بيروت - لبنان

اخر الأخبار

31 آب 2021 12:02ص من لا تاريخ له لا مستقبل له

حجم الخط
يطلب منا الغرب أن نتوقف عن الحنين لماضي الأمة ويتهموننا بأننا لا نستطيع تخيّل المستقبل، ويصوّرون الحضارة بأنها كالرجل العجوز، ويتناولون ما قاله أرسطو «ان الشباب يتحدثون عن المستقبل لأن ليس لديهم ماضي، وكبار السن يتحدثون عن الماضي لأن ليس لديهم مستقبل».

نتساءل أليس أرسطو من الماضي ويستحضرون أقوالاً له في معرض الكلام عن المستقبل فنقول لهؤلاء:

في تاريخنا أمجاد وبطولات لا يمكن شطبها ونسيانها بل نريدها أن تكون حافزاً لنا لبناء مستقبلنا، فشريعة حمورابي صدرت وكتبت على أرض العراق، وان كلمة الأبجدية في اللغة العربية وكلمة «Alphabet» المستعملة في معظم اللغات الأجنبية والمؤلفة من أول حرفين الألف والباء، هما الدلالة للأصل الفينيقي لجميع اللغات المستعملة في عصرنا الحديث، والفينيقيون أبناء بلادنا هم الذين نقلوا هذه المعرفة الى الاغريق لإنشاء لغتهم الخاصة، ونذكر بأن بيروت هي أمّ الشرائع في وقتٍ كان لا وجود لأي شريعة تنظم الجماعات في العالم بحينه، والتطور الفكري والطبي شاهدٌ تاريخيٌ على تقدّمنا، وكذلك التطور العمراني بالأندلس، واكتشاف انشقاق الذرة حصل من هذا الوطن الكبير، ولولا حريق الأندلس بمكتباتها العربية كانت ستنقلنا بما جاء فيها بين الكواكب قبل أي جهة.

نؤكد ونقول أيضاً بأنه لا يستقيم التخطيط للمستقبل بِكَي الماضي ونسيانه، والبكاء على أطلاله، بما فيه من أمجاد وبطولات وكذلك من إخفاقات والاستفادة منها لنصل الى النتائج المرجوّة.

فالغرب لم يتركنا لحظة حيث يعمل وبكل إمكانياته ليبعدنا عن تاريخنا، ويمنعنا من التفكير بمستقبلنا والتخطيط له، ويعمل على قتل علمائنا في كل مرة يظهر فيها عربي يحمل فكراً علمياً بذكاء بارز، وهذا حصل ويحصل خلال دراسته في جامعات الغرب ويحصل خارجها أيضاً كما اغتالوا العالم اللبناني حسن كامل الصباح مخترع الكهرباء، وهكذا لاحق الأميركيون تنفيذ قتل علماء العراق واحداً واحداً عند احتلاله في العام 2003، حيث قتلوا منهم أكثر من خمسمائة عالم وما زال يحصل من قتلٍ أيضاً لهؤلاء العلماء من أعداء الأمة في البلاد العربية والإسلامية، كل ذلك لمنع الأمة من البناء والنهوض والتقدّم.

ونعيدكم الى ضرورة قراءة مذكرات هنري كيسنجر وزير الخارجية الأميركي الأسبق الذي يشير فيها كم كان سعيداً بنبأ وفاة الرئيس عبد الناصر واعتبر «ان الوقت أصبح مناسباً للوصول لحل سلمي للصراع بين مصر وإسرائيل بشرط أن يكون هذا الحل أميركي ويتضمن أربعة شروط:

1- طرد النفوذ السوفياتي من المنطقة كلها.

2- بترك مصر ضعيفة غير قادرة على التأثير بأي نفوذ على الإطلاق في العالم العربي.

3- أن تظهر التجربة الثورية التي قادها عبد الناصر في مظهر التجربة الفاشلة.

4- أن لا يتماشى الشباب على نهج عبد الناصر وإلا سيظهر ناصر جديد يكون عقبة لمصالحنا».

هذا هو الموقف الاستراتيجي الأميركي والصهيوني ضد أمتنا، وعلى ضوئه توضع كل المخططات الأمنية والمخابراتية والعسكرية والسياسية والاقتصادية وسواها لتعطيل مسيرة الأمة والعمل على كَي الذاكرة بكل الطرق المتاحة.

هذا يستدعي منّا أن نكون متضامنين مع أنفسنا أولاً ودائماً مع مصر عاملين على دعمها بكل قوانا، وأن نؤكد بإصرار دائم معتمد على إيمان ثابت بأن تجربة ناصر هي من أنجح التجارب الثورية في تاريخنا الحديث بحيث وضعتنا بفاعلية حاسمة على خريطة العالم، وأن نعمل وبكل تصميم بأن نضع نهج عبد الناصر بكل ثوابته وحيثياته ونتائجه أمام شباب الأمة باعتبارهم عديدها وفكرها لبناء نهضتها، وأن نعمل على تعميم ثقافة المقاومة ضد الأعداء والصهاينة لتحرير أرض فلسطين الطاهرة، وضد الجهل والفقر والاستبداد والفساد والفاسدين عاملين على أن تكون العدالة والمساواة واحترام حقوق الإنسان وسيادة حكم القانون والحفاظ على ثرواتنا عنوان العمل لنهضتنا.

لن نستكين ولدينا الأمل والطموح والإيمان والتفاؤل بأن المستقبل سيكون أفضل، ومن أهم أولوياتنا تعطيل جهود الأعداء ومؤامراتهم العاملين لِكَي ذاكرة الأمة حيث أن المعين الذي يقتضي الواجب القومي أن نتوجه إليها دائماً.

قديماً قيل «من لا تاريخ له لا مستقبل له»، ونطمئنهم بأن ظهور ناصر جديد في هذه الأمة أمر حتمي مهما اشتدّت المؤامرات علينا.



* الأمين العام السابق لاتحاد المحامين العرب