أربعة أشهر على جريمة المرفأ. أكثر من 200 شهيد وستة آلاف جريح، أضرار مادية ومعنوية هائلة دفعت بكثيرين الى تبديلات دراماتيكية في مسارهم الحياتي، ومنظومة سلطوية تعتمد على ذاكرة اللبنانيين القصيرة التي تتناسى عمداً المآسي بعد أن خبرت لا جدوى الانتظار لعدالة لن تأتي.
وبينما تتخبّط السلطة بعجزها وتوجيه الاتهامات الى بعضها البعض، يسعى كثيرون الى محاصرة محاولات تمييع التحقيق في الجريمة وإبقاء القضية حيّة. وفي الثالثة عصر غد، تلتقي مجموعات مدنية ومن الحراك الشعبي أمام قصر العدل، كونه يشكل رمز العدالة، لرفع الصوت من جديد في القضية.
الدعوة تأتي من مجموعة «القصاص الآن» التي أعلنت عن نفسها قبل أسابيع (راجع «اللواء» 15 تشرين الأول الماضي) لملاحقة أركان السلطة ممن تورطوا في الجريمة، وهي مجموعة جاءت بمبادرة من «المرصد الشعبي لمحاربة الفساد» ومعه «مجموعة شباب المصرف» و«ثوار بيروت»، وانضم إليهم تحالف من مجموعات «الثورة» كان قد قرر التوقف في المرفأ في الرابعة عصر غد لاستذكار المأساة، قبل الاتفاق على إلتقاء الجميع في منطقة العدلية والسير معاً في اتجاه المرفأ ليصلوا هناك في الرابعة حيث سيتم إستذكار المأساة.
قضاء-ع-الشعب
عنوان اللقاء الأول سيكون مؤداه أن «جريمة المرفأ مش قدر.. وين حكم القضاء؟». يرافق ذلك شعار آخر تحت هاشتاغ: #قضاء-ع-الشعب.
يعلم الجميع أن مفتاح الحل هو في تحقيق شعار إستقلالية القضاء بينما ينام قانون يتعلق بذلك في أدراج مجلس النواب نزلت المجموعات مراراً الى الشارع مطالبة بتفعيله. فمن دون قضاء حر ومستقل عن السياسيين لا إمكانية لأي خرق في الوضع المزري الحالي.
ويُخشى من أن تتشابه الأشهر المقبلة ومعها السنوات في ما حصل حتى الآن من تمييع لقضية المرفأ، ويؤكد المحامي علي عباس من «المرصد» أن «التحقيق لم يقدم ما هو جدي حتى الآن، وهناك مراوحة ومماطلة في ظل سقف وُضع للتحقيق ووسط مظلات ومحميات سياسية لإجهاضه».
وبين المتظاهرين من يستنكر بشدة محاولة المحقق العدلي في جريمة المرفأ القاضي فادي صوان، التنصل من محاسبة المسؤولين الكبار عبر رمي كرة اللهب الى مجلس النواب تحت عنوان أن لا حق له في التحقيق مع الوزراء والنواب الذين قد يكونون تورطوا في الكارثة، وأن هناك محكمة خاصة لمحاكمة الرؤساء والوزراء والنواب.
ويرى المعترضون على هذه الخطوة بأنها ستوجه رسالة الى الداخل كما الى الخارج مؤداها بأن اللبنانيين فقدوا الثقة بالقضاء اللبناني، ثم أن «مجلس محاكمة الرؤساء والوزراء معطل منذ سنوات وهو بالكاد إستعمل ولا فاعلية له، لكن ذلك لا يمنع من تشريع قانون في المجلس لإسقاط الحصانة عن المسؤولين الكبار في جريمة دولة غير عادية ضد شعب بكامله وهو ما سيجلب ثقة المجتمعين اللبناني والدولي».
ويشدد عباس على أن الحصانة للمسؤول وضعت له لكي تحميه عندما يقوم بعمله كي يتمكن من العمل من دون خوف، لكن ما حصل في المرفأ يرتقي الى مصاف الجريمة القصدية ضد الانسانية التي تسقط أمامها كل الحصانات.
دعوة صوان إلى المُصارحة
والآن، يجب على التحقيق أن يكمل الى آخر الدرجات، وهنا يتوقف عباس عند ضرورة رفع الشكاوى الى القضاء العادي وليس عند قاض واحد وأن لا يكون هناك أي سقف فوق رأس أحد، بينما بات المجلس العدلي مقبرة للأحكام وهو بطيء ومخترق سياسيا.
لسان حال المجموعات المتحركة في هذه الأثناء أنه من غير المقبول على الإطلاق التوقف عند موظف أو حتى مدير عام، ويجب أن تتم مكاشفة الرأي العام للإجابة على أسئلة من نوع: لماذا تأخر التحقيق؟ أين مسؤولية من وضع تلك المواد ومن وافق عليها ولماذا وصلت في الأصل الى لبنان؟ ثم ما هي قصة توقف التحقيق بعد عدم تسليم الفرنسيين ما حصلوا عليه عبر أقمارهم الإصناعية؟
وبعد توجه بعض الشبان سابقاً للاحتجاج قرب منزل صوان، إتفق الجميع على التجمع في وجه قصر العدل غداً لتوجيه رسالة إلى صوان وعبره الى المسؤولين، للخروج ومصارحة الرأي العام بالحقيقة وتوضيح ما إذا كان يتعرض لضغوط، وهي دعوة له الى «تحكيم ضميره وعدم المشاركة في ما يحصل».
سيتجمع الناشطون بعدها في مكان الجريمة لإعلاء الصوت عالياً لعدم تمييع القضية من قبل المنظومة التي تهدف منذ البدء إلى تجفيف دماء من إستُشهد وجُرح في تلك المأساة الإنسانية.