بيروت - لبنان

اخر الأخبار

23 شباط 2019 06:18ص متلازمة داون سياسية تواجه الشراكة وتجْبه التصحيح في آليات الحكم

غالبية طبقة المسؤولين قاصرة عن مواكبة الدينامية الوطنية.. والمحاسبة غائبة

حجم الخط

اكتفت غالبية الطبقة الحاكمة بتسليم امرها لحفنة من زعماء الطوائف تدين لهم بالوجود والحضور واستمرارية النسل السياسي

تثبت الدينامية السياسية اللبنانية، يوما بعد يوم، قصور كثر من طبقة المسؤولين - المفترضين - عن مواكبتها، رغم ان بعض هذه الدينامية مستثمر في المحل الغلط، بمعنى أن ثمة من هؤلاء من وظّفها، بالمعنى الاستغلاليّ، في مصلحته لا في المصلحة العامة، واسترسل في التوظيف، بحث نجح في ربط مصالحه الخاصة هذه بكرامة مذهبه، بحيث تعمّد ترسيخ صورة مشوّهة في ذهن الرأي العام قائمة على أن أي تصحيح مطلوب لوضع حد لهذا الاستثمار الاستغلالي هو استهداف للمذهب بعينه. وهنا تكمن تحديدا العقدة المؤلّفة التي ستواجه حتما الداعين الى الإصلاح، في مقدمهم حزب الله!
الغريب في الأمر أن الغالبية في طبقة السياسيين لا تجد حرجا في التسليم بالأمر الواقع هذا، وهي لم تجد بدا من بذل الجهد الأدنى المطلوب لمواكبة الدينامية الوطنية والتحديات التي تواجه البلد، داخليا وخارجيا، وبعض الأداء الحزبي الذي تمخّضت عنه جلسة الحكومة الخميس يظهر بوضوح الإلتحاق الكلي لفريق حزبي بمصالح الخارج، مُبدّيا نقاشا سياسيا خلافيا على حساب الحد الأدنى من الاستقرار، ومفتعلا إشكالا هو في حقيقة الامر رسالة الى الخارج تتقاطع وما حمله التصريح المُصاغ بعناية لسفيرة الولايات المتحدة الأميركية إليزابيت ريتشارد من السراي الحكومية، الى جانب الشكل الذي ورد فيه الكلام الحزبي هذا، عند التوجّه الى رئيس الجمهورية، والذي جاء بمجمله غير مسؤول وغير مقبول!  
ينسحب هذا التوصيف على من يتعمّد كذلك تحريك مياه السباق الرئاسي المحتدم، رغم ان الولاية لا تزال في منتصفها. 
أحد هؤلاء السياسيين التقليديين، بالمعنى الكلاسيكي المائل صوب الجمود، لا تفوته مناسبة للتصويب على خصمه الرئاسي المفترض، رغم انه يظل يردد أن الاستحقاق لا يزال بعيدا، وأنه من غير المجدي إثارته في هذا التوقيت المبكر، لا بل يتهم هذا الخصم بأنه يستعجل الخلافة ويتحرّك في ضوء هذا المُراد.
المهم ان غالبية الطبقة الحاكمة تلك اكتفت، عن عجز، بتسليم أمرها لحفنة من زعماء الطوائف تدين لهم بالوجود والحضور وإستمرارية النسل السياسي! 
1- بعض السياسيين يعيش متلازمة داون  Down Syndrome سياسية (وما أبعدها عن الفكرة المتنوّرة «السياسة في متلازمة داون» The Politics of Down Syndrome، وهي قائمة على دعوة الناس إلى التفكير مجددا في ما يعنيه أن يكونوا شاملين، ولماذا أسرهم في سجن فكرة الذكاء فيما المجتمع الشامل هو مجتمع أفضل - والفكرة هي عنوان لكتاب المؤلف Kieron Smith)، نتجت من اضطراب سياسي تسبّب به على الأرجح فرض القطع النهائي بين مرحلتي الإستفراد في السلطة بين العامين 1990 و2005، والتصحيح بين العامين 2005 و2016، وصولا الى الشراكة الكاملة. ولا يخفى أن التصحيح فرض تغيّرا جذريا في آليات الحكم التي كانت قائمة على شراكة بالكاد صُوَرية، هي في الواقع والحقيقة تسلّط وسطوة وسلطة، لتصبح شراكة كاملة في الحكم والموقف والقرار. وأفقدهم هذا التصحيح الكثير مما راكموه من مكتسبات من خارج السياق الدستوري، لا بل حتى من خارج إتفاق الطائف الذي ما فتئوا يستميتون في مدحه ومغازلته، وينادون بصونه وتطبيقه حتى آخر حرف ونفَس.
2- وبعضهم الآخر تابعون، لا قدرة لهم على استيلاد الذات إلا في النطاق الضيّق للعمل السياسي، بفعل هذه التبعية التي تفترض عليهم الالتحاق تحت طائلة فقدان الموقع، وتعطّل لديهم أي قدرة على المبادرة أو على الأخذ في الاعتبار مصلحة العام في مقارعة مصلحتهم السياسية الضيّقة.
3- فيما قسم منهم لا يزال عالقا في أحقاد شخصية، ناتجة إما من مركز فات أو من رئاسة عبرتْ، وربما ستعبر رئاسة أخرى من غير أن تصل إليه. وهذا النوع هو من الأسوأ بين المدعوّين سياسيين، لأنه ذاتيّ بالطبيعة، تحرّكه المصلحة الشخصية، ولا يتفاعل، ولا هو قادر على التفاعل والمبادرة سوى في هذا السياق الضيّق. رغم ذلك، لا ينفكّ النوع نفسه عن عبادة الذات وتقديسها والتوهّم بأحقية القدرة على القيادة.