لم يكن العهد والحكومة بحاجة لمواجهة مشكلة «كورونا» لكشف عجزها في ممارسة السلطة وإدارة شؤون البلد، بعد ان فشلا فشلاً ذريعاً في إتخاذ القرارات المهمة والخطوات الضرورية لمعالجة الأزمة المتعددة الوجوه، اقتصادياً، مالياً وسياسياً منذ تأليف الحكومة الحالية وانشغلا بدلاً من ذلك بشِّن حملة شعواء على «الحريرية السياسية» وإلقاء تبعات فشلهما على «السياسات المالية والاقتصادية التي مورست خلال الثلاثين سنة الماضية».
فجأة، وجد هؤلاء أنفسهم أمام مشكلة تسرّب فيروس «كورونا» إلى لبنان بفعل تراخي الإجراءات وعدم الاهتمام الجديّ منذ تفشّي هذا الفيروس الخطير في الصين وغيرها من الدول، ولم يكن أمامهم سوى الاستعانة بمستشفى رفيق الحريري الجامعي، أحد أهم إنجازات «التركة الثقيلة» لإيواء وتشخيص ومعالجة المصابين بهذا الفيروس الذي بات يُهدّد أرواح العديد من اللبنانيين في حال لم يتم استيعابه ومنع انتشاره.
هكذا، بين ليلة وضحاها، أصبح هذا المستشفى الذي أولاه الراحل رفيق الحريري إهتماماً ملحوظاً وخاض لأجله معارك سياسية مشهودة مع أكثر من طرف حزبي وسياسي حاول عرقلة بنائه في هذه المنطقة الحيوية، مركز الثقل الطبي لمعالجة هذا الفيروس الخطير في لبنان والمنطقة لما يحتويه من مساحات وأقسام وتجهيزات طبية حديثة وطواقم طبية متخصصة، وهو ما يدحض كل الافتراءات ويكذّب الحملات الممجوجة التي تستهدف إنجازات «الحريرية السياسية» في هذا الزمن الرديء وفي المقابل يظهر بوضوح كم كانت رؤى وتطلّعات الرئيس الراحل صائبة وفي محلها خلافاً لكل الادّعاءات المزيفة الأخرى.
لقد كشفت مشكلة تفشي فيروس «كورونا» في لبنان الفارق الكبير بين إنجازات «الحريرية السياسية» التي ينتقدها «التيار العوني» باستمرار، هذه الإنجازات البارزة والمهمة، ليس في المستشفى الجامعي الذي يعالج مصابي «الكورونا» وسائر المرضى المحتاجين من كل اللبنانيين، أو الجامعة اللبنانية التي أعاد بناءها الرئيس الراحل من جديد على أسس حديثة لتتسع لأبناء الطبقة المتوسطة والفقيرة، أو المطار الدولي الذي يحمل اسمه وسلسلة الطرق والجسور وتوسعة المرفأ وإنشاء الهاتف الخليوي وتحديث الهاتف الثابت، بل أيضاً في إعادة النهوض الاقتصادي والاستقرار النقدي وعودة الثقة العربية والدولية بلبنان من جديد بعد سنوات الحرب الأهلية، في حين يفتقد سجل الممارسة السياسية للتيار العوني إلى الحد الأدنى من الإنجازات منذ تبوأ العماد ميشال عون للسلطة كرئيس للحكومة خلفاً للرئيس السابق أمين الجميل في نهاية ثمانينات القرن الماضي أو خلال أكثر من نصف الولاية الرئاسية المنصرم من عهده أو في تولّي رئيس التيار الحالي جبران باسيل زمام أكثر من وزارة حسّاسة لأكثر من عشر سنوات متتالية وخصوصاً وزارة الطاقة. بل يكاد هذا السجل حافلاً بسلسلة من الحروب والأزمات والاخفاقات والفشل المتواصل، ولعل إدارة ملف الكهرباء الذي لم يتم تحقيق أي تقدّم فيه وما يزال يكبّد الخزينة والمواطن اللبناني مليارات الدولارات وملف السدود المائية غير الصالحة يطغى على كل الممارسات الفاشلة لمسيرة التيار منذ بداياته وحتى اليوم، الأمر الذي يثير حفيظة وغيظ وحسد القائمين عليه تجاه إنجازات «الحريرية السياسية» التي لا يُمكن مقارنتها بشيء من ممارسات وأداء «التيار العوني».
ولذلك، فإن الحاجة لمستشفى رفيق الحريري الجامعي ليست مهمة لمعالجة مصابي «الكورونا» فقط، بل لمعالجة مخلفات تقصير العهد والحكومة في وقف استيراد «الكورونا» بالطائرات من إيران خشية إغضاب «حزب الله» هو الأهم، وعندها لا يعود المستشفى من مخلّفات «التركة الثقيلة» في هذه الحالة.