بيروت - لبنان

اخر الأخبار

16 أيلول 2020 08:31ص مشاورات بعبدا النيابية تجاوز للدستور وتعدٍّ على الرئاسة الثالثة

حجم الخط
ترقّب اللبنانيّون أن يقدّم الرئيس المُكلّف تشكيلته الى رئيس الجمهوريّة نهار الإثنين، الّا انّه تريّث افساحاً للمجال أمام مزيد من «المشاورات»، الأمر الذي يدلّ بشكل أساسي على حجم العراقيل التي تقف أمامه في ظلّ اختلاف منهجيّة التأليف بينه وبين القوى السياسيّة البائدة، وتحت وقع الضغوطات الفرنسيّة والدّوليّة على المسؤولين لتسهيل عملية التشكيل. إلّا أنّ المفاجئة كانت في اعلان القصر الجمهوري عن بدعة جديدة يقوم بها رئيس الجمهوريّة من خلال اجراء «مشاورات» مع رؤساء الكتل النيابيّة، ما يطرح علامات استفهام في نتائجها الميثاقية والدستورية والسياسية، لا سيّما انّها تجسّد تجاوزاً فاضحاً وصارخاً للفقرة الثانية من المادة ٦٤ من الدستور التي نصّت على أنّ يُجري رئيس الحكومة المُكلّف الاستشارات النيابية بهدف تأليف الحكومة.

وقد حصر الدستور صلاحيّة اجراء المشاورات مع أعضاء مجلس النّواب بالرئيس المُكلّف، علماً أنّ المشاورات التي يجريها الرئيس المُكلّف في العادة لا يصفها الدستور بالملزمة بنتائجها له، ما يعني أنّ مرجع التأليف يبقى الرئيس المكلّف وليس النّواب الذين قام باستشارتهم طالما سيعود إليهم في الحكومة طلباً للثقة. ويعني ذلك أيضاً انتفاء أيّ دور مُقرِّر لرئيس الجمهورية في عمليّة التشكيل الى حين تسلّمِه مسوّدة التشكيلة الحكومية الجديدة، فيوافق عليها أو يطلب تعديلها أو يرفضها كلّياً بحسب توافق تلك التشكيلة مع المقتضيات الدستورية، خصوصاً لجهة ما تنصّ عليه مقدمة الدستور والمادة ٩٥ منه، سواء لجهة توازن التشكيلة الحكومية بين الطوائف والمناطق ومكوناتها السياسية أو لجهة مراعاتها لميثاق العيش المشترك. وفي حال راعت التشكيلة المقتضيات الدستورية، يوقّع رئيس الجمهوريّة مرسوم التشكيل مع رئيس الحكومة، وتقوم بعدها الحكومة بتقديم بيانها الوزاري الى مجلس النواب لنيل ثقته على برنامج الحُكم خلال ثلاثين يوم من تاريخ صدور مرسوم تشكيلها. 

أمّا سابقة رئيس الجمهوريّة بإجراء مشاورات مباشرة مع رؤساء الكتل النيابيّة فهي تضرب كل الآليّة الدستوريّة المُشار اليها آنفاً، لأنّه بذلك يعطي لنفسه دوراً مقرّراً خلافاً للدستور، ويضع مرجع التأليف عند النّواب ويعطي لنفسه ذريعة لرفض التشكيلة التي سيطرحها الرئيس المُكلّف إذا جاءت خلافاً للمشاورات لأنّه سيبني موقفه على مواقف الكتل النيابيّة. كذلك يُمكن اعتبار نتائج المشاورات بمثابة اعلان نتائج التصويت على الثقة سلفاً علماً أنّ جلسة الثقة في مجلس النّواب مبنيّة على البيان الوزاري للحكومة. 

وفي ظلّ ممارسات رئيس جمهوريّة الذي اعتاد الامعان في مخالفة الدستور، يتوجّب على الرئيس المُكلّف أن يتمسّك بصلاحيّاته الدستوريّة، ويبقى ثابتاً على خياراته في الإصلاح والإنقاذ واستعادة هيبة ودور الرئاسة الثالثة والحفاظ على اتفاق الطائف. ويعنى ذلك أن يقدّم تشكيلته الحكوميّة التي ترقى الى تطلعات اللبنانيين في أقرب فُرصة وبعد أن يُجري كلّ المشاورات التي يرتئيها، وللقوى السياسيّة ان تتعامل مع واقع هذه التشكيلة. 

من هنا يُمكن حصر المجريات المتوقّعة بفرضّيتين أوّلهما أن يمتنع رئيس الجمهوريّة عن توقيع مرسوم التشكيلة ممّا يضع رئيس الحكومة المُكلّف امام خيار الاعتكاف مع امكانيّة ان تذهب القوى السياسيّة الى التلويح بإسقاط التكليف؛ أو خيار الاعتذار عن التأليف ما يستدعي دعوة رئيس الجمهورية إلى استشارات نيابية جديدة لتسمية رئيس آخر للحكومة. وفي كلى الحالتين، ستكون التداعيات كبيرة على العهد الذي يُنازع للبقاء على قيد الحياة، وعلى صعيد فرض العقوبات الدولية على المسؤولين السياسيين. والفرضيّة الثّانية أن يصدر مرسوم تشكيل الحكومة ويُحال إلى المجلس النيابي الذي يرجّح أن يحجب ثقته عن الحكومة، فتصبح التشكيلة في موقع حكومة تصريف الأعمال بصلاحيات محدودة، في انتظار أن تنال حكومة أخرى ثقة المجلس.

في الخلاصة وعلى الرّغم من المشاورات الشكليّة الفارغة ومقاطعة البعض لها، من المرجّح أن تزداد التجاذبات بين الرئيس المُكلّف والقوى السياسية في ظلّ استمرار الضغوط الخارجية في ملّف التأليف الحكومي اللبناني نظراً للاهتمام الدّولي البالغ به، مع ترقّب موقف الرئيس الفرنسي بخصوص انتهاء مهلة تشكيل الحكومة التي تعهّدت القوى السياسيّة بها. وحتّى الساعة، ليس ثمّة ما يشير إلى أن الرئيس المُكلّف سيستجيب لرغبة الأحزاب والكتل، علماً أنها المرة الثالثة التي يقصد فيها بعبدا ويخرج قائلاً «ان شاء الله خير».