بيروت - لبنان

اخر الأخبار

22 تشرين الأول 2022 12:00ص مسرحية الانتخابات الرئاسية ليست من الديمقراطية

حجم الخط
أيها السِّياسِيون المُخضرَمون المُتلونون بمواقِفكم السِّياسِيَّة، ما بالُكم تُجاهِرونَ بسَيِّئاتِ أفعالِكُم، إن ما تَقومون به في مُقارَباتِكُم لاستِحقاقِ الانتِخاباتِ الرِّئاسِيَّةِ لا يمُتُّ إلى الديمقراطِيَّةِ في شيء، إنما هو أقربُ إلى الهراءِ السِّياسي الذي لم تَشهد البَشرِيَّةُ منذ نشأتِها مَثيلاً له.
دعوا الرئيس الحالي يَقضي ما تبقّى له من أيامٍ مَعدوداتٍ بأمانٍ في القَصرِ، ودعوهُ يُغادِرُهُ بسلامٍ واطمئنان واتركوا مُساءلتَهُ للتاريخ. اعفوا الشَّعبَ والوطنِ من شَرِّ بُطولاتِكُم وعَنترِيَّاتِكُم الاستعراضيَّةِ التي تَتَفنَّنون بها. لما تُحاولون الاقتِصاصَ من الرَّئيس في أواخِرِ عَهدِه؟ ولِما تلومونَهُ على خياراتِه وهَفواتِهِ وخَطاياه وسَهواتِه وغَفواتِه؟ إنَّكُم بتَصرُّفِكُم هذا لا تنالونَ من شَخصِ الرَّئيس، إنَّما تُدَمِّرونَ الوَطنَ وتُزيدونَ من مُعاناةِ الشَّعب.
إن ما حصلَ ويحصلُ يدعونا للقولِ أن الرَّئيسَ مَحكومٌ بمواقفِه وسُلوكِيَّاتِه بمواقِفِه التي أطلقها أواخِرِ ثمانيناتِ القرنِ الماضي، ولم يزل مأسوراً بما هو مُتراكِمٌ في ذاكِرتِه خلال فترة توليه رئاسةَ الحكومةِ الانتِقاليَّة، والتي دفعته وتدفعُه لتبني منطِقَ الثَّأرِ والانتِقامِ من خُصومِه حتى بعد تَحقُّقِ حِلمِهِ الرِّئاسي.
نعم إن ميشال عون خطَّاءً كمثلِ الكثيرين منكم، وإن أكبرَ خطاياهُ أنه لم يُحسنً التَّصرَّفِ كرئيسٍ، إذ لم يستَطِع التَّرفُّعَ فوقَ كل الاصطفافاتِ الفِئويَّة، بل تَصرَّفَ كأحَدِ رُموزِ المُكوِّناتِ السِّياِسيَّة اللبنانيَّة، وتعاطى السِّياسَةَ وَفقَ روحِيَّةِ دُستورِ ما قبلَ الطَّائف. فقوَّضَ مُقوِّماتِ النَّجاحِ في بداياتِ عَهدِه. ولا نُغالي إن قلنا أنه لا يختلف عن الكثيرين من السِّياسيين في أدائهِ السِّياسي، وبما لديهم من نزعتِهِ أنانيَّةِ ونَرجِسِيَّةِ وتبنٍ لمنطِقِ المُحاصَصَةِ، وربما تفوَّقَ عليهم بمنهجيَّةِ المُماحَكاتِ والمُناكَفاتِ السِّياسِيَّةِ كوَسيلَةٍ لبلوغِ أهدافِه المرحليَّة، وقد نجَحَ إلى حدٍّ كبيرٍ في تَحقيقِ مَصالِحِ فريقِهِ السِّياسي، ولو على حِسابِ المَصلحَةِ الوطنيَّة، فأضَرَّ بمُقاربتِهِ هذه بالبَلدِ، كما أُثقِلَ أداءَه السِّياسي بعِنادِهِ وثباتِه على مواقِفِه، كذلك فَوَّت الكثيرَ من الفُرَصِ على الدَّولَةِ، ما حالَ دون تَحقيقِ أيَّةِ إنجازاتٍ وطنيَّةٍ تُذكَر، بل شهدَت الدَّولةَ في عهدِهِ المَزيدَ من التَّراجُعِ والتَّقهقُر الذي أودى بالبَلدَ إلى مأزَقِ سياسي - معيشي، وانهيارٍ اقتِصادي ومالي عارمين.
ميشال عون رغم كُلِّ خطاياه، يبقى من غير العَدلِ تَحميلُهُ مُنفَرِداً وِزرَ ما آلَت إليه الأوضاعُ في الدَّولَةِ والأضرارُ التي لَحِقَت بلبنانَ واللُّبنانيين، بل ينبغي أن يُلقى اللَّومُ أولاً على الذين أتوا به رئيساً للجُمهوريَّةِ وسُرعانَ ما أعرَبوا عن أنَّهُم غير قادِرينَ على التَّعامُلِ معه، كما أولئكَ الذين ناصروه بغضِّ النَّظرِ عن مدى صوابيَّةِ مواقِفِه. إن أكثرَ من أضَرَّ بميشال عون كرئيس وبعَهدِه هم بعضٌ من وزرائه ونوَّابِه وفَريقِ عَمَلِه، لأنه كان حريٌّ بهم أن يعوا أن العَهدَ عَهدَه، وأن كان من واجِبِهِم أن يعوا أهميَّةَ التَّرفُّعِ عن الاصطِفافاتِ السِّياسِيَّةِ الدَّاخِليَّةِ والمطالبِ الفئويَّةِ والمُحاصصاتِ الماديَّةِ والوظيفيَّةِ، والنَّأي بالنَّفسِ عن المَحاوِرِ الإقليميَّة، وأن مَصلَحتِهم السِّياسِيَّةِ ومَصلَحَةِ لبنان تكمنُ في المرونةِ بالمواقفِ السِّياسِيَّةِ، وتحريك عَجَلَةِ الاقتِصادي لا شَلَّه. ويؤخذُ عليهم تبنّيهم شِعاراتٍ إصلاحيَّة، والعملِ بنَقيضِها.
لما تُوجِّهون اللَّوم لميشال عون إذن، وأنتم من أوصَلهُ إلى سُدَّةِ الرِّئاسَةِ قبل سِتَّ سَنوات؟ سواءَ كان بانتِخابِه، أو بتَعطيلِ نِصابِ الجَلساتِ لتفويتِ الفرصِ على غيرِه، أو بابتِداعِ تَفسيراتٍ واجتِهاداتٍ دُستورِيَّةٍ حولَ نِصابِ جَلساتِ الانتِخاب، تَمهيداً لتَوفيرِ ظُروفِ انتِخابِه. نعم كُلُّكُم ضالِعٌ في إيصالِ الرَجُلٍ إلى سُدَّةِ الرِّئاسَة.
لما تلومون الثَّمانينيَّ مُنفَرِداً، ولِما تُحمِّلونَهُ تَبِعاتِ التَّعطيلِ السِّياسي والانهِيارِ الاقتِصادي والمالي والمَعيشي وإن يكن هو من المُساهِمين بها؟ ألستُم من انتَخبَهُ؟ ألم تكونوا على عِلمٍ بطباعِه ومَزاياه، وأن له صِهرٌ على خِصالِه؟ ومن الطَّبيعي أن يكون إلى جانِبِهِ ومُؤثِّراُ في قراراتِه؟ لما تَتظَّاهَرون وكأنَّكُم أبرياءُ غير مَسؤولين عن كُلِّ ما حَصلَ على السَّاحَةِ اللُّبنانِيَّةِ من احتقاناتٍ وأزَمات وانهِيارات؟
 ميشال عون العمادُ كما الرَّئيسُ، هو هو، لم يتغيَّرَ ولم يتبدَّلَ منذُ الثَّمانينات، بنَبرَتِه وعنادِه وانفِعالاتِه وتَصَلُّبِه بمَواقِفِه... الخ، اختبرتموه جَميعاً عِندما كان قائداً للجيشِ، ومن ثُم كَرئيسٍ لحُكومَةٍ انتِقالِيَّة، وبعد ذلكَ مَنفيَّاً كما بعدَ عَودَتِه، وقبلَ وبعدَ انتِخابِه رَئيساً للجُمهوريَّة. لِذا أعجَبُ من مَلامتِكُم له، أليس من الأَجدى لو تلومونَ أنفُسَكُم؟ ألم يكن انتِخابُهُ خيارُكُم؟
دعكمُ اليومَ من ميشال عون، ما يمنعُكم من انتِخابِ رَئيسٍ للجُمهوريَّةِ وقد شارَفَت المُهلَةُ الدُّستورِيَّةُ المُخصَّصةُ لهذا الاستِحقاقِ على نِهايتها؟ وما الغرَضُ من كُلِّ الجَلَساتٍ الفُلكلورِيَّةِ في مَجلسِ النُّوابِ وأنتُم تَعلمونَ مُسبقاً أن الغَرَضَ منها سَدًّ الذِرائعِ لا انتِخابَ رئيسٍ للجُمهورِيَّة؟ ولما تُعطِّلونَ هذا الاستِحقاقِ الرِّئاسي باجتِهاداتٍ وتَفسيراتٍ مُتَشَدِّدةٍ رَغمَ وضوحِ النَّصِّوصِ الدُّستوريَّة، ولما تُحورونَها عن مَقاصِدِ المُشرِّع؟ إن النُّصوصَ التي تَحكُم هذا الاستِحقاقَ واضِحَةٌ لا لبسَ فيها، تَقولُ بانتِخاب رَئيسٍ للجُمهورِيَّةِ بأصواتِ ثُلثَي أعضاءِ المَجلِسِ في جَلسَةِ الانعِقادِ الأُولى بدَعوَةٍ من رَئيسِه، وإن تَعذَّر فبالأكثرِيَّةِ المُطلَقَةِ «أي بأصواتِ ما يَزيدُ عن نُصفِ أعضاءِ المَجلس»، وإن تَعذَّر حُصولُ ذلكَ قبلَ الأيامِ العَشرِ التي تَسبُقُ نِهايَةَ ولايَةِ الرَّئيس، فيلتَئمُ المَجلِسُ حُكما، ويُصارُ فَوراً إلى عَقدِ دَوراتِ انتِخابٍ مُتتالِيَةٍ، فإن حَظِيَ أحدُهُم في دورَةِ الانتِخابِ الأولى بثُلثَي عَدَدِ أعضاءِ المَجلسِ فازَ بمَنصِبِ الرَّئيس، وإن تَعذَّرَ فيفوزُ أولُ من يَحظى بأصواتِ الغالِبِيَّةِ المُطلَقَة بأيٍّ من دوراتِ الانتِخابِ التاليَة، ولا يُعتدُّ بنِصابٍ لقانونِيَّةِ هذِهِ الجَلساتِ نَظَراً لكونِ المَجلِسِ في حالَةِ انعِقادٍ حُكميَّة.
أيها السّياسيون المؤثِّرون في هذا الاستِحقاق الوَطني، إنَّكُم بِقدرِ ما تَتظاهرون بحِرصٍ مُبالَغٍ فيه على الوِفاقِ الوَطَني، والتَّذرُّعِ بانتِخابِ رَئيسٍ تَوافُقيٍّ للجُمهورِيَّةِ تتَّفقونَ عليه خارِجَ المجلِسِ، بقدرِ ما أنتُم تُعَطِّلونَ عَملِيَّا هذا الاستِحقاق وتُخرِجونه عن الأصولِ الدُّستوريَّةِ التي ترعاه. فإن كُنتم فِعلاً حَريصونَ على مَوقِعِ الرِّئاسَةِ كما على وَطَنِكُم، فتَوجَّهوا إلى المَجلِسِ النِّيابي وانتَخِبوا رَئيساً، بمَزايا ومَناقِبِيَّاتٍ وَطَنِيَّةٍ خالِصَة، تَقومُ على الانتِماءِ للوَطَنِ والوَلاءِ له دونَ غيرِهِ والإخلاصِ لِشَعبِه.
يطيبُ لكم أيها السِّياسيونَ المُخضرمون أن تأتوا برئيسٍ مِطواعٍ بعد أن نَجحتُم في ترويضِ مُعظَّمَ موظَّفي الدَّولَةِ وسياسييها وجَعلتُم منهم مُرابِعينَ في مَزارِعِكُم الطَّوائفيَّةِ والمَذهَبِيَّة، وطبعاً لا تَرغبونَ في وصولِ شَخصِيَّةٌ وطنِيَّةٌ بمَزايا فؤاد شهاب إلى سُدَّةِ الرِّئاسَةٍ؟ لأنَّكُم تَخشونَ كل من يُهدِّدَ مواقِعكُم في السُّلطَةِ ومَصالِحكم الخاصَّةِ ومُكتَسباتِكم المُتوارَثة، كما تخشونَ كُلَّ من لديه الجرأةَ على مُساءلتِكُم ومُحاسَبتِكُم عن ارتِكاباتِكُم وفسادِكُم. أيُّها السِّياسِيونَ أنتُم لا تَخشون لومَةَ لائم، وإلاَّ لما كُنتُم فَعلتُم بوَطَنِكُم وشَعبِكُم ما فَعلتُم، ولكنتم قد أقرَّيتُم بفَشلِكُم بالحدِّ الأدنى ولتَخلَّيتم عن مَناصِبكُم.
أما وإنَّكُم قد جَعلتُم من مَجلِسِ النُّواب مَجلِساً مِلِّيَّاً مُعوَّقاً عن القِيامِ بأدنى واجباتِه التَّشريعيَّةِ والرقابيَّةِ والانتِخابيَّة، بعدَ أن أضحى قصورُهُ عن القيامِ بواجِبِه الانتِخابي مفضوحاً، وها أنتم مشاركون في لُعبَةٍ تعطيليَّةً قذرَةٍ تَستهدِفُ الإطاحَةَ بمرتكزاتِ النِّظامِ القائم، بتعطيلِكُم الاستِحقاقَ الرِّئاسي لعِلَّةٍ في نفسِ يعقوب، علَّكم تسوقون البلدَ بعدها إلى تَغييراتٍ جَوهَرِيَّةٍ تُفقِدهُ خُصوصِيَّتُهُ ومزاياهُ الحالِيَّةُ القائمَةُ على توازناتٍ تِحفظُ لكُلِّ المُكوِّناتِ السِّياسِيَّةِ مَكانَتَها وخُصوصِيَّتها. فحذاري من ألاعيبُكُم التعطيليَّةُ. حمى الله لبنان من خبثِ توجُّهاتِكم، وأجارنا من مَكائدِكُم.
أيها السياسيون، إن مساعيكُم طُروحٌ لا تستأهلُ الشرحَ، وإن اللومَ يقعُ على الذينَ أوصَلَوكُم إلى مواقِعِكم، والمصرّينَ على تبجيلِكم وتعظيمِ شأنكم، رغمَ عنجهيَّتِكم ومُكابَرَتِكُم وتَغطرُسِكُم وفسادِكُم.