بيروت - لبنان

اخر الأخبار

14 آب 2021 12:01ص نظام رئاسي بالممارسة

حجم الخط
لا يكاد يمرُّ يوم منذ التسوية الرئاسية إلا ويتم ضرب الدستور ومخالفة بنوده والإجتهاد في خلق أعراف ظاهرها دستوري وباطنها الإلتفاف على إتفاق الطائف وإعتماد النظام الرئاسي بالممارسة، في مخالفة واضحة لبنود الدستور، خاصة أن السلطة التنفيذية إنيطت بمجلس الوزراء مجتمعاً.

إن توقيع وثيقة الإتفاق الوطني في مدينة الطائف إنما تم برعاية دولية وعربية وضعت حداً لحرب أنهكت البلاد والعباد، وأقرّت تعديلات دستورية كانت عبارة عن مطالبات فئة من اللبنانيين منذ إعلان دولة لبنان الكبير في الأول من أيلول عام 1920.

عارض الرئيس ميشال عون إتفاق الطائف منذ مغادرة النواب الى السعودية، واستمر في رفض هذا الإتفاق رغم إنتخابه نائباً بموجب الدستور الذي أضحى إتفاق الطائف جزءاً من بنوده، بل أكثر من ذلك إنتخب رئيساً بموجب هذا الدستور وأقسم اليمين بمقتضى نصوصه أيضاً، ولكم رغم ذلك، فقد بدأ في ضرب الدستور وإختلاق أعراف دستورية الهدف الأساسي منها تغيير المعادلة القائمة على مركزية القرار بيد مجلس الوزراء مجتمعاً، ولعلّ القادة السنّة قد ساهموا أيضاً بطريقة غير مباشرة في خرق بنود إتفاق الطائف وهي جزء من الدستور، وتجلّى ذلك في تشكيل الحكومات المتعاقبة في عهد الرئيس عون، وتوضح أكثر في إستمرار هؤلاء في إرسال المرشحين المحتملين للرئاسة الثالثة وخضوعهم لإختبارات عون ومن ورائه في إذلال غير مسبوق لأحد أركان السلطة وممثل طائفة مؤسسة للكيان.

غير أن الإمعان في خرق الدستور لم يقتصر على ما ذكر أعلاه، بل تمثل أيضاً في إيجاد سلطة بديلة عن مجلس الوزراء هي المجلس الأعلى للدفاع، الذي أصبح يشكّل مجلساً وزارياً بديلاً يأخذ القرارات غير الأمنية، مستغلاً بذلك أداء غير مسبوق لرئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب، الذي تنازل عن كافة صلاحيته وسلّم أمره للرئيس عون وفريق عمله.

قد يكون الرئيس عون يملك صلاحية التوقيع على مراسيم تشكيل الحكومة، في المقابل فإن رئيس مجلس الوزراء أياً يكن يملك صلاحية التوقيع على إطلاقه، بمعنى أن لا قرار يمرّ دون توقيعه، وهنا يتحمّل القادة السنّة مسؤولية تاريخية في التفريط بصلاحية رئيس الحكومة، في بلد قائم على التوازنات الدقيقة.

أمام الرئيس المكلف نجيب ميقاتي فرص متساوية في تشكيل الحكومة من عدمها، لكن في المقابل عليه واجب المحافظة على صلاحيات الرئاسة الثالثة، وإعادة الأمور الى نصابها ومسارها الصحيح، بمقتضى إتفاق الطائف، بعيداً عن البدع الدستورية ظاهراً وغير الدستورية اساساً، وعلى الرئيس ميقاتي ورفاقه إتخاذ قرار تاريخي بوضع حد لغطرسة البعض وضربهم عرض الحائط بكافة النصوص الدستورية والأعراف.

إن إقرار التعديلات الدستورية التي تمّت بموجب إتفاق الطائف شكّل مساراً طويلاً من مطالبات تاريخية محقة لإعادة التوازن للحكم في لبنان، وما محاولة البعض ضرب تلك التعديلات بممارسة سلطة رئاسية سوى رغبة في دفن إتفاق الطائف، وعلى المؤتمنين على موقع الرئاسة الثالثة إتخاذ مواقف متصلبة من المحاولات تلك، ولعل أولها رفض ما يحدث من إستنزاف طاقاتهم، ومن المفيد لهم الإطلاع على ما فعله أسلافهم خلال العام 1952 في محاولة مماثلة للرئيس بشارة الخوري.



كاتب – باحث سياسي