروت - لبنان

اخر الأخبار

6 كانون الثاني 2021 12:00ص ماذا يعني شعار: «الإخاء الديني – حماية التنوع الديني في المشرق؟؟»*

حجم الخط
عنوان اللقاء إنساني بإمتياز، نشكر أصحاب الدعوة إليه ونشكرهم على جهودهم لتنمية الإخاء والحرص على التنوع الديني، ونعلن هنا ايماننا بأن يكون الإخاء والحماية في الشرق والغرب وليس في الشرق لوحده، حيث ان حصره في الشرق فقط يعني بأن الشرق مذنباً بعدم الإخاء وعدم الحماية الدينية، وكأن الغرب بريء من ذلك.

وللبحث في عنوان اللقاء لا بد ان نعود الى دور المبشر الاميركي البروتستانتي «هوبكنز» الذي حاول في الخمسينات من القرن الماضي ان يؤلف فريقاً من المفكرين الاسلاميين وآخراً من المسيحيين في اطار «الصداقة الاسلامية المسيحية» ووجه الدعوة الى الفريقين لأول مؤتمر اسلامي مسيحي بلبنان وكان هذا بتوجيه من المخابرات المركزية الاميركية كما جاء في الكتب والمعلومات والتقارير والدراسات فتم عقد المؤتمر ببلدة «بحمدون» بحينه.

وقد اطلق هذا الشعار في سبيل المحافظة على المصالح الاميركية في الحرب الباردة بين اميركا والسوفيات آنذاك اكثر منه طريقاً عقائدياً لإستنكار الالحاد والدعوة لإشاعة القيم الانسانية العليا.

ويمكن القول ان تحويل الامم في المشرق من تعزيز الدولة الوطنية والقومية الى إقامة دويلات على التنوع الديني غايته الوصول الى ما ترمي اليه الصهيونية العالمية لبناء دولة يهودية صافية على ارض فلسطين المحتلة، فتغتصب القدس لتجعلها عاصمة موحدة خاصة لليهود دون غيرهم، اي بإختصار تشجيع قيام دويلات عرقية ودينية وسوى ذلك في المشرق بحيث تكون للدولة اليهودية التفوق العسكري والاقتصادي والعلمي والمالي على هذه الدويلات، وكل ذلك بفعل من الصهيونية ومن حلفائها.

وهنا يطرح سؤال كبير لماذا لا يكون لهذا المشرق دوله الوطنية والقومية كباقي دول اوروبا وغيرها؟؟، فهل هذا الامر ممنوع عليه ويقتضي ان يوجه الوجهة الأخرى اي الى الدويلات!!!

ان تلك الدول موجود فيها اقليات دينية متنوعة ومنصهرة وذائبة في كيانات تلك الدول، ونحن في هذا المشرق نستطيع ان نكون مثلها بل وأحسن، فأتركونا لبناء دولنا وليس لبناء دويلات على اساس عرقي وديني ومذهبي.

من اجل ذلك فإن الإخاء الديني والتنوع المنصهر بالدولة الوطنية والقومية يستدعي منا جميعاً ان نبني وننمي أدب المفاوضة وأدب الخصومة بكل خلاف او نزاع، ويستدعي منا ايضاً ان نمتلك ثقافة مقاومة الجهل والغضب، لأنهما يؤججان الخصومة حيث بهما يكبر التعصب، وعلينا ان نتعلم ثقافة الاعتذار مترافقة مع ثقافة السلام لنمنع ألغام الفتن والتقاتل.

بالاضافة الى ذلك فإن في بسط الإخاء الانساني المؤسس على المساواة في المواطنة والكرامة والحقوق والواجبات والتمسك بمكارم الاخلاق، نستطيع ان نبني الهوية الجامعة والحاضنة غير المتناقضة مع الهويات الدينية المتواجدة في المجتمعات المشرقية.

«من هنا تتجلى اهمية التربية على المواطنة في كونها ترسخ الهوية الحضارية بمختلف روافدها في وجدان المواطن، كما ترسخ حب المواطن والتمسك بمقدساته، وتعزيز الرغبة في خدمته وفي تقوية قيم التسامح والتطوع والتعاون والتكافل الاجتماعي التي تشكل الدعامة الاساسية للنهوض بالمشروع التنموي للمجتمع المحلي اولاً ومحيطه العالمي ثانياً».

ما تقدم يتطلب منا تعليم وتربية اولادنا والجيل الصاعد على هذه المفاهيم لتترسخ في عقولهم وحركتهم اليومية وينقلونها الى ابنائهم والاجيال القادمة، ففي زرع المواطنة نبني الوطن على المشاركة السياسية والمساواة والعدالة بين المواطنين، وتعزيز الولاء والانتماء، وتوزيع المسؤوليات في مناخ من الحرية، كما والقيام بالواجبات ايضاً كدفع الضرائب والالتزام بالقوانين مضموناً وتنفيذاً والدفاع عن الدولة.

ففي الالتزام بذلك نعزز السلم الاهلي ونحافظ على حقوق الاقلية والاكثرية، ونجهض الصيغات الدينية والمذهبية والقبلية والعرقية والجنسية.... حيث بدون ذلك تسود اجواء التخوين والتكفير والقمع والتسلط وينتج عنها التناحر والتقاتل والاعمال غير الانسانية، وهكذا نخدم بصورة مباشرة دول الاستبداد بكل اشكالها الطامعة بثرواتنا وارضنا عن وعي وسبق تصور وتصميم.

في الختام، علينا التوجه لرجال الدين في دولنا لحمل هذه المعاني والمفاهيم التي هي من منابع الرسالات السماوية عند توجيههم للرعية.

وعلينا ايضاً التوجه الى مسؤولي دول المشرق للعمل على تعزيز المواطنة لدى مواطنيها في كل مناحي الحياة.

وعلينا ايضاً وايضاً التوجه الى الغرب وكل ما هو غير مشرقي وندعوهم لتنمية الإخاء الديني وحماية التنوع الديني في بلادهم لان ما نراه ونسمعه مغاير حيث العنصرية والفاشية وقمع الحريات وتفشي الجريمة بأنواعها هي بإزدياد مضطرد في كل دوله بدون استثناء، وكذلك في تعامل الغرب مع دول المشرق وشعوبه، مما يحتم علينا واجب العمل من خلال الدراسات واللقاءات والمؤتمرات للوصول الى معرفة وضع الإخاء الديني ومدى الحرص والحماية للتنوع الديني لدى الغرب لنعمل على تقويمه اذا كان الإخاء الديني مفقوداً والحماية والصيانة للتنوع الديني ضعيفاً، فهذا حق للبشرية لا بد ان نناضل لأجله.

واخيراً، على المفكرين والمثقفين والكتاب في المشرق وضع استراتيجية المواطنة وآلية تنفيذها من خلال الدولة وليس الدويلات وبذلك نحقق الإخاء ونحمي التنوع.



* محاضرة أُلقيت في (في مركز لقاء) الربوة / انطلياس – لبنان 

** الأمين العام السابق لاتحاد المحامين العرب