بيروت - لبنان

اخر الأخبار

3 تشرين الثاني 2020 12:02ص من حقنا أن نسألكم؟!

حجم الخط
لا جدال بأنّ الأوطان العربية وأنظمتنا التي نعيش في ظلّها اليوم تتربّع فوق عروشها ومواقعها الرسمية طبقةٌ كان ينبغي لها أن تكون هي المؤتمنة على البلاد والعباد وعلى أمتها واستقرارها، وأن تكون هي المسؤولة عن تقدّم وازدهار هذه الأمة وعن حقها في الحرية والكرامة، وأن تكون هي القادرة على حفظ الوطن والسيادة وتوفير المشاركة الديموقراطية السليمة للشعب ومقاومة الأعداء والطامعين بالأرض والثروات. فهل هذا هو الواقع العربي اليوم؟!

إنّ معظم أوطاننا وأنظمتنا تعاني في اللحظة الراهنة وما قبلها بسنوات طويلة حروباً داخلية باتت أشبه بقطعة شطرنج دموي أو طاولة ألعاب تمارس فوقها كل صنوف القتل والاقتتال بالسلاح الذي تحصل عليه بأثمان باهظة، ليشتدّ بذلك الفتك، وتتوسّع مساحات الحروب الأهلية التي يلقى فيها خيرة الشباب العربي حتفهم المحتوم، وتهدم جرّاءها عواصم ومدن وبلدات، وتسقط معها معالم الحضارة والتاريخ والآثار الشاهدة على مجد أمتنا وأوطاننا. وعليه، تأتي القوى الأجنبية المتعددة الجنسيات إلى بلادنا مرة بالتدخّل ومرات بالاستدعاء من أجل الحماية أو الدعم أو النجدة، فإذا بهذه القوى تمارس فوق أراضينا لعبة الأمم والصراعات الدولية وتفرض علينا سلطانها وإرادتها بالسيطرة والنفوذ والوصايات المختلفة، وتقتسم من أراضينا حصصاً لها تقيم عليها قواعد عسكرية لجيوشها أو مقرات شاسعة لدبلوماسييها واستخباراتها. ويبقى السؤال الذي يقتحم عقولنا بل كل حياتنا: ألم يكن ممكنا أن نرى مبادرة إنقاذية واحدة تأتي من دولة عربية أو من زعيم عربي مرموق أو من جامعة دولنا العربية، لتوقف مسلسل الانهيار المستمر أو شلال الدم المتواصل فوق ترابنا، وتضع من ثم حداً للاقتتال العربي العربي، بدل تدويل قضايانا العربية وتركها للأجانب الاقليميين والدوليين، أعداء وأصدقاء، ليكونوا هم المستفيدون الوحيدون من حروبها ومن استمرارها بهدف تحقيق مصالحهم الامبراطورية الخاصة؟ ألا يعلم أصحاب الرأي والقرار العرب أن بين هذه الدول أعداء لا يضمرون للعرب ولأوطانهم ولشعوبهم سوى الشر والاستعمار والاحتلال، وهم الأعداء الأساسيون للأمة أميركا وإسرائيل، وفي المقابل دول أخرى قد يكون تصنيفها في دائرة الصداقة، ومع ذلك فهي ترمي علنا لزيادة نفوذها وبسط سيطرتها على الجغرافيا العربية. إن الواقع يؤكد بما لا يدع مجالاً للشك بأن الجميع يسعى لاقامة قواعد عسكرية له في بلادنا وإنشاء ميليشيات باسماء شتى ومنع قيام الدولة الوطنية والجيش الوطني. لقد باتت المنطقة العربية ودولها جراء حالة الفراغ الشامل التي سادت منذ مطلع السبعينات مفتوحة أمام كل الطامعين والحالمين إما باستعادة أوهام امبراطورياتهم المندثرة أو التوسع على حساب الأرض ونهب الثروة العربية. وهي الآن تقف بين مشاريع متنافسة من الشرق والغرب، كأنها تنتظر مصيرها المجهول كما في سايكس بيكو الذي زرع فيها الكيان السرطاني الغريب المتمثّل بالكيان الصهيوني للقضاء على فلسطين وإزالتها أرضا وشعبا وهوية عربية.

ماذا سيكون مصير منطقتنا العربية دولاً وشعوباً حينما تجري الصفقة والتسوية بين تلك المشاريع الخارجية الطامحة للسيطرة علينا؟ بل ماذا أنتم فاعلون أيها القادة والمسؤولون وأين هو موقعكم اليوم بين الأمم والدول؟ وما هي مواقفكم في مواجهة تكالب المشاريع الاقتلاعية والتصفوية الزاحفة بينكم؟ هل ستبقى سياستكم تفرّق ما جمعته الطبيعة لكم، وما جمعه التاريخ والجغرافيا واللغة بين أيديكم كمصادر قوة لا تنضب في ما لو احسنتم استخدامها واستثمارها؟ ألستم أنتم المعنيين بقضاياكم وبإيجاد حلول لنزاعاتكم منعاً لتدخّل الآخرين بشؤونكم، عدواً أم صديقاً، والسيطرة على قراركم؟ لقد أصبحتم للأسف كالزبد الذي يذهب جفاء، وكأعجاز النخل الخاوية، وها هو لبنان يُنذر الأصدقاء قبل الأعداء بزواله واضمحلال كيانه. وهذه سوريا يستعدون لتقسيمها وتوزيع أراضيها وثرواتها بين دول صديقة وأخرى عدوّة. وهذا العراق يتكالب الأعداء والجيران عليه لمنع عودة الدولة الشرعية إليه، وبقائه وجوداً سائلاً للميليشيات المسلحة وللاقتتال الطائفي والمذهبي الذي لا ينتهي أبدا. وهذا السودان المنتظر إخضاعه بالتجويع والعقوبات وفرض التطبيع عليه، وهذه ليبيا وحروبها المستمرة خدمة لمصالح الغرباء والمحتلين، وهذا اليمن الفالت من كل معيار والضائع بين المصالح الأجنبية المتضاربة فوق أرضه. وكل ذلك من دون أن ننسى فلسطين الجريحة أبداً والتي يُمعن العرب في نسيان قضيتها يوما بعد يوم غير آبهين بما يترتب على ذلك من صفقات ستجرّ حتماً سكين المحتل فوق رقابهم جميعاً.

بعد كل ذلك أليس من حقنا أن نسألكم إلى أين تأخذوننا؟ وإلى أين المصير معكم؟