في الخمسينات كاد لبنان ينهار على يد «الحركة الوطنية» التي كانت تجمع كل الذين يجمعهم اليوم الثلاثي: الثنائي الشيعي والعونيين. إلاّ أن الله لطف فوقع انقلاب العراق وقام الجيش بمجزرة بالعائلة المالكة كلها..
منذ أن رحل العثمانيون والمنطقة العربية كلها بكل دولها في حروب بعضها مع بعض. حروب داعس والغبراء حتى الوحدة العربية التي ربطها عبد الناصر على الطريقة الباكستانية، دولة بقطعتين لم تستطع ان تصمد اكثر من ثلاث سنوات، لتدخل بعدها سوريا في حرب مع مصر! السعودية كانت في حرب مع اليمن حين كان الجيش المصري «مقيماً» فيها. المغرب والجزائر في صراع مميت بسبب الصحراء الغربية! مصر والسودان اللتان كانتا تاجاً واحداً صارت في حروب على طابا وغير طابا، الأردن ومصر أيام عبد الناصر و.. و.. لكن الذي يتأمل تاريخياً سبب حروب الدول العربية يلاحظ ان محرك هذه الحروب كلها هي قضية فلسطين. منذ هزيمة العرب سنة 1948 وكانوا كلهم متحدين ضد إسرائيل وخسروا الحكم مجتمعين ليتفرّقوا بعد ذلك الى الحروب، كل بلد عربي في حرب مع جاره من اجل تحرير فلسطين.
كان المقرر ان تتحد الدول العربية تحت راية الوحدة ولكن الدول العربية تركت تحرير فلسطين الى حروب فيما بينها، وكل دولة او عدة دول تفرز بطلاً لتحرير فلسطين. وكان طريق فلسطين يمر بالحرية والوحدة فإذا به يمر بالديكتاتورية والإنفصالات والحروب!
كان شعار تحرير فلسطين راية لوصول الجيوش الى السلطة، فوصلت الجيوش العربية ليس الى فلسطين بل الى السلطة. وهكذا فالعرب محكومون بالجيوش على خناقهم! وكل بلد محكوم بجيشه وبالمخابرات. والدولة التي ليست فيها مخابرات تسقط السلطة فيها بسرعة عجيبة!
وكل من لا يغني لفلسطين خائن! فالعرب خاضوا حروب تحرير فلسطين في الإذاعات، وكان أحمد سعيد بطل التحرير الذي هزمت على «صوته» مصر في اشنع هزيمة في تاريخها، والإستعراضات مستمرة! ومع الأيام تستفيق الشعوب. وبعد هزيمة 67 استفاق العرب على فقرهم وهزائمهم وحياة المخابرات التي تدخل كل بيت من اجل تحرير فلسطين.
استمرت حكاية التجارة بفلسطين وليس تحرير فلسطين نصف قرن وصار المزاج العربي مضحكاً كلما خاضوا حرباً لتحرير فلسطين ضاع جزء آخر من فلسطين، وصارت فلسطين او بالحقيقة التجارة بفلسطين مهزلة أمام العالم، إلى ان استفاق عرب على حالهم المزرية ورفعوا راية السلام. وقامت دنيا العروبة على هؤلاء الذين استفاقوا وصاروا الخونة والكفار.
ولبنان الذي كان جنة عدن العربية أمضى نصف قرن من الحرب الأهلية وبوسطة عين الرمانة الى اليوم وهو واقع تحت دويلة تحرير فلسطين وأمضى ربع قرن تحت الاحتلال السوري من اجل تحرير فلسطين. ولما خرج الاحتلال السوري دخل حزب الله لتحرير فلسطين ايضاً. وكان فن حزب الله في تحرير فلسطين بارعاً إذ دخل بوابة الطوائف وركب مركب الشيعة لتحرير فلسطين والشيعة ايضاً، من هنا صار ثقل حكمه على لبنان مضاعفاً لأنه صار يحمل عبء تحرير فلسطين وتحرير الشيعة. وفتح تحرير الشيعة الباب واسعاً امام حروب عربية تشمل إيران ودويلتها حزب الله، فصار تحرير فلسطين وراء تحرير الشيعة وصار لبنان الذي سقط الى القعر عالقاً على وزارة المال، وصار كل الحلال حرام وكل الحرام حلال.
تراجعت فلسطين كثيراً وتقدمت ايران التي فتحت جبهات وولايات واشعلت حروباً بين الدول العربية، فصارت فلسطين شعاراً لإيران ايضاً يمكّنها من اشعال الحروب وتحويل الدول كلبنان الى ولايات كما ولاية حزب الله، وصارت سوريا التي كانت قلب العروبة النابض مدمّرة تدميراً شبه كامل وصار اللاجئون السوريون يعدون نصف الشعب السوري موزعين على كل الدول المحيطة بسوريا، وصار طريق الوحدة والحرية البعثية يمر بطهران وبموسكو، وصار البعث سوفياتياً وكله من الملالي، وصارت الأمة العربية الواحدة ذات الرسالة الخالدة صارت «أمة فارسية واحدة ذات رسالة إيرانية» وصار تحرير فلسطين في خبر كان.
وقسمت ايران لبنان الى عشائر ودويلات تتولى الولاية عليها دويلة حزب الله، وصارت قضية فلسطين في وزارة المال اللبنانية.
أيام الإنتداب الفرنسي كان لبنان جنة وكان ثقافة وعلم ومستشفيات ومدارس ومطاعم ومختبرات و.. و...
من أجل تحرير فلسطين ولدت الدويلات الفارسية وصارت فلسطين في خبر كان.
وكان في لبنان شعب لبناني، حرّرته ايران بقسمته الى ثلاث دويلات تحكمها الدويلة الشيعية وصار الدستور مستنداً الى وزارة المال مطوباً الى طائفة ودويلة.
وخرجت فلسطين من التاريخ لتدخله إيران وملاليها في حروب لم تكن تنقص العرب، ولكن العرب كانوا يتقاتلون فيما بينهم تحت اسطورة فلسطين صارت اليوم الحروب العربية اكثر وأكبر لتحرير فلسطين وايران!
كان العرب يتقاتلون منهم من انضم الى روسيا ومنهم من انضم الى اميركا، صار العرب اليوم مع كل الدول المتحاربة يتحاربون من اجل انسان عربي ضاعت ثقافته وحضارته وعلمه وفكره ليدخل في حديقة الحيوانات! والى دويلات تحكمها وزارة المال!
«السياسة ما إلها دين وتتمايل شمال ويمين هي سر الكذابين هي روح الظالمين».
كتب عمر الزعني منذ ثلاثة ارباع القرن: «القلوب مليانه والجيوب فرغانه والنسوان هربانه والأطفال جوعاني والحكومة غرقانه بوزارة المال».
هل التاريخ الإنساني هو حكاية فرص ضائعة؟
فرص كانت سانحة لصنع السلام بمعناه الأوسع والأشمل لكن سلطان العقل تخلى عنها ونوازع السيطرة استولت عليها وكانت النتيجة أن أصبح التاريخ الإنساني صراعات طويلة ومستمرة دامية ومنهكة.
ولكن الواقع هو ان الطبيعة البشرية في حقيقتها صراع بقاء للأقوى وللأقدر. ذلك قانونها وغيره استثناء لا يقاس عليه.
إنّ العقل العربي يخاف من الحقائق فيلجأ الى السحر وشرب فناجين القهوة والمراسلة لقد جربنا ولكننا فشلنا، جربنا رسم بلاد لها برلمانات من الورود والياسمين ولا يتجول فيها العسكر ولا رجال الدين ولكننا فشلنا.
نجح التخلف باعتقال كل الشعوب العربية وحتى احلامها صارت خلف السجون معتمداً على «العنطزة» العقائدية.