بيروت - لبنان

اخر الأخبار

29 أيلول 2022 12:00ص موازنة تشريع الهدر والسرقة والعجز

حجم الخط
إنّ الدول التي تحترم نفسها وتُديرها طبقة سياسية حكيمة متعلمة متنوّرة هي عملياً مضطّرة بحكم الظروف السياسية الموضوعية والعلمية الداخلية والخارجية إلى أن تتدخــل في كثير من الأحيان في ميادين الإقتصاد - المال - الإجتماع - التجارة لإتخاذ تدابير الحماية في بعض الإختصاصات وفرض الضرائب والرسوم لغايات إقتصادية - مالية - إجتماعية، ومراقبة ماليتها العامة وتنظيم سياسة النقد والتسليف والإدخار والإستثمار وتوازن الأسعار والإستثمار المباشر لبعض المشاريع... كل ذلك يبعُد عن نشاط الدولة اللبنانية التي تُديرها للأسف عصابة سياسية (عفواً على هذا التوصيف) والتي أوصلتنا إلى ما نحن عليه من فقر وبطالة وسوء إدارة.
علمياً وإستناداً إلى مبادئ العلوم المالية تحتاج الدولة إلى الإنفاق ليمكنها القيام بالواجبات المُلقاة على عاتقها لتسيير أمور الناس وفي علم المال هناك مفهوم «مصالح عامة» التي يجب على الدولة أن تؤمّن تسييرها. ومن المهام المنوطة بالدولة القادرة أن تقوم بمشاريع عمرانية كبرى ذات إستفادة مادّية ومعنوية، وأن تعمل على تحسين شروط المعيشة وحماية الاقتصاد الوطني وزيادة الثروة الوطنية ونشر العلم وحفظ الصحة العامة وتأمين مياه الري والكهرباء ومعالجة أي أزمة طارئة... كل هذا غير متوّفر في جمهوريتنا المحكومة من المافيا السياسية.
إستناداً إلى مبادئ العلوم المالية كيف تستدرك الدولة حاجتها إلى المال؟ كيف تجبيه؟ كيف تنفقه؟ ووفقاً لأية قواعد؟ ومن يُجيز الجباية والإنفاق ويُراقبهما؟ كل هذه الأمور يعالجها علم المالية والذي يُعرف بـ«مجموع القواعد التي يجب على الحكومات والهيئات العامة أن تطبقها في تحديد النفقات العامة وتأمين الموارد لسد هذه النفقات، بتوزيع أعبائها بين المواطنين» هذه القاعدة المتعارف عليها والتي يُهملها ساسة لبنان هي ملك الفرنسي Gaston Jese أكاديمي فرنسي وناشطاً في المجال الإنساني وحقوق الإنسان وأستاذ للقانون العام ومقيماً في معهد القانون الدولي، يا حبذا لو ساسة لبنان يقرأون نصف ما ورد له من دراسات.
لمافيا السياسة في لبنان، هل تعلمون ما هي مصادر علم المالية؟ سأجيبكم بما يرده العلم هناك ثلاث مصادر للتشريع المالي تعتبر في الوقت ذاته مصادر رئيسية لعلم المالية وهي: أ- الدستور: ففي دستور كل دولة مواد خاصة تتعلق بشروط الجباية والإنفاق وتحديد أحكام الموازنة وكيفية تحضيرها وحقوق المجلس النيابي في إقرارها وتنفيذها ومرقبتها. وفي الدستور اللبناني تحدد المواد 81 وما يليها حتى المادة 89، الأحكام المالية المتعلقة بفرض الضرائب وبتحضير الموازنة وحقوق المجلس في مناقشتها وإقرارها وفي تصديق قطع الحساب، وعقد القروض العمومية ومنح الإمتياز. ب- نصوص القوانين المالية والنصوص التنظيمية والتطبيقية المتممة لها: وهي أكبر مصدر للتشريع المالي ولكنها دائمة التبدُّل والتطور بما يدخل عليها من تعديلات مستمرة تبعًا للظروف ومقتضيات المصلحة. ج- إنّ السلطات المالية التي تتولّى الجباية والإنفاق هي كغيرها من السلطات العامة خاضعة للقوانين الإدارية للدولة... سؤال أطرحه بإعتباري مواطن لبناني مغترب وناشط في الشأن العام هل عملتم بما ورد؟!!
ما أقدمتم عليه هو بمثابة جرم وخيانة للأمانة وعبارة مكافحة الفساد التي أطلقتموها تباعاً ما كانتْ إلاّ كذباً، وإنّ قوانين المحاسبة وضبط الهدر لا تُعَّد ولا تُحصى ولكن من دون تطبيق. قانون المناقصات نموذج عنوانه الزبائنية السياسية، موازنتكم هي زيف الإدعاءات الكاذبة بمحاربة الفساد وهي أظهرت زيف الشعارات بالمحافظة على المالية العامة. موازنة أقرّها جلاّدو شعبنا والوطن وفي يدهم كل مفاتيح السرقة والهدر والفساد ونهب المال العام، موازنة مصروفها أكثر من إنتاجيتها، موازنة أقرّها من سرق ونهب بالقوانين الذي يستظلها وبالأحزاب التي يحكم من خلالها. موازنتكم لم تخرج إلّا بالمزيد من تكريس موارد الهدر والفساد وبالمزيد من السرقة والتعّدي على حقوقنا كمواطنين في لقمة عيشنا وعلى حقوق الموظفين ورواتبهم والتعدّي على حقوق العسكريين وفرض الضرائب والوعود المعسولة. إننا نعلم جيِّداً بموارد الهدر الحقيقية، سيأتي يوم الحساب، خسئتم يا سادة.
* سفير الجمعية العالمية لحقوق الإنسان، المودّة