بيروت - لبنان

اخر الأخبار

4 آب 2020 12:05ص معادن القيادات

حجم الخط
القائد الفذّ يرفع أمة، ويُسعد شعبا، ويحمي ويُقوّي وطنا، ويجعل لبلده ولشعبه المكانة العليا بين دول وشعوب العالم. هذا ما نفتقد إليه في هذا الزمن الرديء في لبنان وفي دنيا العرب. هكذا كان العظماء الذين شرّفوا الأمم والشعوب بأسمائهم، لا زلنا نتعلّم من سيرتهم ومسيرتهم منذ القائد العربي الأول عمر بن الخطاب الذي نشر دين الله على شعوب امبراطوريات ودول كبيرة وصغيرة فنقلها من عبادة النار والأوثان إلى عبادة الله. وكان الفتح العظيم في فلسطين لعاصمة السماء القدس وطن ميلاد السيد المسيح، ومسرى النبي محمد (#). وقد قدر الله تعالى لأمة العرب من بعده القائد صلاح الدين الأيوبي الذي وحّد البلاد والعباد وأعاد تحرير القدس من الإفرنجة الغزاة. فعند كل الأمم والشعوب قيادات خلّدها التاريخ وأخرى سقطت غير مأسوف عليها. وهذه القيادت ما كانت لتكون لولا الإيمان العميق الذي جسّدته في أعمالها ونضالاتها وإدارتها وحكمتها للبلاد والعباد؛ ولولا الإخلاص للمبادئ والقيم والصراط المستقيم الذي مشت عليه، ولولا التضامن والتكاتف والتعاضد الذي أحدثته عند شعوبها وعملت للوحدة في الأوطان وحاربت الفرقة والانقسام؛ والاعتصام بحبل الله بدل اعتماد إثارة الفتن الطائفية والمذهبية والفئوية والعنصرية لدى الأمة الواحدة وفي قلب الشعب الواحد، وفي داخل الوطن الواحد؛ واعتماد الصدق والصراحة وإحلال السلام مكان الكذب والرياء ومدّ النفوذ والسيطرة والاستعانة بالاتباع والأزلام تحقيقا لنوازع وأحقاد تاريخية تُستعمل على غير حقيقتها وعلى غير مسارها الصحيح إرضاءً لأطماعها الدفينة وتطلعاتها الخاسرة.
كم حريّ بنا أن نستحضر في أيامنا السوداء هذه التاريخ القريب في الخمسينات والستينات من القرن المنصرم الذي نتصفّح أحداثه ومساراته لعلّنا نتعلم ونسترشد بما هو في صالح الأمة العربية ودولها وشعوبها الأبيّة.

في 22 شباط 1958 كان الحدث التاريخي بإعلان دولة الوحدة بين مصر وسوريا وقيام الجمهورية العربية المتحدة بقيادة الزعيم الراحل جمال عبد الناصر. بعد ثلاث سنوات من الوحدة وتحديدا في 28 أيلول 1961 قامت حركة تمرّد ضد الوحدة من معسكر قطنة السوري مدعومة من القوى الاستعمارية والصهيونية والرجعية العربية ودول حلف بغداد الاستعماري. وتحول التمرّد إلى حركة انفصال سوريا عن مصر. وكان الحال آنذاك من أخطر المراحل التي عاشتها المنطقة.
كيف تصرف جمال عبد الناصر تجاه هذه الجريمة الدولية والاقليمية والمحلية التي ما زالت انعكاساتها سببا لكثير مما يجري في المنطقة حتى الآن؟
قال جمال عبد الناصر حينها: لقد وقع في سوريا ما تعرفون جميعا؛ إن ما يشغل بالي ليس ما حدث الآن، وإنما يشغل بالي أكثر منه ما يمكن أن يتداعى من وراء ذلك من أخطار على الأمة العربية وعلى كيانها وعلى مستقبلها. إنني أكاد أرى الأمة العربية مقدمة على محنة رهيبةً وأشعر أن واجبي يُحتّم عليّ  أن افعل كل ما في وسعي كي أجنّب الأمة العربية هذه المحنة.

وتابع عبد الناصر: إنني لا أقبل مهما كانت الظروف أن أرى الشعب هنا والشعب في سوريا أطراف معركة وأصحاب خلاف وانشقاق، إنني اتخذت قرارا بأن لا تتحوّل الوحدة العربية بين مصر وسوريا إلى عملية عسكرية. وبناءً على ذلك أوقفت جميع العمليات العسكرية التي كانت قد بدأت لمناصرة الجموع الشعبية الثائرة ضد الحركة الانفصالية في سوريا.

خلاصة هذا الموقف التاريخي من قائد تاريخي أن لا حروب أهلية ولا سلطوية، لم تُهدر نقطة دم واحدة، ولا تهجير ولا نزوح ولا تدمير لعواصم ومدن ولحضارة وقيم، ولا فتن طائفية أو مذهبية أو عرقية، وسدٌ كبير بوجه أي تدخلات خارجية أو مطامع استعمارية أو استهدافات خبيثة أو وصايا أجنبية.
فما بال الحروب الأهلية تنفجر في بلادنا منذ زمن غير قليل والاقتتال الداخلي ينهك الأوطان ويفتك بالمواطنين ونكاد لا نرى أحداً من قيادات هذه الأمة يبادر بمسعى لوقف الاقتتال المدان وإصلاح ذات البين بين ابناء الأمة الواحدة ولا نرى جامعة الدول العربية تقوم بمسعى للسلام والوئام وحتى منظمات الدول الإسلامية أفرغت يديها من أية مبادرة لوقف هذه الحروب. أليس موقف عبد الناصر الذي ذكرناه والتصرف المسؤول الذي قام به كافٍ للتأسي به ووقف حرب اليمن وكوارثها ومنع الطامعين من تحقيق مآربهم، وإنهاء الحروب والتآمر على سوريا وعودتها لمحيطها الطبيعي، والعمل الجاد والتضامن الفعلي لإقامة الدولة العادلة في العراق وإعادة بناء جيشه الوطني القوي البديل الطبيعي لكل الجماعات المسلحة المنتشرة.

لقد أصبحت بلاد العرب وشعبها بين صراعات دول طامعة وأمم متجاسرة ترمي إلى إنهاك أمة العرب وتقسيم دولها في ما بينها ومصادرة ثرواتها وإحكام السيطرة عليها من خلال مشاريع إحتلالية منها ما هو معلن عنها وآخر خافٍ إلى حين يأتي إظهاره. فهل تتدارك الدول العربية والحاكمين فيها هذا المصير قبل فوات الأوان؟