بيروت - لبنان

اخر الأخبار

25 تشرين الأول 2018 12:00ص من حكايا لبنان السياسية المنسية الدستور بين آل بوربون والشريف حسين.. والجمهورية الفرنسية الثالثة

ميشال شيحا ميشال شيحا
حجم الخط
في شهر تموز عام 1925 اندلعت الثورة العربية الكبرى في سوريا، وبدأت تتناهى إلى الأسماع اخبارها وخروج المتظاهرين إلى الشوارع، فانشغل بال الفرنسيين وتلبد الجو وتضاءل إهتمام المندوب السامي الفرنسي الجنرال سارايل في لبنان، وكان من آخر قراراته أنه استبدل مندوبه ريمون، برئيس غرفته المسيو سولومياك، وانصرف بكليته إلى شؤون سوريا الشائكة، ولما وصل إلى دمشق استقبلته المدينة بتظاهرات صاخبة واحتل المتظاهرون بعض المخافر، وكادوا ينفذون إلى المراكز الحكومية الحساسة، وبلغت الحماقة بالقائد المستهتر «أن أمر بضرب المدينة غلى غير هداية، وسقطت الضحايا وساد الذعر، فقامت القيامة على تلك السياسة الخرقاء والاعمال الهمجية».
مفوض جديد
دامت هذه الثورة «أكثر من سنة تكبد فيها الفرنسيون خسائر عسكرية ومادية كبيرة، وامتدت الثورة إلى لبنان، مما أدى إلى إضطراب الوضع السياسي والاقتصادي، إضطراباً شديداً في البلدين، وظهرت النقمة على أعمال رجال الإنتداب في مكل مكان، حتى في صفوف أصدقاء فرنسا، فرأت باريس أنه لا بد لها من نهج جديد تنتهجه يحول دون التدهور الكامل، فأقالت مفوضها السامي الجنرال سارايل، وأبدلته بمفوض مدني من أعلام البرلمان الفرنسي هو مسيو هنري دو جوفنيل، الوزير السابق، وعضو مجلس الشيوخ واحد أصحاب جريدة «لوماتنا» «الباريسية الشهيرة».
نجح المفوض السامي الفرنسي الجديد دو جوفونيل في تهدئة الخواطر في سوريا بعدما جال في المدن والقرى السورية، كما نجح أيضاً في التخفيف من وطأة الإنتداب في لبنان، حينما نزل إلى مجلس النواب، وألقى خطاباً قال فيه: «أن عهد الاستشارات قد انتهى.. وسأطلب من حاكم لبنان الكبير أن يدعو مجلسكم إلى دورة استثنائية يوضع فيها دستور لبنان».
استقبل سياسيو لبنان هذه البادرة بارتياح، فرأوا في صاحبها طرازاً مختلفاً عن المفوضين العسكريين الذين سبقوه، واعتبروا بادرته إيذاناً بعهد جديد.
الدستور ليس منّة
لقد غاب عن أكثر الناس يومئذ أن الدعوة لوضع الدستور لم تكن تكرماً من المفوض السامي الجديد، ولا من حكومته، وإنما هي واجب قانوني دولي وإرغامي، فقد نص صك الانتداب في بنده الأول على وجوب وضع الدول المنتدبة، في مهلة ثلاث سنوات، تبدأ يوم مباشرة تنفيذ هذا الانتداب، دستوراً لسوريا ولبنان، ويعد هذا الدستور بالإتفاق مع السلطات البلدية.
بأي حال، فقد كان هذا الإعلان من قبل دو جوفنيل خطوة هامة، والدستور امنية اللبنانيين، وفعلاً بادر المجلس التمثيلي الى انتخاب لجنة لوضع الدستور برئاسة موى نمور وعضوية ميشال شيحا وشبل دموس وعمر الداعوق ويوسف الخازن وفؤاد ارسلان ويوسف سالم وجورج زوين وبترو طراد وروكز أبو ناضر وصبحي حيدر ويوسف الزين وجورج تابت وعبود عبد الرزاق، وقد اختارت هذه اللجنة ميشال شيحا مقرراً لها، فيما عين المفوضية الفرنسية العليا كلا من شارل دباس والمستشار القانوني مسيو سوشيه لمؤازرة اللجنة.
ويذكر الرئيس بشارة الخوري أنه «أوكل إلى هذه اللجنة إستشارة الهيئات الرسمية وأصحاب الرأي من كبار الموظفين والقضاة والمحامين، فانقلب المجلس التمثيلي منذ لحظة تأسيس هذه اللجنة إلى مجلس تأسيسي.
استفتاء شعبي
ويقول عضو اللجنة يوسف سالم ان اللجنة رأت أن تقوم باستفتاء شعبي على بعض النقاط المحددة فوجهت إلى رؤساء الطوائف الدينية والموظفين، وكثير من الشخصيات والأفراد اسئلة تتعلق بالأسس التي يجب أن يقوم عليها الدستور وأهم تلك الأسئلة:
1- ما شكل الحكومة: ملكية أو دستورية أو جمهورية.
2- هل يجب ان يتألف البرلمان من مجلس واحد أم من مجلسين؟
3- هل تكون الوزارة مسؤولة أمام رئيس الدولة أم أمام البرلمان؟.. وغيرها من الأسئلة.
أجوبة مثيرة
ويؤكد يوسف سالم هنا، أن «اللجنة تلقت اجوبة مختلفة بعضها مثير وبعضها طريف وكثير منا بعيد عن جور الموضوع الذي من أجله بعثت الرسائل، فمنهم من طالب بالملكية، كنظام سياسي للبنان، وتعيين أحد أفراد عائلة بوربون ملكاً! ومنهم من طالب بجعل لبنان إمارة على أن يكون أحد أبناء الشريف حسين أميراً إلى آخر ما هناك من اقتراحات».
وكما يقول يوسف سالم: «فإن اللجنة لم تنتظر ورود الأجوبة بل نشطت للعمل على الفور، ولم تكن الرسائل قد وصلت إلى اصحابها بعد، حين بدأ ميشال شيحا يضع نصوص الدستور مستلهماً الدستور الفرنسي الصادر سنة 1875 – دستور الجمهورية الفرنسية الثالثة – ومستمداً منه معظم نصوص الدستور اللبناني العتيد»، «وكان أيضاً من الحكمة أن تستأنس بالدستور الفرنسي حتى يطمئن المفوض السامي ولا يقيم العراقيل في وجهها».
ويؤكد الرئيس بشارة الخوري في هذا المجال «أن اللجنة وضعت النصوص جميعها بالاتفاق مع شارل دباس والمسيو سولومياك مندوب المفوض السامي والمسيو سوشيه المعين خصيصاً لهذه المهمة، وقد أظهر هذا الاخير تفهماً للوضع الجديد، ووضعت نصوص تحفظ حقوق الإنتداب الفرنسي، وتقضي الحقيقة بأن نقول أنه لم يكن بالإمكان في نوار 1926 أن تنال البلاد أكثر مما نالته، إذ لم يكن بمقدور اللبنانيين إلا صعود السلم درجة درجة.
جدل حول الطائفية
وأثناء وضع نصوص الدستور أثير الكثير من الجدل بين أعضاء اللجنة حول مسألة الطائفية، ويؤكد يوسف سالم أنه «حصلت مشادة حادة بين شبل دموس وصبحي حيدر من جهة، وميشال شيحا من جهة أخرى.. دموس وحيدر أصرّا على وضع نص يراعي الطائفية ويحدد على أساسها توزيع الوظائف في الدولة، أما ميشال شيحا فعارض هذا الرأي، وقال انه إذا كان قانون الإنتخاب قد بني على التمثيل الطائفي، فلا يجوز وضع نصوص طائفية في صلب الدستور من شأنها أن تحدث إنعكاسات سيئة على تطور البلاد ومستقبلها.. واستغرق النقاش حول الطائفية وقتاً طويلاً، إلى أن رجحت كفة – الطائفيين – فوضع نص المادة 95 التي جاء فيها: «بصورة مؤقتة وإلتماساً للعدل والوفاق تمثل الطوائف بصورة عادلة في الوظائف العامة وبتشكيل الوزارة، من دون أن يؤول ذلك إلى الإضرار بمصلحة الدولة».