بيروت - لبنان

اخر الأخبار

29 تموز 2019 12:02ص «نَحرُ السُنَّة في لبنان رهان خاسر!»

حجم الخط
جسّد الشهيد الرئيس رفيق الحريري حالة إستثنائية عندما قال «ما حدا أكبر من بلده» و«ما المهم مين بيبقى ومين بيروح.. المهم البلد». وقد تابع الرئيس سعد الحريري مستكملاً نهج والده الشّهيد عندما قال «لبنان أولاً»، ممّا يعكس ويؤكد تمسُّك السُنة بوطنهم ويضعونه في المصاف الأول.

لكن اغتيال الرئيس رفيق الحريري عام ٢٠٠٥ كان من ضمن أهدافه استهداف الحضور السنّي الوازن في المعادلة اللبنانية، ومنذ ذلك الحين تتعرّض الطائفة السنّية لضربات متتالية نالت من دورها في الحياة السياسية، والمواقع التابعة لها، والتعرّض لصلاحيات رئاسة مجلس الوزراء. فارتفع هاجس الإحباط، خصوصاً في ظل ممارسة سياسية كيديّة يسعى من خلالها فريق سياسيّ لتثبيت قواعد مناقضة لروحية اتفاق «الطائف»، وتجويفه من مضامينه، بحجّة «استعادة» حقوق المسيحيين «التي سلبتها السنّية السياسية» حيناً، وحجة الحفاظ على «الميثاقيّة» أحياناً أُخرى.

وهذا الفريق يريد تطويق رئيس الحكومة سعد الحريري والتعامل معه على انّه «باش كاتب»، وهو بذلك لا يجد رادعاً لممارساته الخارجة عن الدستور و«الطائف» والتوازنات الطائفية التي أرسيت بعد تضحيات جمّة، وممارسة البدع الجديدة بهدف تحويلها الى أعراف ثابتة، كبدعة «الثلث المعطّل» والحكومات «الائتلافية» وتمثيل رئيس الجمهورية في الحكومة وما يمثل ذلك من إلتفاف على الدستور.

وقد شهدت السنوات الثلاث من العهد «القوي» محطات عديدة تم فيها تجاوز صلاحيات رئاسة مجلس الوزراء والحكومة، ومؤخراً، بدا واضحاً الحصار المفروض على الموقع السنّي الأوّل في الدّولة اللبنانية عندما خُفّضت موازنات الإدارات والصناديق التابعة لرئاسة مجلس الوزراء بنسبة ٧٠ بالمئة استنسابياً، ودون سواها من الإدارات التابعة للرئاستين الأولى والثانية، وكأن ثمّة من يريد محاصرة رئيس الحكومة وتحميله تبعات الإخفاق في تحقيق أي انجاز، عبر الحد من القدرة المالية للإدارات التابعة له، وبالتالي إضعاف قدرتها على تنفيذ المشاريع الحيوية التي هي في عهدتها.

وهذا الاستضعاف للطائفة السنّية في لبنان والاستخفاف بها مردّه الى إنتماء اللبنانيون السُنّة الى النسيج السنّى العربي الذي يتعرّض منذ أكثر من عقد لعمليّة تطويق وإضعاف واستنزاف ممنهجة. كل هذا يجري في ظلّ أجندات خارجية لنحر السنّة في العالم العربي وفي لبنان بهدف توسيع النفوذ الفارسي سياسياً وطائفياً، وإرساء فكرة الإسلام السياسي من أجل اغتيال العروبة، إضافة الى المساعي الصهيونية الدائمة والرامية الى إيجاد مشاريع طائفية في البلدان العربيّة بهدف تفتيتها.

أمّا على الصعيد اللبناني، يشكّل السنّة العدد الأكبر من اللبنانيين بحسب لوائح الشّطب، إلّا انهم الأكثر فقراً على مستوى المداخيل والكتلة المالية، وهم لا يمتلكون أي من مستلزمات اللعبة الطائفية القذرة التي تدور في لبنان: فلا كتل جماهيريّة مطواعة مُسيّرة، ولا نفوذ ماليّ يتم توظيفه في مناطقهم، ولا مؤسّسات اجتماعية وتربويّة يستخدمونها في توسيع رقعة الزبائنية، ولا قدرات مسلّحة تعطيهم فائض من القوّة كما هو الحال مع الطوائف الأُخرى.

وبالرغم من كل ما تقدّم بخصوص المحاولة لنحرِ اللبنانيين السُنّة، إلّا ان تنفيذ ذلك المخطط سيكون صعباً جداً، ورهاناً خاسراً، إذا ما بادر السنّة إلى ترتيب أمورهم ومعالجة أوضاعهم ورصّ الصفوف حول الحدود الدنيا من القواسم المشتركة والمصلحة العامة للطائفة.

وإذا استمرّ الفريق الآخر في استفزاز السنّة ومحاولة تهميشهم يكون قد دفع بإتفاق «الطائف» الى المزيد من التداعي، وحينها قد يُطالب السنّة بمعاودة العدّ وبإستعادة حقوقهم، ولو كان ذلك بوجه قوّة البندقية، فهم لن يرضوا أن تصبح طائفتهم ضحيّة «العيش المشترك» الزائف و«التوازن الطائفي» الاستنسابي، وقد تفلت الأمور إلى ما لا يُحمد عقباها، والنار قد تحرق من أشعلها!

لشركائنا في الوطن نقول: نحنُ السنّة نتمسّك بالاعتدال العابر للطوائف وبالعيش المشترك، ولا نُريد تهميش أحد في الوطن، ولكن حذارِ شرّ الحليم إذا غَضِب!