بيروت - لبنان

اخر الأخبار

18 آب 2018 12:03ص من حكايا لبنان السياسية المنسيّة كيف أُفشلت جلسة انتخاب الرئيس فرنجية عام 1988؟

حجم الخط
تفيد تجاربنا السياسية على مر تاريخ لبنان الحديث، أن الفتنة كان لها دائماً من يوقظها وكان لها دائماً من يحركها ويشعلها، لتبقى البلد في حالة من المراوحة لا تحسمها أي تسوية، لأن فئة أو فئات سياسية معينة، لا تقيم وزناً لقيم اختلاف الرأي، فتقف حجرة عثرة أمام تطوير أي تسوية نحو تعميق الوحدة الوطنية وتطوير النظام السياسي والممارسة الديمقراطية، بشكل يكاد يصح فيه القول إن طبقة تريد أن تتحكم بمقدرات البلاد السياسية والاقتصادية والاجتماعية لا تجد غضاضة في نقل البارودة من كتف إلى كتف، والموقف الذي تراه مناسباً الآن في مسألة دستورية قد تنقلب عليه تماماً في الغد.
الأمثلة على ذلك أكثر من أن تحصى، حتى يمكن القول إن لبنان أكثر بلد في العالم حدثت فيه تغيرات سياسية، كانت تدفعه على الدوام إلى مناطق خطرة تهدد كيانه ووحدته، حتى ان تقاليد ومفاهيم دستورية راسخة، مرّت في كثير التجارب والممارسات الديموقراطية، تصير عند البعض وفقا لتبدل الولاءات والقناعات، كحال نصاب الثلثين الذي هو الشرط الدستوري لانتخاب رئيس البلاد، وكيف يتحول عند البعض احيانا إلى أكثرية بسيطة.. حتى بمن حضر؟!
يذكر هنا، ان القوى الوطنية والإسلامية كانت قد عجزت في العام 1976 عن توفير ثلث عدد النواب زائدا واحدا لمقاطعة جلسة انتخاب الرئيس الياس سركيس في 8 أيار، كما عجزت في 23 آب 1982 عن توفير هذا الثلث حيث بقي ينقصها نائب واحد، في جلسة انتخاب قائد القوات اللبنانية بشير الجميل، وفي العام 1988 تم منع عقد جلسة آب التي دعا إليها الرئيس حسين الحسيني، لانتخاب المرشح الوحيد الرئيس سليمان فرنجية.
يذكر أن الرئيس سليمان فرنجية كان قد أعلن ترشيحه في مطلع شهر آب، وعند الموعد المحدد للجلسة في 18 آب عمل رئيس الجمهورية آنئذ أمين الجميل، وقائد القوات اللبنانية سمير جعجع وقائد الجيش ميشال عون على منع عقد الجلسة، وإن كان لكل واحد حساباته.
فراح الجميل وجعجع يعملان لمنع النواب من الوصول إلى مجلس النواب للحؤول دون اكتمال النصاب، وفي ليل الجلسة المقررة للانتخابات، وزعت القوات اللبنانية مسلحيها في مكان كان يسمى «المناطق الشرقية» لمنع النواب من الخروج من منازلهم والحؤول دون الوصول إلى المجلس النيابي.
وتعاون معهم رئيس الجمهورية في هذا السعي ولو لأهداف مختلفة.
فالجميل كان يأمل بأن يكون الرئيس الجديد صديقاً له يتعاون معه كرئيس ويعطيه كرئيس سابق دوراً في الشأن العام، والقوات كانت تريد تكريس أمر واقع تعيشه البلاد.
أما قائد الجيش فكانت له حساباته أيضاً، وعند يوم الانتخاب توزعت حواجز القوات اللبنانية، وفي كل مكان فعملت على خطف النواب أو منعهم من متابعة سيرهم نحو مبنى مجلس النواب.
ويروي الوزير السابق ايلي سالم أنه في يوم الانتخاب خطف بعض النواب الذين تجرؤوا على تحدي الحواجز حتى الظهر حين أعلن إلغاء الجلسة بسبب عدم اكتمال النصاب، وحين زرت أحد النواب في وقت لاحق لتهنئته بالإفراج عنه، راح يروي قصته أمام الزائرين قائلاً بتأثر: «فيما كنت أتوجه بسيارتي إلى المجلس، أوقفني المسلحون، وطلبوا مني هويتي، فقلت لهم إني نائب ذاهب إلى المجلس للقيام بواجبي الوطني، ها.. ها.. ها.. أجاب المسلحون... نائب يا له من صيد ثمين»، الجدير بالذكر أن النائب الوحيد الذي عجزت القوات عن منعه وحجزه هو النائب البير مخيبر الذي تحدى الحواجز وتابع سيره ووصل إلى مجلس النواب.
بأي حال، كان قد وصل إلى مبنى المجلس في تلك الجلسة أكثر من نصف أعضاء المجلس النيابي، لكن الرئيس الحسيني اعتبر الجلسة فاقدة للنصاب لأن المطلوب الثلثين، وكان بإمكانه لو كان نصاب الجلسة الثانية يقوم على نصاب النصف وما فوق أن يدعو مساء أو في اليوم التالي لجلسة ويجري الانتخابات، وفعلاً طلعت بعض الأصوات التي تطالب بذلك، لكن اعتبرت هذه الخطوة غير دستورية ومخالفة للأصول والقوانين والأعراف.