بيروت - لبنان

اخر الأخبار

1 آذار 2022 12:01ص محطات نضالية في مسيرة «اتحاد قوى الشعب العامل» (2/3)

حجم الخط
ومن قلب النضال الجامعي, اللبنانية والعربية, امتدّ إلى الجامعة الأميركية ومعارف باليسوعية توسّع النشاط أفقيا وعاموديا فكثُر عدد الملتزمين والأصدقاء والأنصار، وتوزع في كل مناطق بيروت وطلابها وشبابها من برج أبي حيدر إلى طريق الجديدة، رأس النبع، المزرعة، الحرج، المصيطبة، زقاق البلاط، راس بيروت عين المريسة، والحمرا، والزيدانية وعائشة بكار، والبسطتين، وأطال التوسّع بشرا وبلدات ومحافظات مناطق إقليم الخروب، جنوبا صيدا والنبطية وحبوش وكفر رمان ومناطق العرقوب شبعا والهبارية وكفر حمام، ومحافظة الشمال طرابلس وعكار الضنية، والبقاعين الأوسط والغربي، بعلبك، الهرمل، الفاكهة وعرسال، وفي كل هذه المناطق قيادات وأعضاء ملتزمين ولجان أنصار وأصدقاء.

وكانت ضاحية بيروت الجنوبية إحدى القلاع الشعبية للتنظيم، برج البراجنة، عين السكة والليلكي، والغبيري، الشياح، وساحل الإمام الأوزاعي، وكان كل هؤلاء الإخوة منتظمون بوحدات اسبوعية تثقيفية ودراسات تنظيمية وتحليل سياسي ونقدي ذاتي وعام ومحاسبة إدارية ومسلكية، وعلى سبيل المثال كنا الأقوى والأبرز والأنشط في الضاحية قبل أن يتواجد أحزاب كثيرة ممن هي متواجدة اليوم، ومكتب التنظيم فيها الذي جرى افتتاحه في نيسان العام ١٩٧٥ بداية الحرب الأهلية وما زال وبقيادة شباب من عائلات المنطقة ومن مختلف عائلات الضاحية الميامين، فضلا عن العائلات النازحة للمنطقة من الجنوب والبقاع وتميّزت هذه العائلات الكريمة بانتمائها العروبي الجارف والناصري لجمال عبد الناصر وللاتحاد، وما زالت على العهد، إيمان، ووطنية وعروبة على خطى الناصرية.

وفي هذا السياق كانت منطقة المدور (الكرنتينا, المسلخ، الخضر) وهي إحدى مناطق بيروت المميّزة في عطاءاتها الغذائية والحياتية بحكم مسلخ بيروت المورد الوحيد للحوم على كل أنواعها وللطحين من المطحنة شبه الوحيدة ومواد أخرى حياتية، وكانت حاضنة شعبية أولى ثم مقاتلة قدّمت العديد من الشهداء حتى مرحلة جريمة التهجير بشرا انتقاما وهدم أبنيتها حجرا حجرا، وما زال هذا الواقع العار قائما رغم مرور ٤٦ عاما ضريبة كفاح ونضال اللوحة السياسية الطلابية في الجامعات. في مطلع ستينات القرن العشرين الماضي كان وقفا على تيارين: الأول القوى الليبرالية المعروفة بقوى اليمين اللبناني والمؤلفة بمعظمها من أحزاب مسيحية من أبرزهم حزب الكتائب اللبنانية وحلفائه، والقوى اليسارية ومن أبرزهم الحزب الشيوعي اللبناني وحلفائه من شخصيات ثقافية نسبت نفسها لليسار لأسباب عدة أهمها التقرّب من الاتحاد السوفياتي ثم الوسط الممثل بالحزب التقدمي الاشتراكي وزعيمه كمال جنبلاط الذي ترأس المجلس السياسي لأحزاب ما سمّي بالحركة الوطنية اللبنانية وذات الطابع اليساري، أما الأحزاب القومية العربية من أبرزهم حزب البعث العربي الاشتراكي والذي انقسم فيما بعد إلى بعث سوريا والآخر بعث العراق، وكانت حركة القوميين العرب التي تخلّت عن القومية والعروبة وتبنّت الماركسية واتخذت اسما لها /منظمة العمل الشيوعي/ العام ١٩٦٣ وكانت هذه القوى ذات وجود طلابي وازن في بعض كليات الجامعة اللبنانية، كلية العلوم تحديدا، لكن الغالبية الساحقة من الطلاب كانت مستقلة لا يمين ولا يسار، لكن بدخول طلبة المعادلات والطلاب المستقلين قلب المعادلة رأسا على عقب وأصبح التيار العروبي الناصري الذي يقوده الطالب المميّز كمال شاتيلا وإخوانه القوة الأكثر عددا والأوسع انتشارا بكليات الجامعة اللبنانية، وكانت كلية الحقوق والعلوم السياسية بمبنى الصنائع المنطلق الرئيسي، كما كانت جامعة بيروت العربية وطلابها حالة عروبية ناصرية ودون يسار يذكر، وكانت بيروت بجامعاتها هي ملتقى طلاب كل لبنان لعدم وجود جامعات أو كليات خارج الجامعات الأم، وكانت الخلافات والصراعات السياسية والفكرية على أشدّها بين عروبي ناصري وبين يساري ماركسي وبين قوى اليمين. ومن تلك الساحات الطلابية التي انتقل نضالاتها الى الحالات الشعبية-الجماهير في كل مناطق بيروت العروبية وجودا وتاريخا والى المناطق اللبنانية عموما في الشمال والجنوب والجبل والساحل وقُوي التيار العروبي في حين تراجعت القوى الأخرى يمينا أو يسارا، وما كان لهذا أن يتم بدون النضال الشاق لهؤلاء الرواد العروبيين الذين أخذوا اسما شاملا عن طلاب أو مثقفين الى اتحاد قوى الشعب العامل، وإضافة التنظيم الناصري بعد رحيل قائد الأمة جمال عبد الناصر.

التفّت الحركة الطلابية في اللبنانية والعربية بالتيار العروبي الناصري وخاضت الانتخابات الطلابية في كلا الجامعتين وكلياتها وحققت نجاحات باهرة وحققت إنجازات طلابية وطنية هامة وخاصة ان نضالاتهم لم تكن محصورة في أروقة الجامعات وداخل أبنيتها بل انتقلت وتوسّعت إلى المدى الجماهيري الأرحب في الأحياء والساحات والمناطق والمحافظات، ونضالات الجامعات تنتشر أصداءها جماهيريا وكان التجاوب كبيرا في مزج النضال الوطني الطلابي بنظيره الشعبي وهذا ما أحدث خوفا واضطرابات لدى الطبقات الحاكمة والطائفية والتقليدية من المد الطلابي الثائر، وصار هذا النضال في قلب الأحداث الوطنية والمؤثر في كثير من جوانبه السياسية والمستقبلية.

وفي الجامعة الأميركية ببيروت تمكّن الأخوة صلاح شفيق جحا وسمير مصطفى طرابلسي من إنشاء وحدة القوى الناصرية والتي آلت بعد خروجهم من الجامعة إلى أحد المنضمين إليها فاستقلّ بها بدعم من قوى اليسار. أن الزخم الطلابي الكثيف للجامعة اللبنانية لأنها جامعة الوطن وشبه مجانية إذا ما قورنت بأقساط غيرها فكان القسط السنوي خمسون ليرة لبنانية فقط و٣٥٠ ل.ل. القسط بالجامعة العربية وكان الطلاب اللبنانيون كأقرانهم طلاب العالم الثالث يمارسون باليوم الواحد ثلاث مهام، قبل الظهر وظيفة أو عمل وبعده جامعة ودراسة، وبينهما نضال سياسي أو حزبي، وفي الإطار الوطني السياسي نذكر بعضا منها:

١- التصدي لزيارة الرئيس التونسي الحبيب بو رقيبة لكلية الحقوق اللبنانية لمنحه الدكتوراه الفخرية بسبب تصريحاته الصلح مع إسرائيل.

٢-التصدي للحلف الإسلامي بعد إسقاط حلف بغداد الاستعماري والدفاع عن قضية المتهمين بمقتل الصحفي كامل مروة صديق الدوائر الأجنبية المعادية للعروبة ولجمال عبد الناصر وهما السيد إبراهيم قليلات المناضل البيروتي الذي برز خلال ثورة ١٩٥٨ واتهم معه السيد عدنان شاكر سلطاني، فنال الأول البراءة من التحريض وصدر حكم المؤبد للثاني وجرى تخفيضه، وهذه كانت معركة طويلة قادهاالناصريون في كل مجالاتها الشعبية والسياسية والقانونية وبهمّة من شقيقه السيد شاكر قليلات الذي ترافقنا نضاليا سنوات طويلة رحمه الله.

٣- مواجهة نكسة ١٩٦٧ وإستقالة جمال عبد الناصر والعودة وقيادة القسم الأكبر من مظاهرات الغليان الشعبي للعودة عن الاستقالة يومي 9 و10 حزيران.

وفي ظل هذا المناخ الطلابي العارم والمتقدم، خاض الناصريون انتخابات المجالس الطلابية في كليتي الحقوق والعلوم السياسية اللبنانية، وقد فاز منهم بنصف مقاعد الرابطة المؤلفة من اثني عشرة عضوا وعدد آخر من الأصدقاء ومستقلين، ومن المفيد الإشارة الى توزيع اللجان وما حققته من أعمال وإنجازات كان يمنع الاقتراب منها من إدارة الكلية، وكانت لجنة المجلة الأبرز بموضوعاتها الجريئة وغير المسبوقة، فاعتلى غلافها خارطة فلسطين المشهورة بريشة الفنان الفلسطيني إسماعيل شموط مع البندقية وحمامة السلام وبموضوعاتها ومنها مقالة لكمال شاتيلا عن تدخّل المخابرات الأميركية بالشؤون الطلابية وأخرى عن آثار انتصار معركة بورسعيد على ثورة فيتنام بمواجهة أميركا. كما كان للجنة الثقافية دورا مميّزا بمواضيع محاضراتها وبالمحاضرين منها على سبيل المثال محاضرة الخبير البترولي عبدالله الطريفي عن تأميم البترول وأخرى للسيد عجاج نويهض عن بروتوكولات حكماء صهيون. وكان الطالب كمال شاتيلا قد أصدر كرّاسا بعنوان «لا يمين ولا يسار» فأحدث ضجة ثقافية وحوارية لسنوات، وقد تكرر انتخاب بعض الإخوة المذكورين مرات ثانية وتضامنت الرابطة مع مطالب عمالية، مزارعي التبغ وعمال البلدية، وشاركت باستقبال الرئيس شارل حلو وكان الرئيس الأول والأخير الذي يزور جامعة لبنان الوطن في حين زياراتهم قائمة ومستمرة لجامعات غير لبنانية مع تبرعات سخيّة وهما الجامعة الأميركية واليسوعية وما زال تقليدا قائما، أما من رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة مع تجاهل لكل ما هو وطني لكن هذه السياسات لم تقلل من اندفاعة الطلاب نحو جامعتهم الوطنية وتعزيز الوحدة الوطنية الشعبية شعار ونهج الناصريون، وكان الحدث الطلابي الوطني ذي الأهداف الوطنية والتربوية هو مواجهة الدعوات الطائفية وأحزابها وخروج الطلاب اللاطائفيون منها وإقامة التحالف بين القوى الناصرية بقيادة الطالب كمال شاتيلا ثم الطالب عدنان بدر وبين جبهة الشباب اللبناني/حركة الوعي/ انتصارا في تيار الوحدة الوطنية الشعبية وخنق الاصطفافات الطائفية بين مسلم ومسيحي فالجميع أبناء وطن واحد. وقد لقى هذا التحالف هجمات من اليسار والقوى الطائفية التي أسرعت أو على ما يبدو إلى استعجال الحرب اللبنانية العام ١٩٧٥ حفظا لمواقعها الطائفية، هكذا نرى قيادات وازنة من حركة الوعي الطالبية يتقدمون إلى المفاهيم الوطنية اللاطائفية، وما زالت شخصيات تتقدّم مواقع العمل الوطني بحيث يسجل الناصريون لأنفسهم ولنضالاتهم المتعددة ما أحدثوه مع حلفاء الخط العروبي الناصري من تصحيح المفاهيم والعمل الوطني والعروبة الحضارية اللاطائفية.

ألفت النظر تحسّبا للإطالة سوف أقفز عن النضال الجامعي الطويل ودعم الجامعتين اللبنانية والعربية نعمة الكفاح والنضال، والبناء الجامعي الموحّد، والصداقات الطيبة مع أساتذة الجامعة وبعض عمداء كلياتها وكثير من الهيئات الطلابية التي نشأت وواكبتنا في نضالاتنا ومن هم أخذوا مواقع رسمية ووظائفية وصداقات ما زلنا نعتزّ بها ونقدّر للأحياء منهم ببيروت وفي عموم المناطق والمواقع الرسمية والإدارية والعامة ونترحّم على الراحلين لجوار ربهم. ولنفس السبب الأعلى سوف أقفز عن نضال الطلبة الثانويين والذي كانت باكورة انطلاقته العام 1969 بمسؤولية الطالب النشط صبحي غندور ومن معه من طالبات وطلاب دور المعلمين، ومن طلبة الثانوية الرسمية ببرج البراجنة الطالب القيادي عدنان بدر. وكان لهذا النضال الثانوي ذات الزخم الجامعي عبر لجان العمل الثانوي الناصري في أغلب مدارس بيروت والضاحية ومناطق لبنانية أخرى، وشاءت أوضاع البلاد وشؤونها التربوية أن يخوض هؤلاء الطلاب مرة ثانية معركة معادلات جديدة ولأسباب جديدة وتشكيل لجنة تحضيرية لإقامة اتحاد طلابي الثانويين كما فعل إخوانهم سابقا بإنشاء اتحاد طلاب الجامعة اللبنانية منه الى اتحاد طلاب لبنان ومؤتمره التأسيسي الذي انعقد لأيام في فندق ببلدة بلونا. وأعود إلى اليوم والاجتماع الأولين لإعلان تأسيس، اتحاد قوى الشعب العامل، صباح 23 كانون الثاني عُقد بمنزل الطالب كمال شاتيلا ببرج أبي حيدر مجموعة من هؤلاء الطلاب دون العشرة عددا لإعلان عمل منظم ذات نضال جماهيري بعد أن درسوا أغلب أفكار ومناهج الأحزاب الوطنية والقومية والأمنية منها حزب النجادة والهيئة الوطنية والحزب التقدمي الاشتراكي بغاية الانضمام إلى احداها ممن تلتقي فكرا وأسلوبا مبادئ وأهداف مع الثورة الناصرية دون أن تفكر هذه المجموعة بإنشاء حزب ما أو تنظيم أو جمعية، وكانت المحصّلة أن أحزاب تلك المرحلة أما ماركسية أو ليبرالية أو طائفية أو ماركسية شيوعية، أما الأحزاب القومية فكانت علمانية لا تأتلف مع توجهاتنا الإيمانية، الوطنية العروبية. لذلك صرف النظر عنها وتقرّر تأسيس تنظيم ناصري يسترشد بمبادئ الثورة المصرية وبكل فكر عربي منفتح من رحم العروبة، فالناصرية بعرفنا هي مجموعة الحلول الفكرية للأمة العربية تجسّدت بالميثاق الوطني الذي أصدره جمال عبد الناصر العام 1962 وأبوابها العشرة، منها باب الوحدة العربية، والحرية والديمقراطية والسياسة الخارجية وجذور النضال الوطني إضافة كرّاس فلسفة الثورة والدوائر الثلاث.