بيروت - لبنان

اخر الأخبار

14 كانون الثاني 2023 12:00ص من المسؤول عن الفوضى في لبنان؟

حجم الخط
أكثر ما يُقلِقُنا في هذه المرحلة الحرجة من تاريخ لبنان هذا الكّمْ من الفوضى في ممارسة العمل السياسي وما تشهده الساحة اللبنانية حالياً من إنتشار لمفردات غير معهودة في مبادئ العلم السياسي خصوصاً ما يحصل من نقاشات عقيمة مرفقة بسجالات سياسية هدفها ضرب ركائز الدولة على حساب دويلة قائمة خلافاً للدستور اللبناني. أضفْ إلى ذلك الأمر الرديء عدم وجود بصيص أمــل لإيجاد مخارج لائقة للأزمة اللبنانية أو إضفاء طابع ما إيجابي من شأنه تبريد الأجواء ريثما تتم المعالجات سواء أكانتْ عربية أو دولية.
مع الفراغ في مقام رئاسة الجمهورية ومع تزامن خروج موظفين من القطاع العام إلى التقاعد يكبر الفراغ في إدارات الدولة وتزداد حدّة الإستقطاب السياسي وسط إنتشار ملفت لإتهامات بين المسؤولين اللبنانيين لم تكُنْ سائدة في الأيام الماضية أيام حكم فيها: رياض الصلح، صائب سلام، كمال جنبلاط، صبري حمادة، كامل الأسعد، كميل شمعون، ريمون إده، سليمان فرنجية، نصري المعلوف، مخائيل الظاهر وغيرهم من عظماء الجمهورية اللبنانية. الأمر المؤسف حالياً أنه ليس في الأفق مع هذه الطبقة السياسية الحاكمة ما يؤشِّر إلى تراجع حدّة الخطاب المتداول بل إنّ المؤشرات السائدة لدينا كمراكز أبحاث تحفّزُنا على القول «أنّ هناك المزيد من الإنحدار في النقاشات السياسية التي قد توصلنا إنْ إستمرّت على هذا المنوال إلى حرب داخلية».
إستناداً للعلم السياسي لا بُدّ أنْ تكون الممارسة السياسية السليمة ممارسة حديثة تعتمد على القوانين وليس على الإجتهادات الضيقة، ومن المستحسن أنّ تكون هذه الممارسة مبنية على أسُس حديثة لا كما تُمارس اليوم بأداوت النكد والرياء والكذب والبيع والشراء، وهي أساليب لا تُجدي نفعاً كما أنّ الممارسة السياسية العقلانية علمياً هي نقيض الخصوصية داخل الدولة لا كما هو حاصل اليوم ممارسة سياسية كناية عن مصالح خاصة وضرب القواعد الدستورية. ما من أحد من المسؤولين المدنيين والعسكريين ورجال الدين مُعفى من الهرطقة السياسية الممارسة والكل مُلزم بما يرد في الدستور وللتذكير إنّ المادة 62 من الدستور تنص «في حال خلو سدّة الرئاسة لأية علّة كانت تُناط صلاحيات رئيس الجمهورية وكالة بمجلس الوزراء»، كما تنص المادة 64 «رئيس مجلس الوزراء هو رئيس الحكومة يمثلها ويتكلم بإسمها ويعتبر مسؤولاً عن تنفيذ السياسة العامة التي يضعها مجلس الوزراء وهو يمارس الصلاحيات الآتية: [منها على سبيل المثال وليس الحصر] 1- يرأس مجلس الوزراء ويكون حكماً نائباً لرئيس المجلس الأعلى للدفاع...» بطبيعة الحال وبسبب التركيبة الطائفية والمذهبية المعقدة التي تقوم على جملة من التناقضات والإختلاف السياسي وما درجت عليه الممارسة القائمة فإنّ الأمور ذاهبة نحو أزمة تشي بالفوضى وقد لا تُحمل عقباها، لأنّ معطّلي إنتخاب الرئيس هم أنفسهم التوّاقون إلى ضرب أسُس الديمقراطية التي تقوم عليها الجمهورية اللبنانية.
لا يَحُقْ لأيٍ كان وتحت أية ذريعة أنْ يعطِّل عمل المؤسسات نحن أمام أمر واقع مبني على قاعدتين جوهريتين الأولى: من الطبيعي أننا أصبحنا في حالة فراغ رئاسي ونحن أمام حكومة تصريف أعمال وممارستها مهام تصريف الأعمال تفرضه المادة 64 من الدستور توجبه ضرورة إستمرارية سير المرفق العام في الدولة ودونما إبطاء وذلك ضمن الصلاحيات المعطاة لها علماً أنّ الفراغ في المؤسسات الدستورية  يتعارض والغاية التي وجد من أجلها الدستور ويضع البلاد في المجهول، كما على المُشكّكين في إدارة الفراغ في مرحلة الفوضى السياسية مراجعة ما تمّ إصداره المجلس الدستوري في قرار يحمل الرقم 2014 الصادر بتاريخ 28 تشرين الثاني 2014، أما القاعدة الثانية على المجلس النيابي ضرورة الإلتئام لإنتخاب رئيس جديد للجمهورية وإلاّ سقطت الوكالة المعطاة للسادة النوّاب من قبل الشعب.
من المسؤول عن الفوضى السياسية في لبنان؟! هل هو حكم الدويلة أو التعددية الفائضة في الطروحات؟! إنّ الواقع السياسي اللبناني يفتقر إلى المصداقية والنزاهة والسياسة السليمة. إنّ المسؤول عن الفوضى السياسية في لبنان هم القادة الحاليين رؤساء أحزاب وزراء نوّاب إضافة إلى الأتباع الذين هم بمثابة الخزّان الذي يُعتمد عليه لإفشال أي مسعى يُنهي هذه الحالة الشاذة، إنّ الجمهورية اللبنانية بحالتها الراهنة ومع هؤلاء القادة مُصابة بعقم سياسي عسكري إقتصادي مالي كبّل العمل السياسي السليم فيها ودويلة قامتْ على أنقاض الجمهورية بنتْ امبراطوريتها فوق قاعدة عنوانها إغتصاب الديمقراطية التي أفرزتْ جنيناً لقيطاً أسموه الإنتخابات النيابية الأخيرة... وللأسف في كلتا الحالتين إنّ التجربة الديمقراطية في لبنان أصِيبتْ بخلل تكويني يصعب معالجته مع هذا الطقم السياسي القائم.
كباحث في العلم السياسي وبعد إستشارة خبراء لديهم ما يكفي من الخبرة والممارسة على صعيد الوطن وحتى العمل الدبلوماسي ألقي الملامة على قصور القانونيين وضعف الفكر السياسي في إقناع الناس بضرورة التغيير وإعتماد أسلوب سياسي جديد وحتى ضعف التواصل مع الناس إضافة إلى شيطنة العمل السياسي من قبل المسؤولين السياسيين وهذا يدفعني إلى القول إنّ المسؤولية تقع على السياسيين في لبنان ونحن بحاجة إلى مراجعة فاعلة لإنضاج مسيرة فكرية ثورية جديدة، وإلّا سنبقى في دوّامة السؤال الذي طرحته عنوانًا لهذه المقالة.

* كاتب وباحث سياسي