بيروت - لبنان

اخر الأخبار

12 آب 2022 08:08ص «مزحة العودة الطوعيّة!»

حجم الخط
 
تم نشر هذا المقال في جريدة «اللواء» منذ حوالي ست سنوات بتاريخ 27-9-2016، وأعيد نشره في «اللواء» بتاريخ 9-6-2018، وأنشره مرّة أخرى دون أي تعديل في النصّ أو المضمون.
أصدر مجلس الأمن الدولي بتاريخ 18 كانون الأول 2015 القرار رقم 2254 حول سوريا، وتطرق فيه إلى مسألة اللاجئين السورييّن حيث جاء في الفقرة 14 من القرار أن مجلس الأمن «يؤكد الحاجة الماسّة إلى تهيئة الظروف المواتية للعودة الآمنة والطوعية للاجئين والنازحين داخلياً إلى مناطقهم الأصلية وتأهيل المناطق المتضررة».
ثم يُرسّخ القرار مبدأ العودة الطوعية للاجئين: «يرغب معظم اللاجئين في العودة إلى ديارهم. وعندما تكون الظروف في بلد المنشأ مواتية للعودة، تستلزم الاستجابة الشاملة وتوفير وسائل تسمح بعودتهم ضمن إطار مناسب يضمن سلامتهم البدنية والقانونية والمادية».
لكن القرار وضع شروطاً لتلك العودة الطوعيّة، منها: «يجب أن تهيِّئ بلدان المنشأ أيضاً الظروف اللازمة للعودة المستدامة من خلال إدراج الاحتياجات المتعلقة بإعادة الإدماج ضمن الخطط الإنمائية الوطنية، وكذلك من خلال منح العفو، وتوفير ضمانات في مجال حقوق الإنسان، واتخاذ تدابير لإتاحة إعادة الممتلكات».
طبعاً لم نسمع أي صدى دولي للمناشدات والمطالبات والاقتراحات اللبنانية بخصوص اللاجئين السورييّن على أراضيه، وخصوصاً اقتراح إقامة مخيمات للنازحين في المناطق الآمنة داخل الأراضي السورية، ولا أي توضيحات جازمة بخصوص التعقيد والغموض في بنود القرارات والتقارير الدولية، على سبيل المثال تعبير «العودة الآمنة والطوعية».
لقد صار واضحاً أنّ دول أوروبا تعتبر قضية النازحين السورييّن إليها همّاً أمنياً وسياسياً بامتياز، وتحاول جاهدة منع تحولها إلى أزمة داخل المجتمع الأوروبي، وذلك عبر تثبيت النازحين في دول جوار سوريا.
وعليه، فإنّ الاتجاه هو تثبيت اللاجئين السورييّن في لبنان عبر منحهم امتيازات فيه، ما يجعلهم غير راغبين بالتسرّب منه إلى أوروبا بحثاً عن فرص حياة أفضل. والغرب يستخدم دائماً كلمة «توطين» مع تقديم إيضاحات عن أنّ معناها ليس تصفية فكرة عودة اللاجئين إلى بلدهم أو تحولهم مواطنين في البلد المُضيف، مع التشديد والتكرار على انّ هذه «العودة يجب الّا تحصل بالإكراه».
لكن الحقائق تتضح حين نرى أن تفريغ محيط العاصمة دمشق ومناطق الحدود السورية - اللبنانية من طوائف وفئات مُعيّنة من السوريين، قائم على قدم وساق، وضمن خطّة مقصودة وممنهجة تحت عنوان «سورية المفيدة»، حيث يتم تهجيرهم إلى خارج سوريا أو إلى شمالها.
واقع الأمر، وفي آخر المطاف، سوف يُخيّر اللاجئ السوري في لبنان بين العودة إلى سوريا إلى مكان آخر غير مدينته أو قريته أو مسقط رأسه، وضمن ظروف مجهولة وتوقعات مُبهمة بالنسبة إليه، ووعود وتقديمات قد لا تتحقق، أو البقاء في لبنان!
بالله عليكم، كيف يعود اللاجئ السوري إلى سوريا طوعاً والحالة هكذا وبعد أن خسر كل شيء في موطنه؟ على الأقل هو في لبنان قد استقر ورتّب أموره بشكل أو آخر منذ سنوات، وهو في بلد لا تُشكّل فيه اللغة أو العادات أو الديانة أو الثقافة تبايناً ملحوظاً، وقد تمّت العديد من الزيجات والمُصاهرات المُختلطة في هذه الفترة.
كما أن العديد من اللاجئين السورييّن اشترى عقارات وأضحى لديه أعمال تجارية، أو يعمل بأجر لدى الآخرين، والآخرون تتكفل بهم المنظمات الدولية أو الجمعيات الأهلية أو الوزارات اللبنانيّة المعنيّة.
ولنا في لبنان عبرة ومثال صارخ: هل عاد المهجّرون اللبنانيون إلى قراهم ومنازلهم بعد أن استقرّت الأمور، وتحديداً في المناطق حيث تمّت المُصالحات ودُفعت كامل التعويضات؟!
أليس، والحال هكذا، يُمكننا القول إن العودة الطوعيّة للسورييّن... مزحة سمجة!