بيروت - لبنان

اخر الأخبار

28 شباط 2022 12:00ص محطات نضالية في مسيرة «اتحاد قوى الشعب العامل» (1/3)

حجم الخط
ان يوم 23 كانون الثاني 1965 إعلان تأسيس اتحاد قوى الشعب العامل التنظيم الناصري, كان فجر يوم جديد ومجيد أطلَّ علينا بخيراته بمطر غزير مبارك ملأ الشوارع والساحات في العاصمة بيروت وامتدّ ليشمل كل لبنان، وتربعت فوق قمم جباله ثلوج ناصعة البياض متماسكة كصخور لبنان تضيء ما حولها كضوء الشمس لحظة الشروق. في ذاك اليوم التاريخي, عقد نفر من طلاب صف شهادة البروفيه الثانوي في كلية برج أبي حيدر وأعلنوا إنشاء الرابطة الطلابية العربية في كلية برج أبي حيدر تعنى بتنظيم النشاط الطلابي من اجتماعات ومظاهرات وبالتفاعل مع المناسبات الوطنية العروبية, وخاصة مبادئ ثورة الزعيم التاريخي جمال عبد الناصر والقضية الفلسطينية وثورة الجزائر الرائدة.

في تلك المرحلة, 1959 وما بعدها, شهدت بيروت افتتاح مدارس ومعاهد وثانويات عدّة أهلية غير رسمية وبإدارة مدراء وأساتذة مشهود لهم، علما وخبرة في ميادين التعليم والتربية وبناء الأجيال منها معهد ابن سيناء بمنطقة البسطة التحتا وثانوية بيروت العالية - البسطة الفوقا وكلية برج أبي حيدر. وبموازاة مدارس جمعية المقاصد الخيرية الإسلامية بتاريخها العريق والمنتشرة في مناطق بيروت المحروسة وأسمائها المباركة، فاطمة الزهراء - منطقة كركول الدروز وخديجة الكبرى - فردان - وعائشة أم المؤمنين - الحرج وثانوية الفاروق - الطريق الجديدة وثانوية الإمام علي - الاشرفية. وكانت التوأم الكلية العاملية الشهيرة في راس النبع التابعة للجمعية العاملية، وكانت هذه الصروح التعليمية التربوية العمود الفقري لتعليم أبناء المسلمين ومفتوحة في إطار وطني رائع لكل اللبنانيين ومدارس لبنانية أخرى وطنية وإرسالية ومنها الفرير وثلاثة أقمار والحكمة، وكان طلابها من كل اللبنانيين في جمع ونسيج وطني شكّل الأعمدة الأساسية للوحدة الوطنية اللبنانية النادرة والتي من سوء الطالع بدأ لبنان يفتقدها وروحها الوطنية ودوره التعليمي الرائد.

لقد أنجزت الرابطة الطلابية نشاطات هائلة بدأتها بإنشاء مكتبة ضمّت الكثير من كتب التاريخ للوطن العربي ودوله وشعبه ونضالاته بمواجهة القوى الاستعمارية والصهيونية، ونضال شعوب آسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينية ودول الحياد الإيجابي وعدم الانحياز والشعوب المتطلّعة إلى الحرية بمواجهة الطغيان والاستعباد والظلم والحرمان، وكانت هذه الكتب ومواضيعها القيّمة بين متناول كل طلاب الكلية وأساتذتها وأحدثت طفرات وعي وثقافة وجذب للطلاب. وترافق ذلك مع إقامة مهرجانات طلابية داخل الكلية وخارجها دعما للقضايا العربية خاصة فلسطين والجزائر ومصر قائدة النضال العربي وقيادتها الثورية، وعن ما يزيد عن سنتين دراسيتين تسنّى لأغلب هذه المجموعة الطلابية التخلّص من المنهج التعليمي المعقّد في لبنان ومأساة شهادة البكالوريا، توجه أعداد كبيرة من الطلاب اللبنانيين ومن مختلف مكوناتهم تجاه مصر لنيل شهادة التوجيهية ولسوريا لشهادة الموحدة، واستمر النضال الطلابي مرافقا لهم بمصر وتقدّموا للتطوع في حرب اليمن مع الجيش المصري وأقاموا مهرجانا بذكرى استقلال لبنان وخاضوا انتخابات عضوية رابطة الطلاب اللبنانيين بمصر - القاهرة، وبالعودة إلى لبنان صدموا بقرار السلطة اللبنانية بعدم معادلة الشهادات العربية بالفلسفة اللبنانية وهذا يعني عدم قبولهم في الجامعات اللبنانية بإصرار عنصري مستغرب، مما دفع أعداد من حملة هذه الشهادات السفر الى فرنسا وبريطانيا وغيرها لاستكمال التحصيل العلمي والتخصص الجامعي فيها وتقديرها للشهادات العربية ودولها ودورها العريق في العلوم والثقافات العربية والحضارة الإنسانية التي انتقلت تاريخيا من أمة إلى أخرى ومن بلد إلى آخر وفي كل منها تتزوّد بزيت جديد يقوّي الحضارة والعلوم والثقافات.

ان أعضاء الرابطة حملوا بأمانة المسؤولية وبالعزيمة القوية التصدي لقرار السلطة المانع لإقرار معادلة الشهادات العربية وحرمان الآلاف من الطلاب اللبنانيين من حملة الشهادات العربية، تحصيل التعليم الجامعي وكانت معركة أم المعارك قاسية ومضنية لكنها خالدة في نتائجها ليس للطلاب المعنيين فقط بل لكل لبنان ولمناهج التعليم وتعريبه وربطه باللغة العربية الأم ودورها الحضاري الرائد لعلمائها وعلومها في كل ميادين الطب والهندسة والجبر والفلسفة وعلم الاحياء وغيرها.. ووضعت خطة التحرّك الطلابي العلمي والتعليمي والثقافي والسلمي الديمقراطي بإتقان وتجربة ودراية، وكانت الاعتصامات بالليل والنهار وزيارات ممنهجة لوزراء ونواب وللصحافة بشكل خاص ورؤساء التحرير والصحافيين وكانوا خير دعم وتأييد لحق الطلاب وشرح قضيتهم للرأي العام الذي سرعان ما تجاوب مع أبنائهم واخوانهم وبات مطلب وإنجاز معادلة الشهادات العربية قضية رأي عام. وبناء عليه وفي يوم أغرّ أصدر مجلس النواب اللبناني برئاسة رئيسه صبري بك حماده قراره بالإجماع بمعادلة الشهادات العربية بالفلسفة اللبنانية وحقهم بالانتساب إلى جامعات لبنان بدون إستثناء، كان انتصارا مشهودا لنضالات شهر متواصل وتحركات طلابية لم تفتر لحظة، تلقفته الحركة الطالبية بالعزّة والفخر خاصة وأنه تزامن مع الترخيص لجامعة بيروت العربية الناشئة حديثا بتدريس مواد الحقوق وإجازة المحاماة وكان هذا إثراء لعلوم القانون والمحاماة والقضاء وللمكتبة اللبنانية.

المرحلة الجامعية

بعد إنجاز النصر الكبير بمعركة المعادلات وما ترمز إليه من تعريب التعليم بمواجهة سياسة التغريب السائدة وإسقاط طبقية التعليم باقتصار التعليم الجامعي لأبناء الأغنياء ماليا ومن أجل إحلال ديمقراطية التعليم ومجانيته توزع الطلاب انتسابا بأغلبيتهم الى جامعتين، الجامعة اللبنانية، وجامعة بيروت العربية وأخذت هذه المجموعة مواقع متقدمة وقيادية وسط الحركة الطالبية في الجامعتين المذكورتين ورأسات وعضوية المجالس المنتخبة فيها منهم ملتزمين تنظيميا وآخرين أصدقاء للخط الوطني لجماعة طلاب المعادلات منهم بدون حصر وفي مقدمتهم الطالب كمال شاتيلا (رئيس المؤتمر الشعبي اللبناني حاليا) الذي قاد بكفاءة نادرة معركة المعادلات والعشرات من الأصدقاء شركاء النضال والمسيرة النضالية العروبية نذكرهم بالمحبة والتقدير والوفاء حتى الآن.

وفي جامعة بيروت العربية ذات الكثافة بأعداد الطلاب اللبنانيين وطلاب من الدول العربية وطلاب فلسطين الناشطين ثوريا وعلميا، وباتت هذه الجامعة الفتية مجتمعا يتفاعل داخلها الطلاب العرب تجاه قضاياهم وخاصة القضية المركزية فلسطين وقضايا التحرر العربي وصيانة الوحدات الوطنية داخل كل دولة، وكان ذلك الزمن ونضاله العروبي ومرجعيته العربية مصر - الجمهورية العربية المتحدة وقيادة الزعيم العربي جمال عبد الناصر. لقد كان دور الجماعة الطلابية، موضوع هذا المقال، ذات دور قيادي، ولم يكن زمنها وجود طائفيات أو مذهبيات سياسية بغيضة أو أهداف تدويلية أو انقسامات شعبية مواطنية ذات تبعات تؤذي الوحدات الوطنية داخل دولة الوطن الواحد والشعب الواحد، وكان الانصهار الوطني والإخوّة الوطنية والتضامن طريقا وممرّا صحيحا وسليما لأهداف أكبر وأعظم هي وحدة الأمة العربية التي قسّمها الاستعمار بعد الحربين العالميتين خلافا لإرادتها وطبيعتها وغير كل ما نراه في هذا ا لزمن المتصهين رغم الانتصارات الباهرة على العدو الإسرائيلي، لكنها وللأسف حالة إسرائيلية وأهداف استعمارية تمرر على منطقتنا دون حروب وإنما بسياسات وإجراءات الزمر السياسية الحاكمة والمتدخلة في شؤوننا فصارت الفوضى القائمة والحروب الأهلية والطاغية والمذهبية والطموح نحو التقسيم طائفيا ومذهبيا وإضعاف الدولة والدول العربية وإقامة كانتونات وفدراليات، وكل ذلك بات مصحوبا بشعارات خاوية كحق الطائفة وقانون انتخاب يتيح لكل طائفة أن تنتخب رعاياها أو مركزيات مستحدثة تحمل في طيّاتها الانقسام والكانتونات والفدراليات والمركزية المالية والفرض على البلاد والعباد الانصياع إلى محور دول هنا وآخر هناك مما يساعد تشلّع الوطن وتركه أسير الفوضى.

المثقفون الثوريون

إنتساب طلبة الرابطة وهي النواة الأولى لجمعهم الى الجامعات اللبنانية فرض عليهم اختيار اسم آخر هو: (المثقفون الثوريون) تعبيرا عن المرحلة الجامعية، فتح المجال للجامعيين وللخرّيجين للانتساب الى هذا العمل الوطني, أمنيا للتمويه تجاه قمع السلطة لكل عمل وطني بالمكتب الثاني أداة السلطة الأمنية. وكانت شعاراتهم الأبرز التي انتشرت طلابيا وجامعيا: ليست الجامعات أبراجا عاجية لكنها طلائع متقدمة تستكشف للشعب طريق الحياة - الوحدة الوطنية الشعبية طريق التقدّم والبناء - لا يمين مقامر ولا يسار مغامر، الأمة العربية هي المعيار والمثقف الثوري هو من تتجاوز اهتماماته حدود مصلحته الخاصة - الناصرية ثورة لتحرير الأرض والإنسان - الثورة ليست فورانا عاطفيا وإنما علم تغيير المجتمع.