بيروت - لبنان

اخر الأخبار

10 آذار 2022 12:01ص «منظمة العمل اليساري الديمقراطي العلماني».. تَجاوُز الماركسية

«مشروع إنقاذي» للحوار.. وقيادة جماعية بدل الأمانة العامة

حجم الخط
لا يتعب القيادي اليساري «العتيق» في «منظمة العمل الشيوعي» سابقاً، «منظمة العمل اليساري الديمقراطي العلماني» حاضراً، زكي طه، من شرح أبعاد الخطوة التحوُّلية لمنظمته في سبيل مقاربة زمن جديد عبر أدوات تحاكيه مغايرة للماضي. 

 قبل ساعات من حوارنا مع طه كان الرجل قد أنهى لتوّه فعاليات الإعلان عن الإسم الجديد الذي قد يكون اختصر ما تمخض عنه مؤتمرها العام الخامس قبل أسابيع، وذلك في مؤتمر صحافي ضاق به مقر المنظمة في وطى المصيطبة.

 اليوم تبدو المهمة صعبة بعد أقل بقليل من عامين على غياب المؤسس محسن إبراهيم الذي لطالما اختُصرت المنظمة بوهجه والذي استهل نفسه تلك المراجعة («اللواء» 7 نيسان 2021). وفي ظل الغياب سيؤول الأمر الى قيادة جماعية تسلّم طه رئاسة مكتبها التنفيذي بعد التخلي عن الأمانة العامة، علماً بأن المنظمة ليست الوحيدة في ذلك الإجراء الذي سبقتها إليه أحزاب أخرى لا تقتصر على اليسار.

 يسترسل طه في الحديث بدءاً من إرهاصات هذا القرار الذي جاء بعد نقاشات سياسية وفكرية وتنظيمية طويلة إنتهت بطرح «مشروع إنقاذي» للحوار بين اللبنانيين. نقاشات شملت هوية الحركة ومرجعيتها الفكرية وبرنامجها السياسي ودورها في مرحلة حالية جدّ دقيقة. 

إعادة بناء اليسار.. ودولة الرعاية

 العنوانان المفتاحان هنا هما التجديد واليسار الذي لم تتخلّ عنه الحركة لكنه سيشكل قاعدة انطلاق تأسيسية جديدة بخيارات اشتراكية غير متحجرة بالحتميّات الماركسية، مثلما سيشكل مساهمة في إعادة بناء اليسار ومعه حركة شعبية تسند هذا التغيير.

 وبذلك تستمر المنظمة بحسبها بالانطلاق من واقع أزمة الرأسمالية وعجزها عن التكيف مع المستجدات وتصاعد المنازعات والحروب، ولعل الحرب الاوكرانية تشكل دليلا بارزا على ذلك مثلما تشكله أزمة مجتمعات المراكز الرأسمالية المتقدمة التي تشهد تجدد الحركات العنصرية، جراء فشل الردود الليبرالية على أزماتها.

 هنا يؤكد طه أن انتشار وباء كورونا أكد أن لا بديل عن إعادة الاعتبار لدولة الرعاية الاجتماعية بين مكوناتها وطبقاتها وفئاتها، علما أن أزمة النظام الرأسمالي تتبدى في منحى صارخ في البلدان المتخلفة ولبنان منها. 

 على أن أزمة طبيعة النظام اللبناني الطائفية تمثل للمنظمة، كما لغيرها من المعادين للطائفيات وللمذهبيات، معضلة صعبة خاصة وان اتفاق الطائف لم يقدم تسوية تاريخية لمعضلات الكيان دولة ومجتمعاً، بل وفّر شرعية لنظام المحاصصة الطائفية ولتجديد منظومة الحكم وفسادها وهي التي تقف وراء تفاقم الأزمات الداخلية وانفجارها، وصولاً إلى الانهيار الشامل على كل المستويات.

 لكن الأهم حسب طه هو أن لا يُعاد ارتكاب خطأ الماضي باستسهال قضية التغيير وهو ما تحدث عنه المؤسس في مراجعته العام 2005 وما يشدد عليه من بقي اليوم مناضلاً في سبيل هذا المشروع في المنظمة وخارجها. 

 لذا يبقى الأساس في تحدي الإنقاذ الذي يتطلب توافر قوى معارضة تشكل كتلة في سبيل هذه القضية، «ونحن نبحث عن كل المجموعات المُساعِدة للتعاون معنا بحدود قدراتنا وندعو إلى التحاور للبحث بما نقدر عليه، ففي ظل الوضع الراهن وأزمات البلد وارتباطها في الخارج عبر المنظومة

لا نستطيع الاستمرار في انتظار هذا الخارج كما دأبنا منذ 250 سنة لكي نهرب من مسؤولياتنا كلبنانيين».

 «النظام ولّاد للأزمات ويتوجب علينا التأسيس لمسار تغيير متدرج عبر كتل اجتماعية غير موجودة اليوم، علما أنها كانت موجودة قبل الحرب حين حفل البلد بحركة عمالية ونقابية وطلابية وتعليمية يجب أن توجد اليوم عبر مساحات مشتركة بين اللبنانيين في سبيل عملية بنائية لا تتحقق بمراسيم حزبية كون أحزاب الطوائف تصنف اللبنانيين عاموديا ونحن نريد التصنيف الأفقي لكل الفئات المتضررة بما فيها البرجوازية اللبنانية التي تحتفظ بدور في بناء اقتصاد البلد..». 

عدم ثقة بمجموعات التغيير

 لا تُعوِّل المنظمة على الانتخابات النيابية وترى أنها تشكل استحقاقا يبرر شرعية المنظومة في إطار صورة سوداوية تحتفظ بها لمستقبل لبنان وللمنطقة التي يرى طه أنها غير ذاهبة الى تسوية بل نحو «مساحات صعبة»، وإن كانت ستشارك فيه عبر تحالفات في الجنوب والبقاع والجبل وغيرها ربما، من دون إعلان أسماء مرشحيها حتى اللحظة وهو أمر قيد النقاش.

 يتوقع القيادي في المنظمة أن تشهد الانتخابات أكبر نسبة مقاطعة في التاريخ اللبناني نتيجة الخيبة من السلطة وعدم الثقة بمجموعات التغيير وسط لوائح متعددة ذات تمويل خارجي من قبل «كلنا إرادة» و«نحو الوطن». وبهذا يوجه طه انتقادا الى هاتين المجموعتين كون سلوكهما سيشجع الانقسامات. ويوضح هنا أن «الانتخابات باتت وراءنا هذا إذا حصلت وهمّنا يتركز على مستقبل البلد».

تجديد الطائف لصالح «حزب الله»

 ما المقصود بذلك؟ وهل نحن أمام تقسيم للبلد أو تجدد للحرب الأهلية؟

 يجيب: نحن في الأصل في صلب صراع أهلي لإعادة  انتاج انقسام السلطة، هم يريدون تجديد تسوية الطائف بصيغة أخرى تراعي توازنات الواقع الراهن ديموفراغيا واقتصاديا لتكريس شرعية «حزب الله» وسلاحه بعد ترسيم الحدود وانتفاء الحاجة الى هذا السلاح بعد موافقته ليصبح قوة داخلية ذلك ان الحزب لن يفرط بقوته التي بناها طيلة المراحل الماضية.  

 على أن المنظمة تحذر  من أن يحمل طرح نزع سلاح الحزب استسهالا للعودة إلى الحرب الأهلية، ومبررا لتعميم ثقافة استخدام السلاح الأهلي وسيلة للصراع. وهو ما يؤدي بدوره الى تشريع استنساخ دويلات الأمر الواقع الميليشياوي المتشابهة والرديفة. 

 ووسط قلق مما سيحمله المستقبل على لبنان، وصلت المنظمة إلى خلاصة بأن الأزمة الكبرى في البلد أعقد وأكبر من موضوع السلاح الذي تمكن السيطرة عليه بمشروع وطني عابر للطوائف، وذلك في مواجهة كلام كالذي خرج  به رئيس «القوات اللبنانية» سمير جعجع مثلاً المبرر لتعميم ثقافة السلاح.. والمقصود أن تصل البلاد إلى تسوية بين السلاحين كما حصل في الطائف بين الميليشيات. 

 لذا ترى المنظمة أن المدخل الطبيعي والوحيد لمعالجة معضلة سلاح الحزب، يكمن في أولوية إعادة الاعتبار لمشروع بناء الدولة الوطنية الديمقراطية، التي وحدها تملك حصرية حق حمل السلاح، واتخاذ قرارات السلم والحرب من خلال مؤسساتها السياسية. وفي هذا الاطار يقع بحث وإقرار الاستراتيجية الدفاعية الوطنية.

على أن الانتفاضة الشعبية في 17 تشرين الأول 2019 شكلت فرصة ذهبية للمنظمة لإعادة تفعيل محركاتها تحت شعارات جذابة وهي تعلم تماما أن الشباب اللبناني بات خارج إصطفافات الأحزاب واللغة الحزبية الجامدة. 

 لكن طه يؤكد أن هروب الشباب من الأحزاب يعني أنه لم يعثر على مصالحه وطموحاته وهنا يجب تقديم العلاج بمزيد من الديمقراطية العلمانية الرحبة غير المستبدة، وبالنسبة إلينا فقد بدأنا للتو توزيع الوثائق وسنعرضها للنقاش وللحوار.

الاستفادة من 17 تشرين

 يُقر بـ«أننا قيادات متحدرة من المراحل السابقة ونحن نتحدى أنفسنا لتقديم ما هو جديد عبر اللّحم العاري لكي ننتسب الى قضايا الوضع الراهن وهو التحدي الحقيقي لليسار بكل تشكيلاته أفرادا وجماعات..»، وفي طليعة التحديات الاستفادة من تجربة انتفاضة 17 تشرين بتعدديتها وتنوعها وهي كانت خطوةً مهمةً نحو توليد المشروع الديمقراطي العلماني. 

 إنطلاقاً من هنا سيكون الهدف تجديد العمل لبناء حركة معارضة مجتمعية ديمقراطية علمانية تعددية، من رحم الكتل والفئات الاجتماعية المتضررة في معادلة الصراع في مواجهة منظومة القوى الطائفية، على طريق بناء كتلة ديمقراطية علمانية مجتمعية عابرة للطوائف والمذاهب.